ايدت محكمة الاستئناف الباريسية امس موقف القاضي الفرنسي المتخصص في ملفات الارهاب جان - لوي بروغيير في شأن امكان فتح تحقيق قضائي ضد الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بتهمة التورط في قضية تفجير طائرة الركاب الفرنسية فوق صحراء النيجر سنة 1989. قالت محكمة الاستئناف في باريس، في معرض تأييد موقف القاضي المكلف قضايا الارهاب جان - لوي بروغيير في تشرين الأول/ اكتوبر 1999، ان الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول وتحول دون التحقيق معهم أو ملاحقتهم لا تسري على الاعتداءات الارهابية. مما يعني امكان ملاحقة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في قضية تفجير طائرة "يوتا" العام 1989. واستوضحت الحياة مصدراً قضائياً قريباً من بروغيير، فنقل عنه ان "قرار المحكمة يؤكد موقف بروغيير ويناقض موقف رئيس النيابة العامة الذي كان اعتبر ان حصانة رؤساء الدول تحول دون التحقيق معهم". مما يعني انه بات في امكان بروغيير التحقيق في مسؤولية القذافي عن حادثة التفجير. لكن المصدر أضاف ان هذا "لا يعني ان بروغيير سيوجه تهمة الى الزعيم الليبي أو حتى يلاحقه قضائياً، ما دامت ليست هناك أي أدلة على تورطه في الحادثة". وتابع انه لا يمكن بالتالي إصدار مذكرة توقيف دولية في حقه. وعن سبب هذا التطور الجديد، خصوصاً ان القذافي دفع ما هو مترتب على ليبيا من تعويضات لأسر الضحايا، قال المصدر ان هذا "مرده الى جدل قانوني قضائي مع المدعي العام، في شأن عدم وجود أي حصانة دولية تحمي رؤساء الدول من الملاحقات في اطار القضايا المتصلة بالارهاب، أو بعمليات الإبادة". واضاف ان مثل هذا الجدل مستجد بالنسبة الى القضاء الفرنسي، ولذلك فإن المحكمة قررت تأييد موقف بروغيير وسمحت له بمواصلة التحقيق، معطية النيابة العامة حق استئناف هذا القرار. واكد مجدداً ان قرار المحكمة لا يعني اطلاقاً ان القذافي سيلاحق. لكنه أقر بأن قرار محكمة الاستئناف سيؤثر سلباً على العلاقات الفرنسية - الليبية في المرحلة المقبلة. وذكر ان التحقيق في هذه القضية يمكن ان ينتهي في غضون خمسة أو ستة اشهر، وبعد ذلك يُغلق الملف نهائياً "نظراً الى عدم وجود أدلة على تورط القذافي شخصياً في الحادث" الذي أوقع 170 قتيلاًَ. وكان بروغيير قرر اعادة فتح التحقيق في حادثة تفجير الطائرة الفرنسية، بناء على طلب قدمه فرانسيس بيتر محامي منظمة "اس.او.اس اتنتا" الفرنسية التي تمثل ضحايا الاعمال الارهابية. لكن المدعي العام الفرنسي رفض ذلك. وقال المحامي الفرنسي فرانسوا جيبو الذي يمثل القذافي والجانب الليبي في قضية "يوتا" ل"الحياة" امس ان "ما صدر عن المحكمة لا يعني اطلاقاً ان هناك أدلة" على تورط الزعيم الليبي في قضية تفجير الطائرة. وقال ان هذه القضية ستؤثر سلباً على العلاقات الفرنسية - الليبية وخصوصاً على العقود التجارية الفرنسية مع ليبيا. وأضاف ان رجال أعمال فرنسيين كانوا أبلغوه منذ 8 اشهر انهم ينتظرون حلحلة لهذه القضية، لكي تعود العلاقات الاقتصادية بين البلدين الى "وضع طبيعي. اما الآن وفي ظل التطور الأخير، فإن الاميركيين سيستمرون في الحصول على كل العقود". ونقلت وكالة "فرانس برس" عن المحامي جيبو: "سيكون هناك على الأرجح طعن من النيابة العامة امام محكمة التمييز". وأوضح ان القاضي بروغيير "لا يمكنه ان يتخذ أي قرار سوى رد الدعوى في حال لم تكن هناك تهمة. ان مجرد كون الانسان رئيساً لدولة لا يعني بأي حال انه على علم بكل ما يجري ... وانا كلي ثقة في ذلك". وأوضح المحامي ان بروغيير "لم يوجه اي تهمة الى القذافي خلال السنوات العشر كما لم تتحرك جمعية "اس أو اس - اتنتا" وعائلات الضحايا طوال هذه المدة لتقوم اليوم برفع شكوى ترتدي طابعاً سياسياً. وعبر المحامي عن "دهشته" لقرار محكمة الاستئناف الذي يتعارض مع "تقليد مضى عليه قرون حول الحصانة التي يتمتع بها رئيس الدولة وهو في منصبه". الى ذلك، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا ريغاسو ان فرنسا تأمل في مواصلة علاقاتها مع ليبيا، على رغم قرار محكمة الاستئناف. وكانت العلاقات بين باريسوطرابلس بدأت تتحسن منذ تولي الرئيس جاك شيراك الحكم. ووعد القذافي في رسالة خطية وجهها الى شيراك بالتعاون كلياً مع القضاء الفرنسي في قضية "يوتا". وعمل القذافي بالفعل على تسهيل المهمة التي قام بها بروغيير في ليبيا في اطار تحقيقه في عملية التفجير. ودانت محكمة باريس، سنة 1999، ستة ليبيين من بينهم صهر القذافي عبدالله السنوسي بتهمة التورط في تفجير الطائرة. واصدرت مذكرات اعتقال دولية تطالهم في حال مغادرتهم ليبيا. ودفعت السلطات الليبية لاحقاً تعويضات أقرتها المحكمة لأسر الضحايا. وكان شيراك أرسل مستشاره للشؤون الافريقية جان دو بوش ومستشاره جان فرانسوا ميدو الى ليبيا لطمأنة القذافي الى ان فرنسا تريد "علاقات طبيعية وجيدة" معها، بعد الاستياء الذي أبدته من جراء عدم دعوتها الى المشاركة في القمة الفرنسية - الافريقية التي عقدت في فرنسا العام الماضي. كما زار وزير التعاون الفرنسي شارل جوسلان طرابلس الشهر الماضي وشكر القذافي على الدور الذي لعبته بلاده في عملية اطلاق الرهائن الفرنسيين في جزيرة جولو الفيليبينية. وكان من المطروح ان يقوم وزير الخارجية هوبير فيدرين بزيارة لليبيا، كونه لم يزرها منذ توليه منصبه، علماً ان شيراك كان التقى القذافي على هامش القمة الافريقية - الأوروبية في القاهرة