"خلع الرفاق خوذاتهم… اجلالاً لمرأى زهرة البنفسج ظهرت فجأة على حافّة الخندق وكأنها تختال لِفَرط فتنتها. انحنى الجنود جميعاً كأنهم يلبّون امراً… وقد رأى كلُ منهم فيها ما يهواه، لأن قلوبهم جميعاً خفقت من حولها. في غابةٍ نحن أم في مرج؟ ... نحن في خندق، اشخاص مشتاقون… لرؤية ازهار البنفسج. هكذا… ذاتَ يوم، على حافة الخندق لأن زهرة اشرقت.. بدت التربة الكالحة… التي مزّقتها القنابل… اجمل بقاع الارض!! هذا النص من كتاب "يوميات الحرب" لجنود فيتناميين فيه اشعار لجنود فتيان، كانت الحرب تستدعيهم بعد موت الفوج الاول والثاني من الاجيال. الحرب التي دائماً تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي. وبالمصادفة وحدها بقيت تلك القصائد - ربما تلك العبارات فقط - التي تركها جنود على اوراق صغيرة وعلى احجار… قبل ان يموتوا نتيجة للقصف والمعارك. تركوها ولم يتركوا توقيعاً عليها. تأملت بضعة قصائد اخرى، واحدة منها تقول: "انا فجأة رأيت كسرة مرآة زميلي الذي مات.. تأملت وجهي فيها. تأملت ما وراء العينين. وجدت نفسي غريباً. تذكرت نفسي… انا الذي كنتُهُ ذات يوم ولن اكونه بعد اليوم، ابداً!!". تأملت الحرب، تاركة الشعر يذهب بعيداً لمن يتبقى لهم آخر الكلام، لأن الحياة هي نقيض اللغة، حينما يصبح عسيراً على المرء ان يجد من يتكلم معه ويألف رائحته.. ووجدت بين السطور، بين الخرائب ربما الوجوه التي لم تعد بيننا. ثمة حروب تخفي اهدافها. ولكن الذي يختفي ويسّبب لنا كمية الحزن الحرّيفة، هم من نفقدهم دون جدوى… الحرب عادة تنتهي في عصرنا بالتعادل، لأن الخاسر يُبرر هزيمته بنصر قادم.. والمنتصر يحاول تلميع الزمن بتوقيف الساعة على لحظة النصر التي ليست نهائية!! هؤلاء الفتيان، الازرق في عيونهم. الازرق فيما يلبسون. الازرق حولهم… البحر والسماء والامل… يساقون دائماً الى فتّوة العبور الصعب نحو عصر فيه كل شيء للبعض ولا شيء لآخرين يتكاثرون على اطراف الدنيا. السعيد، يهزّه ضميره في سرير. والبائس ينظر بعيداً نحو سعادة ربما هي فائض الآخر السعيد، ولكن عبر شبكات الإنترنت والفضائيات. هذه الوفرة هي المشهد. ولكن اتساع القارات وازدياد البشر وتكاثر الفروق… مسألة شباب عالمنا اليوم. حينما يشيبون، يشبهون آباءهم، يتذكرون ذلك الوقار الحزين على اهبة التردد بين فرح الابوة والبنوّة والفارق ما بينهما: ذاهبُ الى عدم. وقادمٌ الى هدف. "نحن اشخاص مؤقتون" لا بأس. ولكننا نرسم حلمنا رويداً رويداً ومن اجل املٍ طارئ، غير موعود، فالرسام روائي الجسد. والفتى جسد يُشبه جسراً لعبور اللذة. ولكن الوقت دائماً على اهبة الرحيل.. ولهذا نقتنص الوقوف على ناصية الطريق في انتظار تلك الشطيرة اللذيذة من الحياة!! * كاتبة سورية