بقي بنيامين نتانياهو في الحكم في اسرائيل ثلاث سنوات لم يخل يوم واحد منها من فضيحة سياسية او مالية وتحقيق رسمي. وذهب نتانياهو غير مأسوف عليه، وبدأنا ننساه، الا انه عاد اخيراً بفضيحة جديدة، والشرطة تحقق معه ومع زوجته، فيخضعان للاستجواب ساعات طويلة. باختصار، استعمل بنيامين وساره نتانياهو خلال سنوات ليكود في الحكم مقاولاً محلياً من المتدينين اسمه افنير اميدي لنقل محتويات منزله، واجراء تصليحات في شقته الخاصة. ولم يدفع نتانياهو قرشاً واحداً للمقاول خلال ثلاث سنوات، فجاء هذا بعد خسارة ليكود الانتخابات، وقدم الى مكتب رئيس الوزراء فاتورة بمبلغ 440 الف شيقل، او حوالى مئة الف دولار. وحاول مدير المكتب موشي ليون خفض الفاتورة الى 323 الف شيقل، الا ان محاولته فشلت، وأصبح هو ايضاً عرضة لتحقيق رسمي، ثم عُرض على اميدي 50 الف شيقل مقابل مهمتين قام بهما، ورفض المقاول العرض. وما ثبت حتى الآن هو ان الاشغال كلها خاصة، لا علاقة للمقر الرسمي لرئيس الوزراء بها، وان التحقيق الأولي كشف تواطؤ نتانياهو وزوجته مع اميدي، فقد ذهب هذا الى بيت رئيس الوزراء السابق فور معرفته ان "يديعوت اخرونوت" تعد تحقيقاً عن الموضوع، لتنسيق المواقف. وبدأ التناقض بين الابطال الثلاثة فوراً، فالمقاول اصرّ على انه قام بكل المهمات التي سجلها وتجاوزت ثلاثة آلاف، مع انها لو صحت لكان معنى ذلك انه اقام في شقة رئيس الوزراء ومقره ثلاث سنوات، ولم يقم بأي عمل آخر. وبنيامين نتانياهو زعم انه لا يعرف المقاول، ولم يكلفه بأي مهمة، مع ان الشرطة تعرف انهما التقيا. اما سارة نتانياهو فكان عذرها انها لا تعرف الحدود بين العمل الخاص والعام، وهو عذر غير مقبول حتى لو كان صحيحاً، لأن الجهل بالقانون ليس مبرراً. ويبدو ان المقاول من طينة نتانياهو فقد اكتشف الصحافيون الاسرائيليون انه بالاضافة الى اسمه الحقيقي افنير اميدي فهو يستعمل اسماء افنير الياهو اميدي، واميدي أف، ومزراحي اميدي. اما زوجته اليزا اميدي، وهي بائعة ورد، فتستعمل ايضاً اسم اليزا مزراحي وأليس. ووجد الصحافيون على جرس الشقة اسم شلومو اوفيد، وعلى صندوق البريد افنير واليزا مزراحي. نقول الطيور على اشكالها تقع، وليس في ما سبق جديد، ولكن سجلته على طريقة الطرفة عن الشيوعي الذي يسمع ان غورباتشوف مات فيتصل بجريدة "برافدا" للتأكد من ذلك، ويقول له المحرر المسؤول ان غورباتشوف مات فعلاً. ويتصل الرجل في اليوم التالي ويسأل، ويسمع مرة اخرى ان غورباتشوف مات. ويتكرر الاتصال يوماً بعد يوم، وأخيراً يتنبه المحرر الى ان الرجل يسأل كل يوم هل مات غورباتشوف، فيقول له انه عرف صوته، ويسأله لماذا يسأل عن موت غورباتشوف كل يوم. ويقول الرجل انه يعرف ان غورباتشوف مات ولكنه يحب ان يسمع ذلك. وأنا اعرف ان القارئ يعرف ان نتانياهو دجال محتال، الا انني احب ان اسجل ذلك، وأعتقد ان القارئ يحب ذلك أيضاً. نقول اللهم لا شماته، ونحمده ان أماته، ولكن اذا كان لي ان أتكلم جاداً أقول ان الشماتة فينا، فالفصل الاخير في سلسلة فضائح نتانياهو يظهر الفرق بين الديموقراطية والمحاسبة والشفافية وحكم القانون في اسرائيل وما نعرف في بلادنا. نتانياهو متهم برشوة، والمبلغ كله لا يتجاوز مئة الف دولار، ربما كانت حصته منها عشرة في المئة أو حتى 50 في المئة. في بلادنا مثل هذه المبالغ تدفع لسائق رئيس الوزراء او حاجبه. ثم لا يفكر احد بمحاسبة احد، وأنا لم اسمع بعد عن رئيس وزراء عربي تعرض لتحقيق من نوع ما تعرض له نتانياهو في الحكم وخارجه. اما الوزير اليتيم من 20 دولة عربية الذي تعرض لمثل هذا التحقيق، فكان سبب سقوطه بالاضافة الى التصرفات المفضوحة، فقده الحظوة عند الحاكم. والسياسة مثل الحب، فالذين ظلموا الحب قالت لهم ام كلثوم "العيب فيكم وفي حبايبكم"، ونحن نقول للذين يتهمون اسرائيل او اميركا، وقبلهما الاستعمار الذي تحول امبريالية، او نيوامبريالية، اننا مسؤولون عن فشلنا المستمر في مواجهة اسرائيل، وفي ركب موجة الحضارة، وفي قهر علل المجتمع العربي. نتانياهو كان الزعيم الوحيد في الشرق الأوسط الذي كنت اكتب عنه بحرية كل ما اعرف. ولم تكن لي مصادر خاصة للمعلومات، وانما اعتمدت على الجرائد الاسرائيلية نفسها، فهي من مستوى غربي، وفي حين اننا نشتم فهي وفرت المادة الدسمة الفعلية عن تصرفات نتانياهو وتجاوزاته، وأخطائه وخطاياه. شخصياً، لا أريد ان يحاكم اي رئيس وزراء عربي، بل لا اريد ان يتهم، ولكن اعتقد اننا سنحقق الكثير عندما نتصرف كما يتصرف الاسرائيليون مع اركان الحكم عندهم. وسرتني فضيحة نتانياهو الجديدة من ناحية فأنا أتمنى ان أراه في السجن، ثم احزنتني لأن ليس في بلادنا مستوى المحاسبة الموجود في اسرائيل.