نقول "اللهم لا شماتة" ونضيف "الحمد له ان أماته"، والمقصود بنيامين نتانياهو طبعاً. كانت زميلة اتصلت بي صباح الثلثاء الماضي بعد ان تأكدت خسارة ليكود الانتخابات، وسألتني عمّن سأكتب بعد ان خرج نتانياهو من حلبة السياسة. وقلت لها "هو يروح وأنا أدبر أمر نفسي...". وهو راح الى غير رجعة، إن شاء الله، وهذا ليس شعوري وحدي، بل شعور كل من طلب السلام في الشرق الأوسط، وبالتالي شعور غالبية العرب والاسرائيليين، وبقية العالم معهم. وإذا كان القارئ يعرف شعوري من بضع مئة مقال في السنوات الثلاث الأخيرة، فأنا أزيد له شعور جيرالد كوفمان، وزير خارجية "الظل" في حزب العمال البريطاني، الذي كتب في نهاية الاسبوع مقالاً بعنوان "باي باي بيبي" أوضح فيه أنه رفض ان يزور اسرائيل خلال سنوات نتانياهو في رئاسة الوزارة، وعندما زار رام الله السنة الماضية، وعبر اسرائيل لركوب الطائرة من تل أبيب لم يخرج من سيارته إلا ليذهب الى المرحاض . كوفمان سياسي حكيم ممتاز، وشهادته متوقعة، غير أنني سمعت شهادة أخرى في نتانياهو تستحق التسجيل. قال رئيس الوزراء السابق اسحق شامير لراديو اسرائيل ان نتانياهو "دمّر حزب ليكود تدميراً كاملاً أكاد أغير رأيي فيه، وهو انتزع لنفسه كل السلطات نزعة عربية بعد ان عاشر قومنا 40 يوماً، وفي النهاية لم ينجح في شيء سوى القضاء على ليكود أكاد أبكي ألماً". نتانياهو هبط بمقاعد ليكود في الكنيست من 32 مقعداً الى 19، في حين ان حزب شاس زاد مقاعده من عشرة الى 17 مقعداً. وكان المنتصر الاغرب، في رأيي، هو حزب شينوي، فهذا حزب له رسالة بسيطة علمانية من دون زعماء، ما يجعلني أقارنه بحزب الوسط الذي كان له خمسة رؤساء من دون رسالة. والمهم ان الفضل في كل هذا للسيء الذكر نتانياهو، حتى كدت أن أحضر حفلة توديعه مع من حضر، فهو أقام حفلة وداعية لموظفي رئاسة الوزارة، حضرها الجميع من كبار مساعديه الى السكرتيرات والسائقين ولو حضرت لكنت وجدت صعوبة في كتم بسمتي وسط جو الحزن القائم. نعرف الآن ان نتانياهو استقال من رئاسة ليكود فور اعلان نتائج الانتخابات، واعتبر أنصاره، خصوصاً من الكتاب الليكوديين في اميركا، قراره هذا دليل ديموقراطية، مع أنه في الواقع استمرار للخبث الكامن، فقد كان معروفاً ان ليمور ليفنات، وزيرة المواصلات في حكومته، وايهود اولمرت، رئيس بلدية القدس، اتفقا على انه في حال خسارة ليكود الانتخابات فسيدعوان الى مؤتمر للحزب في اليوم التالي لعزل نتانياهو. وهكذا فهو استقال قبل ان يعزل. وقرأت أمس انه قد يعتزل العمل السياسي نهائياً. وهو اذا اعتزل لن يجوع، فهناك حديث عن عرض له بمبلغ 1.5 بليون دولار لكتابة مذكراته، أنكر وجوده، ما يعني انه موجود، وأضاف انه مستعد ان يدفع 10 في المئة لمن يأتيه بمثل هذا العرض عندي في الخليج صديق عمولته المعروفة هي عشرة في المئة. غير انه لم ينكر انه تلقى عرضاً من شركة أريسون لشغل منصب كبير فيها. وكان شلومو نيهيميا، رئيس هذه الشركة من أكبر المتبرعين لحملة ليكود، وشركته تملك مصرفاً اسرائيلياً وعدة شركات تعمل في مجال الاتصالات الالكترونية. وقال مساعدون مقربون لنتانياهو كشفوا انه سيستقيل من الكنيست، ان السبب هو رغبته في إلقاء المحاضرات في الولاياتالمتحدة مقابل أجر مرتفع، واضافوا ان رئيس الوزراء السابق في اسرائيل يتلقى بعض الفوائد مثل خدمة سكرتيرتين، وحراسة شخصية، ولكن ثمة قيوداً على مدى الدخل الاضافي الذي يستطيع عضو الكنيست جمعه، لذلك فنتانياهو يفضل الاستفادة من اسمه، وهو لا يزال في الذاكرة، وهكذا يعود الرجل تاجراً كما بدأ، فهو عمل يوماً تاجر مفروشات. ونقول: "ما بيحن على العود إلا قشره" ونتانياهو لم يبق له من معجبين غير قلة، من المتطرفين مثله، في اسرائيل وفي الولاياتالمتحدة، بعد ان نبذه الاسرائيليون، ووضعوه في مزبلة التاريخ. وأقول مرة أخرى "اللهم لا شماتة" من دون أن أعنيها طبعاً، وأتابع بلذة ونهم أخبار الخلاف الداخلي في ليكود ومراجعة النفس، وكان مناحيم ببغن أصيب بنكسة بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وضربه الخرف حتى مات، وسقط ابنه بيني بيغن في الانتخابات الأخيرة، غير ان اسحق شامير نجا من مصير مماثل بعد خسارته انتخابات 1992، وجاء الآن دور نتانياهو. هل يذكر القراء غيئولا كوهين؟ كانت نائبة في الكنيست رفضت اتفاقات كامب ديفيد، وأسست حزب تاحيا اليميني، ثم اعتزلت الحياة السياسية، بعد ان خلفها ابنها تساهي هانغبي، وزير العدل في حكومة نتانياهو الراحلة. وهو ابن امه فعندما كان طالباً في الجامعة العبرية في القدس كان يقود عصابة تحمل السلاسل لضرب الطلاب اليساريين. كوهين انتقدت في مقالات امس "التنازلات" للعرب التي دمرت ايديولوجية الحزب الموروثة عن جابوتنسكي، وقالت ان خراب ليكود لم يصنعه نتانياهو، بل بدأ مع بيغن عندما انسحب من سيناء. شخصياً، لا أريد ان أفكر في ان بيغن دمرّ الحزب، أو نتانياهو هو الذي فعل، لأن من شأن ذلك ان يحسن صورتيهما في نظري. وأنا أريد أن تظل صورتاهما في نظري كما كانتا دائماً، ما لا يحتاج الى تفصيل.