يزداد الاعتقاد ان انترنت باتت تستهوي البعض الى حد الادمان كما كان الامر سابقاً بالنسبة الى الراديو والتلفزيون. وجاء في اخبار صحافية بريطانية ان قاضياً اميركياً حرم امرأة من حضانة ولديها لأنه ارتأى انها "مدمنة" انترنت ومنح زوجها حق حضانتهما. وقال الشهود في المحكمة ان السيدة نقلت جهاز الكومبيوتر في منزلها الى غرفة نومها بعد انفصالها عن اسرتها ووضعت قفلاً على باب الغرفة وبدأت تمضي معظم وقتها وهي على اتصال فوري بانترنت. وتناقلت الصحف قصة امرأة اميركية ايضاً تبلغ من العمر 43 عاماً ادى استخدامها لانترنت الى افساد حياتها الاسرية تماماً. فعلى مدار ثلاثة اشهر ازداد استخدامها الشبكة الدولية، وخصوصاً لمواقع التحادث، ووصل مجموع استخدامها انترنت الى ما بين 50 و60 ساعة اسبوعياً، واستغرق بعض جلساتها امام انترنت 14 ساعة. وفي آخر المطاف صارت تشعر بالانقباض والضيق والتبرم الشديدين وبالقلق عندما يتوقف تواصلها مع الشبكة الدولية، وهو التواصل الذي صار مع الوقت يحول دون قيامها بواجباتها الاسرية العادية ويفسد علاقتها بزوجها واولادها، ناهيك عن عواقبه المالية الخطيرة لانه صار يكلفها نحو 400 دولار شهرياً. ويسوق الباحثون قصة المراهق البالغ من العمر 16 عاماً الذي كان يعيش مع والدته بعد تخلي ابيه عن الاسرة، اذ وصل وزنه الى اكثر بكثير من المتوسط بسبب قضائه 70 ساعة في الاسبوع بصحبة الكومبيوتر منها 40 ساعة امام انترنت. وفي نهاية الاسبوع كان يمضي 12 ساعة في تواصل مستمر مع انترنت. وأدى هذا الادمان، الذي أخذ شكل تخاطب مع مستخدمين آخرين لانترنت حول برنامج رحلة الى النجوم ستار تريك التلفزيوني، الى تكبد مبالغ طائلة من المال دفعت الى شركة الهاتف. ومن الحديث مع هذا الشاب تبين ان انترنت هي اهم شيء في حياته وانها تستطيع تهدئته واثارته، وان الانقطاع عنها يسبب له ما يشبه الرجفة والانقباض الشديد. واتضح ايضاً انه لا ينفك عن انترنت الا اذا انفك عنها الذين يواصلهم عليها، اي انه كان آخر من يتوقف عن التواصل مع انترنت. والملفت في هذا المراهق ان حسّن جهازه 11 مرة خلال عامين وصار يعيش في الليل اكثر مما يعيش في النهار لان تكاليف التواصل مع انترنت اقل في الليل مما هي عليه نهاراً. يؤكد على تورده ادبيات الباحثين من ان اوصاف مدمن انترنت الغالبة هي انه ذكر مثقف وانطوائي في سن المراهقة، ويبدو ان حياته الاجتماعية معدومة او شبه معدومة وان ثقته بنفسه قليلة او معدومة وانه يبدو "مصاباً" بأوصاف المدمن "العلمية المتعارف عليها" كلها. ويذكر ان علماء النفس يعرّفون الادمان بعدد من الظواهر السلوكية وغير السلوكية، وهي اولاً ان الادمان يصبح اهم نشاط في حياة المدمن اذ يهيمن على تفكيره ما يؤدي الى الانشغال التام بموضوع الادمان والى تحريف الرؤية والفهم، كما يهيمن على المشاعر بحيث يشتهي المدمن موضوع ادمانه دائماً ويشغف به، ويهيمن على السلوك بمعنى ان السلوك الاجتماعي السوي يتردى. فمدمن انترنت مثلاً يفكر دائماً بالوقت الذي سيتصل فيه بالشبكة الدولية اذا كان غير متصل بها. وثانياً يتبدل مزاج المدمن اي تجربته ومشاعره الذاتية التي يتحدث او يعبر عنها بعد تعاطيه موضوع الادمان، مثل ان يشعر بالسعادة لدى "تناوله" موضوع الادمان، او لدى اتصاله مثلاً بانترنت. ويذكر هنا ان تعاطي موضوع الادمان يؤدي احياناً الى الشعور بالسكينة وبالتحرر من قيود العيش الآنية الضاغطة بعد ان تكون فترة زمنية لا يستهان بطولها مرّت على بدء تعاطي موضوع الادمان. ثالثاً يزداد المدمن تعاطياً لموضوع ادمانه بالمراد بغية الحصول على النتيجة النفسية/ الجسدية نفسها. فعلى سبيل المثال قد يضطر مدمن القهوة الى زيادة تناوله للقهوة من وجهتي الكمية والتواتر ليحصل على المتعة نفسها التي كان حصل عليها من ارتشاف قليل من القهوة. ورابعاً يشعر المدمن بأعراض بدنية ونفسية غير سارة عندما يتوقف عن تعاطي موضوع ادمانه او يخفّض كمية ما "يتناوله" من موضوع ادمانه على نحو مفاجئ. ومن هذه الاعراض الرجفة واضطراب المزاج والضيق والتبرم والتأفف. وخامساً يحصل اصطدام بين المدمن وبين من يعايشهم من جهة، وبين الادمان وبين انشطة المدمن الاخرى العمل العادي، العلاقات الاجتماعية العادية والوثيقة والهوايات والاهتمامات الاخرى كافة من جهة اخرى. كما يحصل اصطدام بين المدمن وبين نفسه صراع داخلي. كما يميل المدمن نحو العودة الى نماذج سلوكية سابقة كان يعتقد انها زالت تماماً مثل ان يعود المدمن الى ما كان عليه ادمانه في الذروة بعدما يكون قد تمكّن من الامتناع عن "تناول" موضوع ادمانه. ونظراً الى ذلك كله يتساءل علماء النفس عمّا اذا كان من الممكن بالفعل اعتبار المثابرة على التواصل مع انترنت والانغماس في التفاعل معها ادماناً بالمعنى العلمي او المتعارف عليه للكلمة. وأدت ابحاث علماء النفس حتى الآن الى ان ادمان انترنت بالمعاني المشار اليهاحقيقة وواقع ويسوقون الامثلة على هذه الحقيقة ومنها ما سبقت الاشارة اليه. ويخلصون الى ان انترنت تستخدم في معظم الحالات لكي تحل محل ما يعود عادة على المرء بمقدار من السعادة مثل العلاقات الاجتماعية السوية. ودلت الابحاث حتى الآن على ان ادمان انترنت بالمعنى العلمي موجود، لكنه غير شائع، بخلاف ما تورده الصحف والمجلات الشعبية في أوروبا والولايات المتحدة. ودلت الابحاث على أن انترنت تحل في حالات كثيرة محل العلاقات الاجتماعية وتعوض الافتقار إلى أصدقاء، كما تعوض ذيول نواقص جسدية حقيقية أو متخيلة. وفي هذا المجال يلفت علماء النفس أيضاً إلى أن العلاقات "الاجتماعية" الفورية اون لاين تكون أحياناً جيدة و"صحية" لأنها تتغاضى عن الافكار السلبية المسبقة عن الناس، إذ أنها تبنى بصرف النظر عن المظهر الجسدي الخاص بالمرتبطين بهذه العلاقات. ويلفت العلماء إلى ان الانصراف عن الأسرة والاتراب إلى التكنولوجيا واعتماد هذه الأخيرة وسيلة للتفاعل الاجتماعي يشبه تنامي الاقبال على الراديو في الثلاثينات ثم على التلفزيون في الخمسينات. فاللجوء إلى انترنت والكومبيوتر أصبح طريقة للتعامل أو للتفاعل مع مجتمع يزداد فيه انعزال الأفراد عن بعضهم بعضاً. ويلفت علماء النفس أيضاً إلى أنهم لا يعرفون حتى الآن الأسباب الحقيقية لادمان انترنت بالذات، فهل تعود هذه الأسباب مثلاً إلى أن انترنت توجب "التلاعب" بمفاتيح وأزرار، أم أنها تغني عن المواجهة الشخصية والتقاء العين بالعين، أم أنها توفر المعلومات السوية وغير السوية التي في وسع مستخدم انترنت ان يحصل عليها "سراً"، أم أنها تمثل نماذج معينة محببة من النشاط ألعاب وميسر أم أنها توفر فرصة التحدث إلى آخرين عن مواضيع ذات اهتمام مشترك. ومما قد يحمل العلماء على ايلاء المزيد من الاهتمام لانترنت، مقدرتها الكبيرة على تغذية ادمانات أخرى مثل ادمان الفواحش أو الميسر ما يجعلها وسيطاً أو أداة خطرة جداً. وأخيراً يعدد بعض العلماء بعض الأسباب التي تجعل انترنت جذابة للبعض وموضع تعلقه واهتمامه البالغ، ومن هذه الأسباب أنها تتيح التواصل بين الذين يتشاركون في اهتمامات معينة، وانها تربط بين أناس لا يمكن ان يرتبط واحد منهم بالآخر من دونها، وان تكاليف الاتصال بواسطتها متدنية تغني عن السفر إلى آخر المعمورة مثلاً، وانها اداة للتسلية بالنسبة للبعض، وأداة تواصل بين الاصدقاء لا تكلف إلا القليل نسبياً من المال والوقت، وانها تُشعر مستخدميها بأنهم ذوو مكانة وحديثون مودرن، ما قد يعزز الثقة بالنفس والاعتزاز بها، وأنها تتيح للناس ان يؤخذوا على محمل الجد وأن يكونوا موضع اصغاء الآخرين لهم، وانها تتيح للذين يتواصلون بواسطتها ان ينظموا هذا التواصل و"يهندسونه" أو "ينمقونه" ليعطي صورة أو انطباعاً جيداً عنهم وهو ما لا يحدث في المواجهات اليومية العادية بين الناس.