أوشك فريق من الأطباء النفسانيين في الصين، على وضع تشخيص شامل ونهائي لنوع جديد من الإدمان، تسبب في انهيار العديد من الزيجات وتفكك العائلات ورسوب الطلاب في المدارس.. إنه إدمان الانترنت، فالصينيون هم أكثر الشعوب استخداما للانترنت، بدرجة ان الدخول الى مقهى انترنت في بعض المدن يتطلب الحجز المسبق او الاشتراك السنوي .. ومتوسط عدد الساعات التي يقضيها الصيني أمام شاشة الكمبيوتر تقارب السبع ساعات يوميا، وحدث في كوريا الجنوبية والصين ان أشخاصا عديدين ماتوا وهم يستخدمون الانترنت لساعات طوال.. بعضهم مات جوعا والبعض الآخر مات من الإجهاد وهناك من مات بسبب هبوط في الدورة الدموية او الجلطات،.. ومن ثم صارت الصين أول بلد في العالم يدرج الانترنت في قائمة "الإدمان".. والإدمان، حتى لو لم يكن يتعلق بأمور خطرة على الصحة والمجتمع مثل الخمر والمخدرات، مؤشر على وجود خلل ما في تكوين شخصية المدمن.. مدمن الخمر والمخدرات يتعرّض لآلام ومعاناةٍ جسدية وعضوية ونفسية هائلة ،وقد تكون مدمِّرة، ولكن هناك بالمقابل مدمن القمار الذي لا يعاني ولا يتألم عندما يكون محروماً من المقامرة، ومع هذا فإنه لا يستطيع ان "يمسك" نفسه، كلما وجد الفرصة لمزاولة الميسر وهو مدركٌ في ذات الوقت أنه يعرِّض نفسه للإفلاس والسجن أو – في حال خروجه رابحا – أنه سرق نقود آخرين برضاهم "الظاهري". المهم في بكين اليوم عيادة لمعالجة مدمني الانترنت في المستشفى العسكري العام في بيجين (بكين سابقا)، ويقول الدكتور تاو ران المشرف على العيادة: إنه عالج الآلاف واكتشف أن معظمهم يعاني سلفاً من اضطرابات نفسيّةٍ وسلوكية، ويلجأون الى الانترنت من باب "الهروب والانسحاب" أو للتنفيس عمّا يدور في دواخلهم، ففي الانترنت ألعابٌ يمارس المشاركون فيها العنف بصورة تضاهي الواقع ،وهناك مواقع الجنس الماسوكي الافتراضي .. المهم، وكما هو الحال مع الكتب ففي الانترنت ما هو نظيف ومفيد وما هو وسخ ومدمِّر . ما يطمئن في أمر إدمان الانترنت – من وجهة نظر الدكتور تاو ران - هو أن غالبية ضحاياه قابلون للشفاء،.. ورغم أنني "إنترنتاوي" متعصِّب إلا أنني أدرك تماما أن الانترنت خرّب بيوتا كثيرة، ليس فقط لأنه تم "قفش" طرف في علاقة زوجية يتبادل الرسائل البريئة وغير البريئة مع شخص آخر، بل لأن الزوج او الزوجة يمضي معظم وقت الفراغ مع الانترنت.. وكافة التقارير عن استخدام الانترنت تشير الى ان الرجال هم الأكثر عرضة ل"إدمانه"، ومن ثمّ فمن الطبيعي أن تحِسّ الزوجة بأن الانترنت "ضُرَّتها" أو أن الزوج يتحايل باللجوء الى الانترنت تفادي تبادل الحديث معها، فتحِسّ بالتالي أنها غيرُ مرغوب فيها، وكلمة من هنا وأخرى من هناك ،ويتسبّب الانترنت في إنهاء العلاقة الزوجية.. وعلى مستوى آخر، فإنّ مدمن الانترنت يُصبح شخصاً "غير اجتماعي" أي ميالاً للعزلة لأنه يُفضِّل الرِّفقة الافتراضية على الرفقة الواقعية مع "البشر" ،وفي كثير من بيوتنا عيالٌ يعودون من المدرسة ويلقون بالحقيبة المدرسية الكئيبة في أقرب ركنس ثم يتوجهون الى الانترنت وعند دعوتهم الى الغداء يقولون: تغديت أو "سوّوا لي سندويتش".