ما برحت بيروت "عاصمة ثقافية" للعالم العربي تستقطب دولاً عربية تسهم في اغناء معارضعها واحياء لياليها. والسودان كان له أخيراً اطلالة ثقافية في قصر الاونيسكو تمثلت بالشعر والموسيقى. والقى الشاعر السوداني الشهير الهادي آدم، وهو مؤلف قصيدة "أغداً ألقاك" التي غنّتها السيدة ام كلثوم، جزءاً من قصيدة كان ألقاها في لبنان في السبعينات وقصيدة حديثة تمجد بيروت. وتحدث الشاعر الحبر يوسف الدائم عن لبنان والقى قصيدة بعنوان "معركة مع ابليس".. وكان للموسيقى والغناء السودانيين وقعهما المميز من ثلاثة فنانين سودانيين يمثلون ألواناً مختلفة من الفنون السودانية، غناء وعزفاً وقرع طبول، وهم العازف حافظ عبدالرحمن وستيفن أفير اوسلا اوكونج والمطرب عمر احساس. والتقت "الحياة" اثناء الاحتفال الى الفنانين الثلاثة عن الموسيقى والغناء السودانيين وخصائصهما. فحافظ عبدالرحمن ادى عزفاً على "الفلوت" ثلاث مقطوعات هي "الايام الخالدة" و"ضوء الشموع" و"ايام من القرية" وهي من تأليفه وتقوم على"السلم الخماسي" و"الكورد العربي" ورافقه على الاورغن العازف عبدالله ابراهيم عبدالله. واعتبر عبدالرحمن ان "اهم ما يميز الموسيقى السودانية ذاك المزيج الافريقي- العربي. فالسودان قطر مترامي الاطراف ويضم اكثر من 300 قبيلة لها لهجاتها وفنونها وتقاليدها وايقاعاتها المختلفة، وبالتالي تتميز الموسيقى السودانية بزخم وألوان وتراكيب واطارات كثيرة ومتعددة". وعن انتشار الموسيقى السودانية خارج السودان قال "لم تجد الموسيقى السودانية الفرصة الكاملة لعرض جميع هذه النماذج خارج الوطن بسبب قلة الامكانات او ربما لعدم معرفتها في الخارج". اما ستيفن الذي صعد الى المسرح بزي يختلف عن العباءة والجبة البيضاوين اللتين ارتداهما كل المشاركين. فزي ستيفن هو زي القبائل السودانية المزيّن بالخرز والاصداف والشرابات وهو عبارة عن قميص من دون اكمام وسروال يشبه تنورة وعصبة على الرأس وحذاء فيه نحاسات كنحاسات الدف. عزف ستيفن على الغيتار وغنى. وقرع الطبول وآلة ال"بالمبو" بيديه ورجليه التي تكفلت بايقاعها اصدار اصوات النحاسيات منسجمة مع ايقاع الطبول. وستيفن متعدد المواهب، فهو مؤلف ومخرج مسرحي، ويعزف على معظم الآلات الموسيقية، وملحن، وله كثير من الاعمال المسجلة في الاذاعة والتلفزيون في السودان، اضافة الى موهبته الطريفة في ايقاع الطبول اذ يقدر ان يؤدي ثلاثين ايقاعاً من مختلف قبائل السودان في الجنوب والشمال والشرق والغرب. ويقول ستيفن ان "التجربة هي محاولة للربط بين اللغات الموسيقية الايقاعية والموروث الشعبي السوداني وتواصل الحس الموسيقي بغية ايجاد هوية موسيقية واحدة". ويضيف: "احاول من خلال المعزوفات الموسيقية ان اجد لغة جديدة لمخاطبة الوجدان الانساني لان موسيقى الطبل منذ بداية الكون كان لغة يتخاطب بها الناس". وحين يقرع الطبول لا يفكر في اي شىء آخر فهو يعشقها ويعشق الايقاع وهو كان يقرع الطبول منذ الثانية عشرة واصبح قادراً على العزف على اكثر من 20 طبلاً في آن. وهو تأثر بالايقاع منذ كان صغير اذ توجد في جنوب السودان اكثر من 50 قبيلة وكلها تعتمد الطبول للتعبير عن افراحها في الاعراس والولادات والختان وعن احزانها ايضاً في الموت والوداع. ولكل حال ايقاع مختلف وكل الايقاعات مستوحاة من اصوات جريان النيل وحفيف شجر الغابات وزئير الوحوش فيها. ويقول ستيفن "من حسن حظي انني خلقت في الجنوب، ونشأت على سماع تلك الايقاعات الجميلة". وعن آلة ال"بالمبو" يقول "هي آلة تخص قبيلة "الزاندي" في جنوب السودان في منطقة اعالي النيل وهي آلة مهمة بالنسبة للقبائل كآلة البيانو عند الغرب". ويعبر ستيفن في حديثة وموسيقاه وايقاعاته ومسرحياته جميعاً عن حزنه وحزن سكان جنوب السودان الذي اصابته المجاعة فنكبته ودمرت طاقاته الكثيرة، ويقول "ان في السودان مواهب كثيرة لكنها تفتقد الى الدراسة خصوصاً بعدما هاجرت الكوادر التعليمية في الظروف الصعبة التي يعيشها السودان". اما المطرب عمر احساس، الذي ادى اغنيتين رافقه خلالهما عزفاً على الاورغ عبدالله، فأوضح ان الاغنية السودانية تكونت بداية بأغاني الحقبة 1905- 1945 باداء مغن منفرد-سولو- او كورس بمصاحبة التصفيق وآلة الرق، ثم تطورت الاغنية مع استخدام آلات ايقاعية. الى ان برزت فكرة الاغنية السودانية الحديثة التي استخدمت فيها الآلات الحديثة كالكمان والاكورديون والكونتر باص والتشيلو. وقال ان "الاغنية السودانية تأثرت كثيراً، منذ بداياتها، بالمد الثقافي المصري بدءاً باستخدام آلة الرق وانتهاء بآلة القانون" واضاف "لكن الان هناك الوان غناذية كثيرة يقدمها بعض الشباب لايجاد هوية سودانية خالصة، وهذه التجربة وجدت قبولاً في الداخل وهذا هو المعيار الحقيقي لنجاح التجربة خارجياً". واذ يطرب معظم الحاضرين للغناء والموسيقى ينساب بعض السودانيين، كانسياب الموسيقى نفسها، طرباً ورقصاً. بخفة، في اتجاه المسرح فيقف في وجههم الملحق الثقافي في السفارة مانعاً إياهم من الوصول الى خشبة المسرح".