أنهى رئيس الوزراء الاسرائيلي المنتخب ايهود باراك جولته "الاستطلاعية" الاولى مع كل الاحزاب والكتل البرلمانية، لتحسس الطريق الذي سيسلكه لتشكيل حكومته الائتلافية الموسعة، من دون ان يقطع وعوداً لأي جهة في ما يبدو باستثناء حزب ليكود اليميني الذي يفضله على حزب شاس الديني. ويؤكد العارفون بشخصية باراك انه يميل بالفعل الى اشراك حزب ليكود، مشيرين الى أنه يسعى الى تشكيل حكومة "برلمانية" تحوي 96 مقعداً في الكنيست الاسرائيلية لا يعتمد فيها على العرب ولا على اليمين المتطرف ويضمن في الوقت ذاته تأييد حزبي ميرتس ويسرائيل بعليا بإبعاده حركة شاس الدينية، ولو في المرحلة الاولى فقط. ولن يعني ادخال باراك حزب ليكود في الحكومة اقامة حكومة وحدة وطنية وانما اشراكه كأي حزب آخر له عدد كبير من المقاعد البرلمانية. وهو بذلك يحقق هدفين، اولهما تشكيل حكومة واسعة وثانيهما تعميق التفتت والخلاف داخل ليكود المنقسم على نفسه بشأن المشاركة. وعلى رغم أن باراك يحافظ على الغموض والتكتم في ما يتعلق بخططه المستقبلية، إلا ان "الخطوط الحمر" التي اعلن انه لن يتخطاها خلال ولايته لا تتعارض مع ما طرحه اقطاب ليكود الاربعة الذين شاركوا في الجلسة الاولى للمفاوضات، وهم ليمور ليفنات وسيلفان شالوم وموشيه كتساب وموشيه ارينز. وأكدت مصادر في ليكود انهم قدموا "تساؤلات" بشأن "المناطق الامنية" التي ستحتفظ بها اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، والاستيطان اليهودي في البلدة القديمة من القدسالمحتلة، ومعارضة ازالة المستوطنات، والسيطرة على مصادر المياه الفلسطينية، واستمرار البناء في جبل ابو غنيم مستوطنة هارحوما ومشاركة ليكود في المفاوضات حول التسوية النهائية مع الفلسطينيين. ويرى محللون سياسيون في اسرائيل ان باراك لن يجد صعوبة في التعاطي مع ليكود بعد خروج بنيامين نتانياهو منه وحتى مع بقاء أرييل شارون فيه، إذ عمل الأخير مع باراك عندما شغل منصب وزير الجيش الاسرائيلي في الوقت الذي كان فيه باراك رئيساً لهيئة الاركان. واذا ما صدقت التقارير السابقة حول اللقاءات السرية بين باراك ونتانياهو نفسه بشأن التوصل الى تسوية في الجولان السوري المحتل ، فإن باراك لن يواجه مصاعب مع شارون الذي أمر بإزالة مستوطنة ياميت من صحراء سيناء المصرية . ولا يرى شارون و الاسرائيليون عموماً في الجولان - كما في سيناء- جزءاً من ارض اسرائيل التوراتية، وذلك بخلاف نظرتهم الى الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1976. ومعروف ان شارون وغيره من المتطرفين في حزب ليكود يميلون الى خلق "مشكلات" اكثر في حال وجودهم خارج الحكومة من تلك التي يثيرونها في داخلها. وفي ما يتعلق بالمسار التفاوضي الفلسطيني- الاسرائيلي ، فإن تنفيذ اتفاق واي ريفر لن يلقى معارضة من ليكود الذي وقع عليه بنفسه. ولن يستطيع باراك - في حال انه يريد ذلك - ان يوقف اعمال البناء في مستعمرة هار حوما بعدما ضمن نتانياهو قبل يوم واحد من اجراء الانتخابات البدء في البناء فيها. اما بالنسبة الى باقي المستوطنات اليهودية وتوسيعها فيخشى الفلسطينيون ان ينتهج باراك - كما تعهد - سياسة قائده اسحق رابين الذي زاد عدد المستوطنين اليهود في عهده وبعد التوقيع على اتفاقات أوسلو ب 40 أالف مستوطن. وفي الجانب الفلسطيني، ينقسم السياسيون الى معسكرين: متفائل وحذر، والجميع بانتظار "حلحلة" الاوضاع التي سادها الجمود في عهد نتانياهو . ولا يجرؤ احد على التكهن بما يحمله باراك في رأسه بالضبط ولكن من الواضح انه سيسعى الى التوصل الى حل مع السوريين لانه يريد إخراج الجيش الاسرائيلي من لبنان. وبعد ذلك سينفذ اتفاق واي الذي يحظى بتأييد اليسار واليمين. وسيشرع في مفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين ولكنه بالتأكيد لن يسرع الخطى نحو التوصل الي اتفاق معهم. فالاسرائيليون انتخبوا باراك اولاً وقبل كل شيء ل "رأب الصدع" الحاصل في المجتمع الاسرائلي وليس لحل مشاكل العرب. وعلى صعيد الجماهير العربية داخل اسرائيل، لن يكون باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي الاول الذي يعين وزيراً عربياً في حكومته. وهو يعلم ان العرب سيؤيدونه على صعيد المسيرة السياسية على الاقل في كل الاحوال. اذ ان اسرائيل ليست مستعدة لقبول وزير عربي في حكومة الدولة اليهودية. الى ذلك، أفادت مصادر اسرائيلية امس ان باراك بعث برسالة الى الولاياتالمتحدة يقول فيها إنه لا يحبذ قيام المبعوث الاميركي الخاص بعملية السلام في المنطقة دنيس روس بزيارة الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية في حزيران يونيو المقبل لأنه لن يكون قد انتهى بعد من تشكيل حكومته.