حلف شمال الأطلسي يضرب، مشكوراً، سلوبودان ميلوشيفيتش وعصابته الصربية المجرمة، ولكن... - الحرب على يوغوسلافيا تجري من دون تفويض دولي لا يستطيع منحه سوى مجلس الأمن الدولي. - علينا أن نصدق أن الغرب، بأجهزة مخابراته كافة، لم يتوقع رد فعل ميلوشيفيتش، وفوجئ بالتهجير الجماعي للألبان من كوسوفو. - الغرب يحاول معالجة مشكلة اللاجئين بارسال عشرات الألوف منهم إلى دوله المختلفة، مثل المانيا وبريطانيا، وحتى الولاياتالمتحدة أيضاً. وعلينا أن نصدق هذه المرة أن هؤلاء اللاجئين سيعودون إلى بلاد الفقر والمشاكل بعد أن يقيموا في أكثر دول الغرب تقدماً. ما سبق مجرد مقدمة لموضوع مختلف فقد قرأنا في "الحياة" الأحد الماضي ان الولاياتالمتحدة عاقبت ثلاث شركات روسية "نقلت إلى سورية معدات عسكرية، خصوصاً صواريخ مضادة للدبابات". في اليوم السابق، أي السبت، كنت أقرأ في "واشنطن بوست" تحقيقاً طويلاً عن مواجهة غير معلنة بين الولاياتالمتحدةوفرنسا بسبب تزويد شركات فرنسية إيران بقطع للصواريخ. واحتجت الولاياتالمتحدة رسمياً على مساعدة فرنساإيران على بناء صواريخ سي 802، بعد ان رجحت وكالات التجسس الأميركية ان إيران تملك حوالى 150 صاروخاً من هذا النوع، أكثرها اشترته من الصين. وقرأت ان الصين بنت الصاروخ الذي يستطيع استهداف السفن على أساس تكنولوجيا فرنسية، وأهم قطعة فيه هي محرك اسمه تي آر آي -60 من صنع شركة مايكروتيربو الفرنسية. ونسخ الصينيون المحرك هذا وطوروه بدورهم، ثم أخذوا يبيعون الصاروخ. واحتج الأميركيون على كل صعيد، وطالبوا بوقف البيع، حتى ان الرئيس كلينتون أثار الموضوع مع الرئيس الصيني جيانغ زيمين في استراليا سنة 1996. ووعد هذا بوقف البيع، إلا أن الأميركيين يقولون إن الصين لم تنفذ تعهدها هذا. ولا بد أنهم سيثيرون الموضوع مجدداً مع رئيس وزراء الصين جو رونغجي، الذي يزور واشنطن الآن. اتوقف هنا لأرجو القارئ أن يعيد قراءة نقل اللاجئين الألبان إلى دول أوروبية بعيدة، وأن يتذكر معاقبة الشركات الروسية، والاحتجاج لدى الصينوفرنسا، وهو يقرأ الخبر التالي الذي يعود إلى آخر الشهر الماضي، وكان مرّ من دون اعلان: وافقت الإدارة الأميركية على بيع إسرائيل 50 طائرة من طراز إف -16 سي/دي ثمنها بليونا دولار. وستجهز هذه الطائرات، بناء على طلب جيش الدفاع الإسرائيلي بخزانات وقود خاصة بالاضافة إلى خزانات يمكن فصلها من الجو تعطي الطائرة مدى اضافياً بمئات الكيلومترات ما يكفي للوصول إلى إيران؟ كما أنها ستستعمل نظام رادار متقدماً، لتحسين قدرتها على ضرب أهداف على الأرض، ونظام أشعة ليزر لتوجيه الصواريخ والملاحة في الظروف الجوية غير الملائمة. أغرب ما في الخبر أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لم توافق على العرض الأميركي، وتقول إنها ستقرر بعد الانتخابات، لأنها كانت في الأصل طلبت 110 طائرات إف -16 تنتجها شركة لوكهيد مارتن، أو 50 طائرة إف -15آي تنتجها شركة بوينغ في صفقة بمبلغ 5.4 بليون دولار يبدو أن طائرة بوينغ أكثر تقدماً وسعرها ضعفا سعر طائرة لوكهيد مارتن. وهكذا فالولاياتالمتحدة ترفض ان تشتري سورية صواريخ مضادة للدبابات، وتهدد فرنساوالصين لمنع إيران من الحصول على صواريخ متوسطة المدى، فيما هي تبيع إسرائيل طائرات استراتيجية متقدمة جداً تهدد أمن سورية وإيران وكل دولة في المنطقة. وهي تتعاقد مع حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل عطلّت عملية السلام، كما يقول الأميركيون انفسهم، ثم تقول هذه الحكومة إنها ستقرر الشراء عندما يحلو لها. وأعود إلى كوسوفو حيث يطلب منا أن نصدق أن حلف شمال الأطلسي يحارب لأسباب إنسانية هي الدفاع عن المسلمين الألبان، وان خبراءه ومحلليه وجواسيسه لم يتوقعوا التطهير الاثني، وان ردهم عليه هو مساعدة المهاجرين، أولاً في الدول المجاورة، وثانياً بنقل عشرات الألوف منهم إلى دول متقدمة من الصعب أن يعودوا منها، في تطهير إثني أكثر دهاء وفعالية من التطهير المفضوح للعصابة الصربية في بلغراد. ماذا أزيد؟ استطيع ان أعدد المخالفات لعملية السلام التي ترتكبها حكومة بنيامين نتانياهو مثل اغلاق المكاتب الفلسطينية في القدس، والحصار المستمر على قرية أبو مشعل شمال رام الله، واعتقال أولاد منها، فيما الولاياتالمتحدة مشغولة بالحرب في كوسوفو والحرب على العراق، غير أن المجال ضاق، وانتهاكات الحكومة الإسرائيلية تحتاج إلى مقالات لا زاوية واحدة.