الأرجح ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو سينقل حملته الانتخابية الى مدينة شتوتغارت الالمانية ليستثمر المؤتمر الوزاري الأوروبي - المتوسطي المعروف ب"برشلونة 3" ساحة للتأثير في المعركة الانتخابية من دون ان يكون هو حاضراً شخصياً. يرتكز الموقف الاسرائيلي على محاولة فصل المسار المتوسطي عن مجريات الصراع العربي - الاسرائيلي لتأمين نافذة للتطبيع مع البلدان العربية الثمانية المشاركة في مسار برشلونة، وكذلك لتفادي أي محاسبة للدولة العبرية على مسؤوليتها في انهيار التسوية السلمية. وتتمنى البلدان الأوروبية ان يتحقق هذا الفصل لكي يُفتح الطريق أمام قطار الشراكة الأوروبية - المتوسطية، إلا أنها لا تستطيع اعطاء صك على بياض لاسرائيل أو السكوت على ممارساتها. ويمكن القول ان العرب استطاعوا - على رغم صراعاتهم وانقساماتهم غير المبررة - أن يحبطوا في المؤتمر السابق في مالطا "برشلونة 2" محاولات اسرائيل تغليف الملف الشرق أوسطي بالملف المتوسطي وغض الطرف عن سياستها المناقضة لمنطق السلام والمتنكرة للاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين. وأتى نجاح الديبلوماسية العربية من الضغوط الحقيقية التي مارستها على الاتحاد الأوروبي لحمله على اتخاذ موقف حازم وصريح من السياسة المخاتلة للدولة العبرية، ما أدى الى التخلي عن مشروع البيان الختامي واستبداله ببيان صحافي مقتضب، وتالياً فشل المؤتمر. ويبدو ان الرياح الأوروبية تجري هذه الأيام بما تشتهي سفن العرب، أو بما يقترب من ذلك، في ضوء الموقف الصريح الداعم لحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة والإدانة الصادرة عن غير عاصمة أوروبية، مجاهرة أو مداورة، لسياسة الاستيطان والتهويد المنهجي في المناطق المحتلة خصوصاً القدس. ويفترض ان يستثمر العرب "برشلونة 3" لحشد موقف أوروبي مؤيد لقضاياهم يكرس وضع اسرائيل في الزاوية، خصوصاً ان مؤتمر شتوتغارت يأتي بعد الدورة العادية لمجلس الجامعة التي يفترض أنها "طبخت" الاستراتيجية العربية لإدارة الموقف في المحفل المتوسطي. من هذه الزاوية للعرب مصلحة في انجاح المؤتمر، كذلك للأوروبيين مصلحة مماثلة كونهم أصحاب المشروع المتوسطي وهذا ما يجعل مهمة الديبلوماسية العربية في شتوتغارت أيسر وأهون مما كانت في مالطا. إلا ان التحدي الكبير الآخر الذي سيجابه العرب في "برشلونة 3" هو تحدي العولمة، ففي مقابل سرعة إدماج البلدان المغاربية والعربية المشاركة في المسار المتوسطي في الاسواق العربية، ما زالت المشاريع العربية تسير بخطوات بطيئة تزيد من توسعة الهوة التنموية بين الضفتين وتعقد ظواهر البطالة والكساد التجاري وهشاشة التصنيع في بلدان الضفة الجنوبية. وأياً كانت حنكة الوزراء وخبرة الوفود في مؤتمر شتوتغارت فإن هكذا قضايا لا يمكن حلها في اجتماعات أوروبية - متوسطية لأن إطارها عربي في الدرجة الأولى وهي تتوقف على قرارات سياسية. وطالما استمر الاقتصاد خاضعاً للحسابات السياسية الصغيرة سنبقى متخلفين عن ركب العولمة وعاجزين عن استثمار ثغراتها لتكريس اندماجنا الاقليمي.