تطور غير مسبوق هو ذاك الذي حدث قبيل انتخابات 1994 العامة، حين تزاحم الحزبان الكبيران على كسب اصوات الناخبين المسلمين بالتحديد. وجرت مفاوضات حقيقية بين ممثلي الجالية المسلمة وكل من الحزبين الديموقراطي الاشتراكي وتجمع المحافظين. وكان هذان هما اللذان بادرا للاتصال وعرض كل منهما على حدة فكرة صفقة تتضمن تقديم عدد من المكاسب للمسلمين مقابل اصواتهم. واضافة الى الوعود التي قدماها، اعطى حزب المحافظين الذي كان على رأس السلطة يومها المجلس الاسلامي عربوناً عبارة عن اول ترخيص من نوعه لانشاء مدرسة اسلامية على اساس ديني لا على اساس قومي. جاء هذا الحدث في سياق تطور طبيعي. لأنه اعتباراً من الدورة التشريعية لعام 1991 برز الوزن الانتخابي للمهاجرين بصفة عامة فارضاً نفسه على الاحزاب السويدية من كل الالوان فشرعت في ايجاد وسائل للاتصال بالمهاجرين واستمالتهم. وللمرة الاولى في تاريخ الحياة النيابية يدخل الريكسداج البرلمان ثلاثة نواب من اصل غير سويدي وغير اوروبي، هم نالين باكسي كردية من تركيا وخوان فونيسكا من اميركا الجنوبية وايفون رويضة نصف فلسطينية. وكان الاولان نجحا على لوائح الحزب الاشتراكي بينما نجحت الاخرى على لوائح حزب البيئة. ويتميز الحزب الاشتراكي بأنه الوحيد الذي بلور في الأعوام الاخيرة استراتيجية مدروسة بعناية لاستيعاب مجمل الكتلة الاسلامية المنظمة من خلال عرضه على قيادة المجلس الاسلامي الذي يضم في عضويته اكثر من مئة جمعية، الانضمام الى منظمة الاخوة المسيحية وهي جهاز تنظيمي تابع للحزب المذكور يضم الاعضاء المتدينين. وقد جرى حوار وتفاوض طويلان بين الحزب والمجلس لم يصلا بعد الى نتيجة حاسمة ولكنهما اوجدا تقارباً كبيراً. وعرض الحزب تغيير اسم المنظمة لتصبح منظمة الاخوة المؤمنين او اي صيغة مشابهة خصوصاً وان فيها اعضاء يهوداً. كما عرض تلبية الكثير من مطالب المسلمين اذا وافق المجلس، ولكن هذا ما زال يدرس الاقتراح بايجابية لأنه يمثل انقلاباً جذرياً في منهج الدعوة والعمل الذي تلتزمه المنظمات الاسلامية التابعة له خصوصاً لجهة رفضها الشرعي للنظام العلماني وتبنيها افكاراً غامضة حول الديموقراطية بينما يعني انضمامها للحزب الاشتراكي تسليماً نهائياً والتزاماً بالعلمانية والديموقراطية، وقد تجدر الاشارة الى ان تلك المنظمات يغلب عليها الفكر الاخواني وترتبط غالبيتها بالتنظيم العالمي للجماعة المعروفة. كما ووجه الاقتراح باعتراض من قبل البعض لأن مصلحة المسلمين ليست في الارتباط او التبعية لأي حزب بل في البقاء في موقع حر ووسطي بين كل الأحزاب والتعاون معها جميعا، ولا سيما في المناسبات الانتخابية. فيما عدا هذه المبادرة، فإن الحزب الاشتراكي يلتزم بسياسة ايجابية عموماً تجاه سائر المهاجرين ولكن من دون مبادرات محددة تجاه اي جالية منها، وهناك من يرى في هذه السياسة طابعاً وصائياً وفوقياً لأنها في واقع الأمر ترمي الى مكافحة العزلة والبطالة وتحقيق الاندماج ولكن بوسائل ذات طبيعة احسانية لحماية المجتمع من الآثار الخطيرة لنمو طبق مهاجرين فقيرة معوزة ومعزولة وتعاني من الشعور بالتمييز اكثر مما هي سياسة عملية لمنح المهاجرين حقوقهم كاملة بدليل ان مؤتمره العام الذي عقد في 1997 لم يضم الا ثلاثة اعضاء من اصول مهاجرة الأمر الذي دفع السيدة ماريا حسان التي شاركت في المؤتمر الى القول: لقد شعرنا اننا ضيوف في المؤتمر كما نحن في المجتمع. لكن منظمات الحزب المهنية من ناحية اخرى طرحت في العامين الاخيرين مبادرات عملية عديدة، لتحسين اوضاع المهاجرين داخل هيئات الحزب ومراكز صنع القرار وشكلت ما سمي شبكة عمل كما شكل الحزب شبكة عمل اخرى بالتعاون مع بقية الاحزاب للنشاط ضد العزل الذي يخيم على المهاجرين ومساعدتهم على اقتحام سوق العمل ومجالات النشاط السياسي بثقة. ويرأس هذه الشبكة النائب خوان فونيسكا وقد عكست هذه الشبكة الحد الأدنى من الاجماع بين سائر الاحزاب على وضع ارضية مشتركة لسياسة الهجرة وترك الاختلافات تدور في الفضاء المتراوح بين هذه الأرضية والسقف المفتوح. ويعتبر حزب اليسار اكثر الأحزاب دفاعاً عن حقوق المهاجرين ويدعو في برامجه الانتخابية الى حظر تام للمنظمات العنصرية وزيادة العقوبات القانونية على جرائم التمييز في العمل او المجتمع، ومنح المهاجرين حق التصويت في الانتخابات كلها بعد ثلاث سنوات فقط من الاقامة على غرار حقهم الحالي في التصويت في الانتخابات المحلية والبلدية. ويرحب هذا الحزب بوجود المهاجرين في صفوفه وتنظيماته. ويليه من حيث الاهتمام حزب البيئة الذي اوصل اول عربية الى الريكسداج. وهو يدعو الى مكافحة التمييز العرقي بقوة وفتح اوسع المجالات امام المهاجرين والأخذ بأيديهم للتأقلم والاندماج والتعلم والعمل واستغلال امكاناتهم وزيادة مشاركتهم في الحياة الحزبية والسياسية والاعلامية. ويؤيد الاقتراح بمنحهم حق التصويت في الانتخابات العامة قبل حصولهم على الجنسية وبعد مرور ثلاثة اعوام فقط على اقامتهم. اما احزاب اليمين فهي تتحدث بعمومية متعمدة حول قضايا المهاجرين تفادياً للالتزام بأي سياسة محددة. فحزب تجمع المحافظين وهو اكبرها يزعم انه لا يميز بين السكان على اساس سويدي او مهاجر ولكن من دون ان يعالج مشكلة التمييز الموجودة في الواقع. وهو يزعم انه يرشح مهاجرين على لوائحه. بيد ان التدقيق في هذا الزعم يكشف عن تمييزه بين مهاجرين من دول الشمال ومهاجرين من اوروبا ومهاجرين من خارج اوروبا. فالذين يضمهم الحزب هم في الغالب من فنلندا او من دول البلطيق المجاورة وحتى هؤلاء نادرون وبصورة استثنائية مثلما يفعل حزب الجبهة الوطنية الفرنسي رشح الحزب عربيا من اصل تونسي على لوائحه لانتخابات مجلس المحافظة في ستوكهولم في انتخابات 1998 الاخيرة. ويرفض الحزب اي اقتراح لمكافحة النمو الديمغرافي العرقي ويرى ان ذلك يتعارض مع حرية الناس. ويلقي الحزب بالمسؤولية عن اندماج المهاجرين بالدرجة الاولى على عواتقهم. ويطالبهم باكتساب المؤهلات والخبرات الضرورية حتى يتمكنوا من اثبات وجودهم في سوق العمل. ويؤيد ايضا تخفيض المعونات الاجتماعية والمسؤوليات التي تضطلع بها الدولة لصالح الفقراء كما يؤيد تخصيص المدارس الذي يراه الاشتراكيون سبيلاً لتعميق الانعزالية والتفاوت الاجتماعي والعرقي والثقافي. ويقترب من هذه الافكار حزبا الوسط والمسيحي الديموقراطي اذ يتبنى كل منهما فكرة دعم المهاجرين النشيطين والأذكياء والمؤهلين. بما يعني ترك البقية منهم للعجز والفقر. ويرفض كلا الحزبين ترشيح مهاجرين على لوائحهما بحجة ان من غير المعقول اعتبار شخص ممثلاً لطائفة او جماعة. ويرفضان الخطط المقترحة لمقاومة الانعزال الديموغرافي وحظر المنظمات العنصرية وتشديد العقوبات على جرائمها والاكتفاء بمحاكمة كل شخص على حدة، ويؤيدان تقليص المعونات والخدمات الاجتماعية المجانية للمهاجرين والعاطلين عن العمل. وعلى يمين الاحزاب الثلاثة السابقة يقع حزب الشعب الذي يعترف صراحة انه من غيرالممكن التأكيد على اهمية مشاركة المهاجرين فعليا في تشكيل المجتمع. بل ينفي كون التفرقة امراً سلبياً دائما. اذ تكون لها في بعض الاحيان اسباب طبيعية. كما يدعو الى ان يعتمد المهاجرون على انفسهم. وفي اقصى اليمين يقع حزب الديموقراطية الجديدة الذي نشأ في الثمانينات كنسخة محلية من الجبهة الوطنية الفرنسية. انه حزب العنصرية الشرعية او العلنية، وهو الوحيد الذي يشذ عن اجماع الحد الأدنى بين الأحزاب بخصوص قبول المهاجرين. فهو الوحيد الذي يعارض الهجرة، ويعتبرها مشكلة ويطلب اعادة النظر فيها جذرياً. كما يطلب تقليص حقوق المهاجرين بتعلم لغاتهم القومية ويرفض اي اقتراح لمساعدة المهاجرين في الحصول على عمل بحجة ان ذلك يتعارض مع مبدأ المنافسة الطبيعية. وقد استطاع هذا الحزب دخول البرلمان في دورة 1991 1994 حين كانت الرياح العنصرية الهوجاء تجتاج المجتمع السويدي بقوة. واعتبر المحللون خطابه السياسي والشعبوي مسؤلاً آنذاك عن سلسلة الجرائم التي وقعت في السنوات بين 1989 1993 واستهدفت مهاجرين عرباً وأفارقة بالتحديد. الا ان الحزب عاد وانحسرت شعبيته وفشل في دخول البرلمان إثر انتخابات 1994 وكذلك في دورة 1998 مع تلاشي الموجة العنصرية، والهجوم المضاد الذي شنته الحكومة الاشتراكية على الافكارالعنصرية منذ عام 1994. وفي الاعوام الاخيرة حاول مهاجرون كثيرون التكتل وانشاء احزاب خاصة بهم تتبنى مطالبهم ومشاكلهم وتعمل في سبيل الحصول على حقوقهم فنشأت عدة احزاب صغيرة قوس قزح حزب التضامن… الخ لكنها فشلت في تحقيق اي نتيجة لا في الانتخابات ولا في الساحة العامة اذ رأى غالبية المهاجرين فيها وسيلة لتعزيز العزلة بدل القضاء عليها. جذور العنصرية وفروعها ليست العنصرية طارئة في السويد، فهي قديمة ترجع جذورها الى الطبيعة الانعزالية الاصيلة للسويديين. وتلاقحت في العصر الحديث مع روافد ثقافية وافدة من فرنسا والمانيا اللتين أثرتا بقوة في تاريخ السويد الحديث. وهي بحسب الكاتبين ستيغ لارشون وآنا لينا لودينوش ظهرت وازدهرت بشكل مثير ابان العهد النازي في الثلاثينات والأربعينات ثم اندثرت باندثاره. وفي الخمسينات والستينات عادت وبرزت من جديد الا ان نشاطاتها الارهابية كانت ضعيفة تقتصر على توجيه رسائل تهديد وبعض الازعاجات. اما في السبعينات فبرزت بصورة اقوى من خلال منظمة المحافظة على السويد سويدية. وكان الرأي العام يرفض شعاراتها حتى ذلك الوقت. اما في الثمانينات فتشكلت اربعة احزاب عنصرية هي: حزب الديموقراطيين المركزيين، وحزب سكونه، وحزب التقدم، وحزب ديموقراطيي السويد. وفي مطلع التسعينات ظهرت منظمة ارادة الشعب والهجرة الجماعية. وهناك ايضا عدة منظمات نازية سرية تمارس طقوساً وتحيي مناسبات نازية باستمرار ولها نشراتها ووسائل دعايتها القوية. وهناك اكثر من مجموعة عنصرية صغيرة تعادي الأجانب بصفة عامة. النقابات: صورة اخرى للأحزاب لا تختلف النقابات العمالية عن الاحزاب السياسية في نظرتها وعلاقتها بالمهاجرين. فرغم ان 17 في المئة من اجمالي اعضاء اتجاد النقابات LO هم من ذوي اصول مهاجرة فان الهيئات العليا التي تصنع القرار تفتقر لأي تمثيل لملهاجرين. ويقول النقابي كارلوس نونير: "ان غالبية المهاجرين تشعر انها معزولة عن المجتمع وتتعرض للتمييز في سوق العمل... كما في النقابات العمالية". وقد تم تشكيل شبكة اتصال من العمال المهاجرين لبناء كتلة عمالية للمهاجرين تناضل للحصول على مواقع مؤثرة داخل اتحاد النقابات الذي يدعم هذه المبادرة.