تستحق تجربة الفصائل الفلسطينية التي اخذت على نفسها حمل اسم المعارضة واعجبت به الى حد الاستغراق في متاهته، دراسة وتمحيصا دقيقا لاستخلاص ما يمكن من دروس قد تكون مفيدة في مرحلة يدنو فيها النضال الفلسطيني من انجاز واحد من اهم اهدافه الوطنية: اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي مرحلة تتصاعد فيها الدعوات والنداءات من اجل حوار وطني فلسطيني توحيدي بين ما يسمى بفصائل السلطة وفصائل المعارضة للوصول الى قواسم مشتركة تنهي مرحلة العداء المعلن من جانب المعارضة وتساعد على مجابهة تحدي اقامة الدولة وارساء اسس راسخة ومتينة لها. في عام 1969، اي قبل ثلاثين عاما مضت، تسلمت الفصائل الفلسطينية المسلحة قيادة منظمة التحرير اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني ضمن نظام عرف بالكوتا او الحصص وحازت فيه فتح على الحصة الاكبر بوصفها التنظيم الفلسطيني الاكبر والتنظيم الذي اطلق الرصاصة الاولى في 1/1/1965. ونجد الآن بعد مرور ثلاثين عاما ان عددا هاما من الفصائل قد سحب اعترافه بالمنظمة وقيادتها وسحب ممثليه منها منذ خمسة عشر عاما على الأقل، وتحديدا منذ الانشقاق الذي حصل في حركة فتح في ايار مايو 1983 والذي ترتب عليه حصول انشقاق هو الاكبر والأطول مدى مازال مستمرا الى اليوم في تاريخ المنظمة. وكانت في مقدمة الفصائل التي خرجت آنذاك: الصاعقة والقيادة العامة وتلتهما الديموقراطية والشعبية الى ان شاركتا مع فصيلين آخرين في ما عرف بالمجلس الوطني التوحيدي في الجزائر عام 1988 وفي اللجنة التنفيذية المنبثقة عنه. وقد اتخذ ذلك المجلس قرارين هامين. الأول اعلان الاستقلال الفلسطيني واقامة الدولة، والثاني الاتفاق على عدم الانشقاق او الخروج من المنظمة مرة ثانية اياً تكن الأسباب حرصا على استمرار الوحدة الفلسطينية، الا ان الديموقراطية والشعبية وبعد مرور خمسة اعوام على مؤتمر الجزائر سارعتا الى الانشقاق مجددا عبر ما عرف بتعليق او تجميد العضوية في المنظمة وذلك بعد توقيع اتفاق اوسلو في ايلول سبتمبر 1993 بين المنظمة واسرائيل. ويذكر هنا ان الجبهة الشعبية التي تعد احد ابرز الفصائل بعد حركة فتح سبق وان قادت انشقاقا عن المنظمة عام 1974 واستمر حتى عام 1978 حين شكلت مع فصائل اخرى ما سمي جبهة الرفض وذلك بعد ان اقر المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 ما عرف بالبرنامج المرحلي اي برنامج النقاط العشر كانت الديموقراطية اكبر انصاره ودعاته. وقد عادت الشعبية والفصائل التي خرجت معها الى المنظمة بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد رغم ان المنظمة لم تلغ برنامجها المشار اليه، وعادت الشعبية والديموقراطية ومن معهما الى المنظمة عام 1988 ايضا بدون اجراء اي تعديل على سياسات وبرامج المنظمة، وقد تمت العودة الى المنظمة في المرتين انطلاقا من ضرورات كل مرحلة وتحدياتها. بينما شكلت الفصائل التي انشقت عام 1974 جبهة واحدة فيما بينها جبهة الرفض وتمكنت من استقطاب تأييد فلسطيني وعربي، لوحظ بعد انشقاق 1983 ان الفصائل المعارضة التي خرجت من المنظمة وعليها لم تستطع تشكيل جبهة معارضة واحدة فيما بينها ولم تستطع ان تفرض على قيادة المنظمة تغييرا يذكر في منهجها او برامجها كما ان قدرتها على استقطاب التأييد الفلسطيني كانت محدودة رغم كثرة عددها. فقد انقسمت فصائل المعارضة الى قسمين: الاول بقيادة الشعبية والديموقراطية وهو ما عرف بالتيار الاصلاحي او الديموقراطي والثاني ما عرف بجبهة الانقاذ. وتقسم هذه المرحلة الممتدة الى اليوم الى ثلاثة اقسام: الأول - ويمتد من 1983 وحتى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، وقد التقت جميع تلك الفصائل على ادانة ما وصف بالنهج اليميني للقيادة الفلسطينية وعلى المطالبة باجراء اصلاحات ديموقراطية في قيادة وهيئات المنظمة، وذهب البعض المتطرف من تلك الفصائل الى الدعوة من اجل انشاء منظمة فلسطينية بديلة. الثاني - ويمتد من 1988 وحتى 1992 ويتميز بخروج الشعبية والديموقراطية مع فصلين آخرين من المعارضة والعودة الى المنظمة مع بقاء فصائل المعارضة الاخرى في مواقعها، كما تميز بتقارب كبير بين طروحات المعارضة وقيادة المنظمة على خلفية الموقف من الانتفاضة. الثالث - مستمر من 1993 وحتى الآن اي تاريخ توقيع اوسلو وخروج الجبهتين الشعبية والديموقراطية من المنظمة والعودة الى المعارضة من جديد على خلفية الموقف من اوسلو والسلام مع اسرائيل. ولكن يلاحظ ان الجبهتين وخصوصا الديموقراطية حرصتا على ابقاء بعض الجسور مفتوحة مع المنظمة وعلى مد جسور جديدة باتجاه السلطة الناشئة في الضفة والقطاع الأمر الذي يتيح القول انهما على جسر العودة الى المنظمة وجسر المشاركة في السلطة. عموماً، هناك اليوم ما يوصف بالفصائل العشر المعارضة بدون اطار جامع فيما بينها وهي نادرا ما تلتقي على اصدار بيان يعبر عن رأي او موقف مشترك حتى وان التقت في لقاء او مؤتمر مشترك. فكل فصيل كبير منها يحاول فرض رأيه وموقفه على الفصائل الاخرى ونادرا ما تلتقي ثلاثة او اربعة فصائل على رأي وموقف موحد. والمؤلم حقا ان عددا من هذه الفصائل غير معروفة الاسم لا اسم الفصيل ولا اسم الأمين العام في الاوساط الفسطينية والعربية نظرا لكون بعضها مجرد مجموعات منشقة عن فصائل اخرى ونظرا لانعدام وجود تنظيم او وزن لها في الشارع الفلسطيني ايا كان موقع هذا الشارع في فلسطين او خارجها. ومن بين هذه الفصائل من لم يكن يوما عضوا في المنظمة او معترفا به من جانب المنظمة. بينما هناك فصائل حماس والجهاد معترف بها الا انها رفضت وما تزال ترفض ان تكون عضوا في المنظمة ما لم يعترف بها كفصائل كبرى تستحق عددا من المقاعد في اللجنة التنفيذية وفي المجلس الوطني يفوق عدد مقاعد فصائل رئيسية خاضت الكفاح المسلح والعمل الوطني منذ انطلاقته عام 1965. الآن وبعد ستة عشر عاما على الانشقاق الكبير في المنظمة وبعد ان امضى عدد كبير من الفصائل نصف المدة الفاصلة بين عامي 1969 و1999 وهو في المعارضة خارجاً من المنظمة وعليها، وبعد ان امضى البعض الآخر جل عمره منذ انشقاقه او تأسيسه خارج المنظمة، ثمة تساؤلات كثيرة تطرح نفسها ومنها: ألم يحن الوقت للجميع في السلطة والمعارضة التنبه الى الاخطار المترتبة على الاستمرار في هذا النهج او ذاك بعيدا عن النهج التوحيدي؟ كيف تستطيع قيادة المنظمة ان تحاور الاسرائيليين والأميركيين والعرب وغيرهم ولا تستطيع محاورة الاشقاء في النضال الوطني؟ وهل يستطيع المعارضون ان يستمروا وما هو مستقبلهم وهم لا يستطيعون التحدث فيما بينهم لتوحيد معارضتهم ولا يستطيعون التحدث مع السلطة التي يعارضونها خصوصا بعد ان ثبت لهم بالأدلة القاطعة صعوبة ان لم يكن استحالة ازاحة القيادة الحالية للمنظمة ووصولهم الى قمة القيادة؟ ألم يحن الوقت بالتالي للعمل معا كسلطة ومعارضة وفق مبدأ شركاء لا اعداء؟ لقد اثبتت التجربة والى حد بعيد فشل فصائل المعارضة الفلسطينية في تحقيق اهدافها او فرض برامجها على قيادة المنظمة بعد ان اصبحت قيادة للسلطة، واثبتت ايضا فشل فصائل المعارضة في توحيد جهودها والاصطفاف معا في جبهة واحدة حول اهداف او برامج محددة تمكنها من فرض نفسها وبرنامجها وحشد اوسع تأييد لها في الشارع الفلسطيني. فالوزن الحقيقي لفصائل المعارضة في هذا الشارع يزداد تضاولاً ان لم نقل تبخرا عاما بعد آخر، ومما يؤكد ذلك: 1 - ان الغالبية العظمى من هذه الفصائل توقفت كليا عن ممارسة الكفاح المسلح لتحرير الارض وهو الهدف الذي وجدت من اجله. 2 - ان العديد من الفصائل العشر ليست معروفة الاسم في الشارع الفلسطيني نظرا لانعدام فاعليتها التنظيمية والسياسية والعسكرية. 3 - ان فاعلية هذه الفصائل شبه الوحيدة تكمن في اصدار بيانات او عقد مؤتمرات تكون بمثابة رد فعل على فعل او تصريح يصدر عن قيادة المنظمة او السلطة. 4 - انفضاض الشارع الفلسطيني من حول الفصائل التي سبق وان استقطبت تأييدا واسعاً منه وذلك بسبب خروجها من المنظمة ممثله الشرعي الوحيد وخروجها عليها احيانا وعدم قدرتها على تقديم اي بديل مقبول يدفع بالنضال الفلسطيني خطوات الى الامام. وقد اكدت هذا الانفضاض العديد من استطلاعات الرأي التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويدرك قادة هذه الفصائل جيدا ما حل بهم وبفصائلهم نتيجة بعدهم وابتعادهم عن الفصيلة الأم منظمة التحرير ويدركون جيدا فشل مساعيهم الهادفة الى ايجاد منظمة او جبهة بديلة توحد صفوفهم وتعبر عن موقفهم، ويدركون بلا أدنى شك ان استمرارهم على ما هم فيه وعليه من احوال تزداد بؤساً لن يطول كثيرا بعد ان استهلكوا عبر سنوات المعارضة وانعدام الفعل النضالي رصيدهم السابق دون ان يتمكنوا من اضافة اي جديد له. ولا بد انهم يدركون ان الكثير مما كان يصح سابقا لم يعد يصح الآن وانه لا مفر عن اعادة النظر والتجديد في اساليب النضال الوطني الفلسطيني الواحد الموحد وانجاز بناء الدولة الفلسطينية المستقلة فعلا لا قولا على قاعدة الدولة للجميع والسلطة والمعارضة في خدمة القضية الواحدة. كاتب فلسطيني - دمشق.