ثالثاً: حق العودة في الفكر الثوري اذا كانت هزيمة حزيران يونيو العسكرية قد تركت آثارها السياسية والنفسية على البلدان العربية المعنية فإنها بالنسبة للشعب الفلسطيني كانت كارثة من كافة المجالات، فقد وقعت فلسطين بكاملها تحت الاحتلال الاسرائيلي وكذلك مدينة القدس ذات المكانة الخاصة، وأصبح الشعب الفلسطيني في معظمه أسير السيطرة الاسرائيلية المباشرة، مما عكس نفسه على تطور التفكير السياسي واتجاهه، حيث اصبح التصدي للاحتلال الصهيوني قضية كل الشعب الفلسطيني، اللاجئ والمقيم، في الداخل والخارج، لقد تركت هزيمة 1967 آثارها على خارطة التوزع الديموغرافي الفلسطيني بعد ان أضافت بعداً جديداً لمشكلة اللاجئين بتحول عدد جديد من المواطنين الى لاجئين، وبتحول قسم من اللاجئين في الضفة وغزة الى لاجئين للمرة الثانية، هؤلاء وأولئك الذين شكلوا ظاهرة "النازحين" التي تركت اثرها السياسي على تطور الحركة الوطنية في الساحة الرئيسية الأردن، وعلى موقف المنظمة الدولية من القضية الفلسطينية. أولاً: ان علاقة اللاجئ الفلسطيني بالثورة، وبالعنف الثوري لم تكن مجرد علاقة عاطفية بالشعار، بل كانت علاقة ميدانية مباشرة لأن الثورة على الأغلب قامت على اكتاف اللاجئين، في الداخل والخارج فكانوا هم وقودها الأساسي، وهم الشهداء والضحايا والمستهدفين، وقد كانوا الأكثر تضرراً خاصة في الخارج لأن العمليات الانتقامية والمضادة والاشتباكات سواء مع العدو الاسرائيلي او السلطات المحلية او الداخلية كانت تجري في مخيماتهم ومناطق تجمعهم. ثانياً: شكلت معركة الكرامة التي خاضتها قوات فتح العاصفة بشكل رئيسي نقطة تحول في سيادة التيار الوطني على بقية التيارات، ولم يكن التيار القومي وحده الذي تراجع، بل ايضاً التيار اليساري التقليدي الذي استمر يتبنى الموقف السوفياتي من القضية حتى وقت متأخر، بينما التيار الاسلامي الذي كان قد تعرض لمجموعة ازمات في الزمن القومي، انشغل في اعادة بناء قواه الذاتية وبناه الاقتصادية والاجتماعية التحتية، لقد نظر التيار اليساري لقضية العودة من زاوية الحل السياسي والشرعية الدولية، ونظر اليها التيار الاسلامي من زاوية الحل الاسلامي والشرعية الجهادية المؤجلة، والتيار القومي رحلها لما بعد ازالة آثار العدوان واستعادة الأراضي العربية المحتلة. ثالثاً: ان القاعدة الشعبية الكبيرة التي حصل عليها التيار الوطني، كانت في جزء منها، على حساب قواعد التيارات الأخرى، التي التحقت بالوطنيين مباشرة، او عبر منظمات وفصائل فدائية او انسلاخات فردية، وحمل هذا التيار مفهومه التحرري لحق العودة الذي لم يكن يتعارض نظرياً مع مفهومي القوميين والاسلاميين اي العودة عبر التحرر والجهاد، ولكنه عملياً وضعه على نار الكفاح المسلح المباشر مزاوجاً بين معركة التحرر والعودة. رابعاً: حق العودة في هذه المرحلة الرومانسية تماهى مع هدف التحرير، وتوارى خلف ضجيج البنادق والمدافع، لكن مع احتفاظه بمكانته المقدسة، وقد نظر الى الجوانب الانسانية لقضية اللاجئين باحتقار وازدراء، وكذلك الى بطاقة التموين الخاصة بالأونروا باعتبارها رمز الذل والمهانة، على قاعدة ان هويتي هي بندقيتي، ويمكن القول ان قضية اللاجئين توزعت بين الشعارات الثورية الكبيرة، ولم تخضع للتدقيق القانوني والسياسي والفقهي الا في فترة متأخرة، فكان اغلب القادة والمسؤولين والمثقفين يجهلون تلك الأبعاد، ويترفعون عن الخوض فيها. خامساً: بعد التحاق القوميين واليساريين الجدد بالتيار الوطني فتح، حدث تداخل في التفكير السياسي للتيارات الثلاثة التي تفاعلت الى حد الالتقاء على برنامج اجماع وطني شكل حق العودة احدى ركائزه الثلاث تحت قيادة وطنية تمثلها حركة فتح يحتفظ فيها القوميون واليساريون بمقاعدهم البارزة، حيث تناوبت الصاعقة والشعبية والديموقراطية على احتلال مرتبة القوة الثانية او الفصيل الثاني في المنظمة، وفي هذه المرحلة بدأ التدقيق في البعد السياسي والديبلوماسي والدولي لحق العودة. - وهنا نلاحظ ان ممثلي الفكر القومي، او امتداده داخل الساحة الفلسطينية تقدموا على ممثلي اليسار في سنوات الكفاح المسلح الصاعقة والجبهة الشعبية في المرحلة الأولى، بينما تقدم اليساريون الديموقراطية والشيوعي والشعبية بعد تمركسها على ممثلي التيار القومي في سنوات النضال السياسي في المرحلة الثانية حيث تأثر الفكر السياسي الفلسطيني والبرنامج الوطني بالمواقف والرؤى السوفياتية التي اجملتها مبادرة بريجينيف المتضمنة "تمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة الى ديارهم والحصول على تعويض مناسب لممتلكاتهم وفق قرارات الأممالمتحدة". رابعاً: حق العودة في الفكر الكياني اذا كانت قضية اللاجئين قد تراجعت موضوعياً اولاً بسبب الخروج الفلسطيني من لبنان والحروب الفلسطينية - الفلسطينية والفلسطينية - اللبنانية في النصف الأول من الثمانينات وثانياً بسبب انتقال ثقل الفعل الفلسطيني من الخارج الى الداخل بعد عام 1987، فإن حق العودة تأثر سلباً هو الآخر بسبب تغير الأولويات والمهمات الفلسطينية في زمن الانتفاضة، فتراجع مكانة اللاجئين في الخارج في مسيرة الحركة الوطنية، عكست علاقة طردية مع موقع حق العودة في التفكير السياسي الفلسطيني. وفي نفس الوقت شهد المسرح السياسي الفلسطيني اختلالاً كبيراً في المعادلة التقليدية بين اليمين واليسار، او المحافظ والتقدمي وظهرت معادلة جديدة تحكم الحركة الوطنية الفلسطينية قطباها الوطني والاسلامي اي فتح وحماس تركت اثرها في قضية اللاجئين ومكانة حق العودة في ظروف دولية وعربية غير مواتية. على المستوى الفلسطيني: اولاً: في هذه المرحلة دخل العامل الاسلامي الى المعادلة الفلسطينية الداخلية بقوة، واستطاع التيار الاسلامي الذي تبنى شعار الجهاد المقدس المنفي ان يشد اليه جماهير عريضة، وان يستقطب الشارع على حساب التيارات الاخرى، مما اهله للدخول في منافسة حقيقة مع التيار الوطني على قيادة الحركة الوطنية بعد تراجع اليساريين والقوميين، خاصة وانه يحمل موقفاً سياسياً رافضاً للتسوية ولقرارات المنظمة الدولية 242 و338 على اساس انها "تنتقص من حق شعبنا في كل أرضه". ثانياً: وفي المقابل لعبت قيادة التيار الوطني دوراً مزدوجاً، تلبية استحقاقات التسوية السلمية باسم منظمة التحرير الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية اخرى الاستمرار في تقديم خطاب سياسي يتمسك بالحقوق الوطنية باسم حركة "فتح"، حيث لاحظنا المؤتمر الخامس ل"فتح" عام 1987 يحافظ على اللغة المتشددة التي كان قد اقرها المؤتمر الرابع عام 1980 كما حافظ عدد من قيادة "فتح" على موقف نقدي من مدريد وواشنطن وأوسلو مؤكدين على حق العودة باعتباره هدفاً وطنياً مقدساً. ثالثاً: الفكر السياسي الاسلامي الجهادي لم يقدم مفهوماً محدداً لحل قضية اللاجئين وتطبيق حق العودة، تطويراً لمفهومه التقليدي حول تحرير الأمة وإعادة المشردين، وإقامة الدولة الاسلامية، ولأن التيار الاسلامي ظل خارج السلطة فإنه لم يكن مضطراً لتقديم تصوراته للقضايا الحساسة والخطيرة لقضية اللاجئين وحقهم في العودة، واكتفى بالحديث العام عن "عودة الأوطان... وقيام دولة الاسلام ليعود الناس والأشياء كل الى مكانه الصحيح". رابعاً: لقد تعرض التيار القومي لانتكاسة كبيرة في مركزه ومصداقيته منذ حرب 1982 الذي برز فيه العنصر الوطني الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الاسرائيلية الجهنمية، خاصة بعد ان استثمرت القيادة الفلسطينية القصور العربي لرفع شعارات "يا وحدنا"، و"القرار الوطني الفلسطيني المستقل"، مما اطلق البعد الوطني القطري في الصراع على حساب البعد القومي، والذي شكل خللاً فادحاً في المعادلة النضالية والسياسية والتفاوضية. خامساً: وعلى رغم انتعاش الفصائل القومية في مرحلة التصدي للاسرائيليين وحلفائهم المحليين على الساحة اللبنانية في اواسط الثمانينات وبفضل الشعارات الثورية التي رفعتها الا انها عادت للانكماش وتراجعت مكانتها على الساحة الفلسطينية خاصة في زمن الانتفاضة الشعبية على رغم احتفاظها بمواقف مبدئية ثابتة تجاه الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتمسكها الكامل بحق العودة. سادساً: اما التيار اليساري فقد تلقى ضربات متتالية اثرت على مكانته ومصداقيته: فالحزب الشيوعي الفلسطيني الذي أعيد تأسيسه في 10/2/1982، متبنيا شعار "اعادة اللاجئين لوطنهم"، تحول عام 1991 الى حزب الشعب الفلسطيني داعياً الى "حل مشكلة اللاجئين على اساس قرارات الأممالمتحدة"، وتكرر ذات الموقف في المؤتمر الثالث للحزب عام 1998، مطالباً بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وحل قضية اللاجئين على اساسها، وقد تعرض الحزب لانشقاقات وانسلاخات قيادية وكادرية، ولم يحافظ على تحالفه مع الجبهتين الشعبية والديموقراطية في اطار الانتفاضة، كما تراجع عن مواقفه الرافضة للمشاركة في التسوية بالشروط الأميركية - الاسرائيلية، وشارك في حكومة السلطة الوطنية. لقد شكل الحزب الشيوعي الفلسطيني - القيادة الموقتة اكبر انشقاقات الحزب الشيوعي في شباط فبراير 1983 معلناً انه يمثل النهج الثوري ويعارض "البرنامج السياسي لزمرة بشير البرغوثي". وقد أكد في مؤتمره الأول عام 1987، تمسكه ب"ثوابت النضال الوطني الفلسطيني التي تقطع الطريق على مخططات التصفية" على طريق "التحرير والعودة وبناء الدولة الوطنية المستقلة على ترابنا الوطني"، وغير اسمه الى الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري تمييزاً له عن الحزب الشيوعي الأصلي. والجبهة الديموقراطية التي رفعت راية اعادة تصحيح العملية الديبلوماسية وتصويب المفاوضات ورفضت المشاركة في مدريد، تعرضت لانشقاق خطير قاده الأمين العام المساعد ياسر عبدربه الذي شكل تنظيماً خاصاً به، انضم الى العملية التسووية وساهم بنشاط في مفاوضاتها، واحتل مقعداً وزارياً في مقعد السلطة. اما الجبهة الشعبية التي رفعت راية الرفض طويلاً وراوحت بين مركز المعارضة الفلسطينية في دمشق وبين مركز المنظمة الفلسطينية في تونس، ثم مركز السلطة في غزة ورام الله، فقد شهدت هي الأخرى مشكلات داخلية وانسلاخات فردية وارتباكات سياسية ومتاعب ادارية ومالية اثرت سلباً على مركزها وصورتها وأدائها. على المستوى الدولي: لكن المتغيرات الدولية المتمثلة في انهيار التوازن الدولي وفرض الهيمنة الاميركية على النظام العالمي الجديد، وكبح جماح القوى القارية والاقليمية، عكست نفسها بقوة على المنطقة العربية، خاصة بعد حرب الخليج الثانية، وبالتالي على القضية الفلسطينية، وقد أضعف ركائز قوتها وإمكانية صمودها الداخلي، وألحقت الخراب بأكبر تجمعاتها الخليجية وجففت موارد الانتفاضة الشعبية الى حد كبير. اضافة الى ما احدثته المتغيرات الدولية والاقليمية من اختلال في موازين القوى بين اطراف الصراع العربي - الصهيوني، وما ألحقته بالقوى العربية من اضعاف وتبعية فانها عكست نفسها مباشرة على قضية اللاجئين عندما أطلقت موجة هجرة يهودية عاتية من أوروبا الشرقية وبلغت حوالى سبعمئة ألف يهودي وأخلت بالواقع الديموغرافي وأدخلت عناصر جديدة على المركب السكاني فخلقت تعقيداً اضافياً وذريعة اخرى في مواجهة حق اللاجئين في العودة الى ديارهم. على المستوى العربي: وجدت القيادة الفلسطينية نفسها بلا امكانيات كافية وبلا حلفاء قادرين على الساحة العربية، فالقوى الراديكالية محاصرة ومعزولة ومذعورة، والقوى المحافظة مبتزة ومحرجة ومرتبكة، فأصابت تلك القيادة حالة من الذعر والارتباك واللاتوازن جعلتها غير قادرة على التركيز في تفكيرها السياسي والتدقيق في حركتها الديبلوماسية. وهكذا عاد الفكر السياسي الفلسطيني الرسمي للإلتقاء مع الفكر السياسي العربي بعيداً عن الاطار القومي التحرري المرجعي السابق بل على أرضية الواقعية الوطنية، ولعبت مصر مرة اخرى دوراً بارزاً في التأثير في اتجاه التفكير السياسي الفلسطيني الرئيسي، فالتفكير السياسي الواقعي المصري الوطني الذي أنتج معاهدة كامب ديفيد ترك آثاره على التفكير السياسي القيادي مبكراً، لكنه في هذه المرحلة خرج الى العلن بعد ان كان يدور في حلقات صغيرة مغلقة. على مستوى التسوية: وهذا التأثير عكس نفسه في الموقف من التسوية بشكل عام، وأقصد خيار الحكم الاداري الذاتي الذي طرحه اتفاق كامب ديفيد، ومن قضية اللاجئين بشكل خاص، حيث يعود الغموض والضبابية في وثائق اوسلو الى وثائق كامب ديفيد التي تجاهلت المرجعية السياسية الدولية للقضية، وفي المقابل فإن المفاوضين الاسرائيليين تعاملوا مع النصوص الغامضة في مسألة اللاجئين باعتبارها رغبة عربية او مطلباً تكتيكياً، لا يؤذيهم، ولا يرتب عليهم مسؤوليات تتعارض مع موقفهم الثابت والمعلن والقائم على ركيزتي، الرفض المطلق لمبدأ حق العودة، والاصرار على تفكيك وتذويب حالة اللاجئين. لقد تتوجت المسيرة التسووية بالمؤتمر الوطني الكرنفالي الذي أقامته السلطة الفلسطينية احتفالاً بزيارة الرئيس الأميركي الى غزة في 12/12/1998، والذي اكد مجدداً على الغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، وعوم قضية اللاجئين وتجاهل حق العودة، وفي المقابل عقدت فصائل وقوى المعارضة لقاءات وطنية في غزة والضفة، توجها مؤتمر وطني عام في دمشق، اعاد التمسك بالميثاق الوطني "وبحق شعبنا في العودة الى دياره، وبعدم اهلية اي طرف للتنازل عن هذا الحق، وبطلان كل الاتفاقيات والمعاهدات التي تنازلت عن هذا الحق او مسته". لكن الطرفين، السلطة التي تركز اهتمامها الرئيسي على مسألة الدولة المستقلة وتعد بالحفاظ على حق اللاجئين بالعودة، والمعارضة التي تركز اهتمامها الرئيسي على ثوابت الميثاق والحقوق الوطنية وضمنها حق العودة، لم يقدما حتى الآن لملايين اللاجئين غير الوعود المبهمة من دون تصورات وآليات مقنعة، ومن دون مؤشرات لممارسة عملية ذات مصداقية لإقناع اولئك اللاجئين بأنهما جادان في الحفاظ على قضية اللاجئين حية وفي الدفاع عن حق العودة. وفق موازين القوى الراهنة والمنظورة فإن الحديث عن امكانية الحل العادل او نصف العادل لمشكلة اللاجئين، او تطبيق مبدأ حق العودة، وفق الشرعية التاريخية او حتى الشرعية الدولية، يبدو اقرب الى العبث والنفاق.. لذلك فإن المهمة المركزية للقوى الوطنية الفاعلة تتركز في الحفاظ على حق العودة، والعمل على تثبيته في مواجهة خطر الالغاء والتذويب، وعلى التفكير السياسي الفلسطيني ان يخلق المعادلة الكفيلة بتوفير التوافق لا التعارض بين مهمة الحفاظ على الحق في العودة وبين اقامة الكيانية السياسية للفلسطينيين، لأن أخطر ما يتهدد قضية اللاجئين هو التصفية على مذبح الدولة الفلسطينية المنشودة، الدولة مقابل حق العودة! ان الفكر السياسي الفلسطيني معني بحل الاشكالية الكبرى والاجابة على السؤال! كيف لا يكون الحصول على الكيان السياسي قيد التشكل طريقاً لتصفية قضية اللاجئين، وشطب الحق التاريخي لهم في العودة، اي الا يكون ثمن اقامة "سلطة" التضحية بحق العودة دون حتى ضمان امكانية قيام دولة فعلية! تجسر بين الكيان والعودة ولو نظرياً. التجربة الماضية تقول لنا ان التفكير السياسي للقيادة الفلسطينية والعربية بشكل عام، لم يحافظ على الصلة بين الاستراتيجي والمرحلي، بل ظل في كل مرحلة جديدة يهبط من الاستراتيجي الى المرحلي الى التكتيكي الى الآني، دون التمكن من الثبات عند نقطة الحد الادنى، تمهيداً لرحلة العودة الشاقة من التكتيكي صعوداً باتجاه الاستراتيجي. فهل نستطيع فعل ذلك في قضية تحمل في عمقها افراغ المشروع الصهيوني من محتواه العنصري العدواني مثل قضية حق العودة؟ يحتاج المرء الى جرعة عالية من التفاؤل للاجابة على هكذا تساؤل، خاصة وان الالتزامات التي تقيد بها الجانب الفلسطيني في اتفاق شرم الشيخ الأخير حول مرجعية المفاوضات وآلية التفاوض وتداخل المراحل، وكذلك اللجوء الى تكتيك المفاوضات السرية واللقاءات غير العلنية مع الجنوح الى الحلول التلفيقية او التحايلية او الرمزية للقضايا "الخلافية" وفي مقدمها قضية اللاجئين... كل ذلك يجعل الحوار الوطني بين السلطة والفصائل بلا معنى، ويحول "الوحدة الوطنية" الى شعار بلا مضمون ويضع الحقوق الوطنية الفلسطينية في مهب الريح! ويعرّض قضية فلسطين لخطر التصفية السياسية. * كاتب فلسطيني.