أبلغ رئيس مجلس ادارة "تلفزيون لبنان" الرسمي مديره العام جان كلود بولس الكاتب سمير قصير بوقف برنامجه "بدون تحفظ" الذي يبثه التلفزيون ويستضيف عادة سياسيين هم في معظمهم من معارضي الحكومات السابقة، كنجاح واكيم ونسيب لحود، ووزراء حاليين سبق ان اعتذروا لقصير في اللحظة الاخيرة عن عدم قدومهم الى الاستوديو لأسباب بقيت مجهولة. الحلقة الأخيرة التي أوقفت كان من المفترض ان تكون عن الحرب اللبنانية بمناسبة مرور تسعة عشر عاماً على اندلاعها، وتستضيف رئيس تحرير جريدة "نداء الوطن" المقربة من الدولة الزميل جوزف أبو خليل والكاتب والأستاذ الجامعي الدكتور فواز طرابلسي. قرار وقف البرنامج، كما أفهم قصير، سببه ان الحكومة تريد "تلفزيون لبنان" منبراً لها في ظل سيطرة المعارضة على وسائل الإعلام الأخرى. والتصرف وتبريره يشيان بصيغة قديمة - جديدة في التعاطي مع "تلفزيون لبنان"، علماً ان وزير الإعلام أنور الخليل هو وزير قديم - جديد أيضاً، والصيغة هذه اختصارها ان التلفزيون الرسمي هو تلفزيون الدولة وضحيتها أيضاً. فأن يكون في نية الحكومة جعل "تلفزيون لبنان" منبراً لها دون غيرها يعني أن ما سيسمعه اللبنانيون في نشرة أخباره هو تصريحات الوزراء والموالين، وسندخل من جديد دوامة تحول المشاهدين الى محطات أخرى، والى نضوب الموارد الإعلامية لتضاف خسائر الى خسائر، وليعود البحث في مصير هذا التلفزيون العام. وأخبار تعاطي العهد الجديد والحكومة الجديدة مع التلفزيون منذ انطلاقتهما ليست مطمئنة، ففي موازاة الحديث عن خطط التقشف ووقف الإهدار، فوجئ العاملون في التلفزيون بعددٍ من الموظفين الجدد الذي قيل أنهم يمثلون الحكم الجديد في حين يعلم الجميع أن أهم مشكلة يعانيها "تلفزيون لبنان" هي تضخم عدد موظفيه. وجاءت الإشارة الثانية لتصب في مخاوف من نوع آخر، فقد أقصي أحد المذيعين في نشرة الأخبار وأوقف برنامجه الذي كان يقدمه زافين قيومجيان لتعثره خلال النشرة، كما قيل، في قراءة تصريحات لمسؤولين يدافعون فيها عن العهد في وجه تصريحات للنائب وليد جنبلاط. لم يوضح التلفزيون شيئاً عن وقف برنامج قيومجيان، ودار الكلام همساً على ان مسؤولاً سياسياً لم يعجبه تعثر المذيع فأمر بإقصائه. ويبدو ان التجاذب على التلفزيون الرسمي بدأ يطفو من جديد وإن بخفرٍ على مستوى من العلاقات بين سياسيي العهد الجديد، وبدأ الجميع يتقاذف كرته. ففي رواية سمير قصير لوقائع حصلت معه أثناء عمله في برنامجه من الدلالات التي تكفي لفهم طريقة التعاطي "الجديد" مع الإعلام الرسمي. فجميع الوزراء يعتبرون ان التلفزيون الرسمي تلفزيونهم. ويقول "في الحلقة الثانية استضفت النائب نسيب لحود فجاءتني ردود فعل سلبية من وزير الداخلية ميشال المر لأن لحود منافسه انتخابياً في منطقة المتن. وفي الحلقة الرابعة استضفنا الطلاب الذين أزالوا السياج من حول بلدة أرنون، فنقل إلي من إدارة التلفزيون ان الحكومة وأجهزة أخرى غير مسرورة مما دار في الحلقة، وأسمعت كلاماً غير دقيق أن بعض المدعويين من الطلاب صادر في حقهم مذكرات توقيف، وعلمت أن ضغوطاً كبيرة تمارس على رئيس مجلس إدارة التلفزيون لوقف البرنامج. فاتصل أصدقاء لي، بينهم نواف سلام بالرئيس الحص الذي اتصل بالوزير الخليل وأبلغه رغبته في استمرار البرنامج". وفي الحلقة الأخيرة التي بثت كان من المفترض ان يكون بين الضيوف وزير الثقافة محمد يوسف بيضون، وأن يكون الحديث عن "بيروت عاصمة ثقافية"، فاعتذر الوزير في اللحظة الأخيرة. وبما أن الوقت لم يعد يسعف المعد، اكتفى بضيوف آخرين. وأعرب في مقدمة البرنامج عن انزعاجه من تصرف الوزير، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فلجأ قصير مجدداً الى الحص الذي قال انه يتمنى استمرار البرنامج لكن الأمر يعود الى وزير الإعلام. الا ان مصادر رسمية قالت ان برنامج قصير "أعطي فرصة لكنه لم يؤمن اعلانات". وليس بعيداً من هذه الأجواء تأتي تصريحات عدد من الوزراء والنواب وتحذيراتهم لمحطة فضائية "المستقبل" من أن الحملة التي تخوضها على الحكومة تشوه صورة لبنان في الخارج ويُلوح بإجراءات في حقها، وهو تقليد مستمد من تجارب سابقة تدعي التجربة الحالية عدم الأخذ بها في أكثر من ميدان. وهذه الوقائع ولدت بلبلة وتشويشاً في أوساط تعد قريبة الى حد كبير من الحكومة الحالية، ودفعت بالتحليلات الى أكثر من اتجاه، خصوصاً أنها ترافقت مع عدد من التغيرات والتبدلات في الساحة الإعلامية، بدأت مع اقتراب صدور جريدة "المستقبل" التابعة لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، ومع ما سرب عن أن مجلس شورى الدولة قبل طعناً سبق ان تقدمت به مؤسسة "نيو تي.في." في حق قرار الحكومة السابقة عدم الترخيص لها، وأن قبول الطعن يعني اقتراب موعد بداية بث المحطة التي عرفت في ما مضى بمعارضتها لحكومات الحريري. أما محطة "ان.بي.ان." التلفزيونية التي يملك رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومؤيدون له، معظم أسهمها، فحل المدير العام لوزارة السياحة السابق ناصر صفي الدين محل رئيس مجلس ادارتها النائب ياسين جابر، وصرف عشرات من موظفيها من دون ضجيج. وهي تستعد لأن تتحول محطة إخبارية فقط. ولا شك في أن هذه التطورات الإعلامية الآتية من أكثر من سياق، هي ثمرة أولى للتغيرات السياسية الأخيرة.