عاد الملف الاعلامي الى واجهة الاحداث، بعد السجال الذي دار بين الحكومة وممثلي وسائل الاعلام اثر تلويح وزارة الاعلام بتطبيق قرار مجلس الوزراء فرض الرقابة على البرامج السياسية التي تبث فضائياً لا البث المحلي، ثم قرار رئىس الحكومة رفيق الحريري ووزير الاعلام باسم السبع عدم تطبيق هذه الرقابة على البث الفضائي لمقابلة النائب المعارض نجاح واكيم التي اذاعها تلفزيون "ال.بي.سي." اول من امس. وأوقع السجال الذي دار على الرقابة المسبقة على البرامج السياسية التي تبث فضائياً الحكومة في حال تجاذب بين الحرص على عدم تعريض علاقات لبنان العربية بفعل بعض المواقف المسببة ل"الضرر"، واتهامها بالتعرض للحريات والسعي الى توحيد الخطاب السياسي للقوى اللبنانية المختلفة، قسراً. وهذا ما دفع وزير الاعلام الى الاعلان انه سيقترح على مجلس الوزراء في جلسته غداً الغاء قرار فرض الرقابة. لكن المعلومات افادت ان اقتراح الالغاء هذا سيقترن بخطوة اخرى، وبين الافكار المطروحة في هذا الصدد، الغاء البرامج والاخبار السياسية على التلفزيونات الخاصة التي تبث فضائياً، لحصرها بتلفزيون لبنان حين يتمكن من تأمين مقومات البث الفضائي. وهذه التطورات نفسها كانت مدار جدل أمس. وطغى الشأن الاعلامي على اجواء القصر الحكومي في ضوء التوجهات الجديدة التي سيتقدم بها وزير الاعلام إلى مجلس الوزراء لوقف العمل بقرار الرقابة المسبقة على البث الفضائي. والتقى الحريري أمس مرتين السبع الذي اوضح "ان موضوع وقف الرقابة المسبقة سيطرح على مجلس الوزراء الذي سيتخذ القرار المناسب". وقال: "ليست هناك توجهات والموضوع سيعرض برمته، وستكون هناك اعادة تقويم من الاساس للتجربة التي عشناها ولمجلس الوزراء ككل ان يتخذ ما يشاء". وعرض الحريري مع زواره من النواب امس التطورات العامة وأوضاع المناطق والشؤون الاعلامية، ودعا النائب انور الخليل الى "انتظار ما سيبته مجلس الوزراء قبل الدخول في جدل حياله". وطالب النائب انطوان حداد "تطبيق قانون الاعلام المرئي والمسموع ومحاسبة أي محطة بعد ارتكابها أي مخالفة". ورأى النائب بهاء الدين عيتاني "ان على اللبنانيين ان يعطوا صورة مشرقة للخارج، اذ لا يجوز ان نخرج بصورة مشوّهة لا تعكس حقيقة الوضع القائم في لبنان"، مطالباً بأن "تكون المعارضة بنّاءة وهادفة لا هدّامة". واستنكر النائب محمود عواد "عملية التهريج خلال المقابلة التلفزيونية ليل اول من امس مع النائب نجاح واكيم". إلى ذلك، سجلت ردود فعل على ما تردد عن محاولة الحكومة سحب تراخيص البث الفضائي. فأسف النائب نسيب لحود "ألا تكون الحكومة اتعظت من مغبة الاستمرار في قمع الحريات ومحاولة احكام السيطرة على وسائل الاعلام والتعبير، وآخر فصول هذه المأساة محاولة فرض رقابة مسبقة على البث الفضائي لمقابلة تلفزيونية مع الزميل النائب نجاح واكيم، في سياق تدبير تعسفي واستنسابي لا اساس قانونياً له وقد نقضه في وضوح مجلس شورى الدولة بتاريخ 16/4/1997". وأمل "بأن يكون التراجع عن هذه المحاولة خطوة اولى على طريق الغاء هذا التدبير التعسفي الغاء كاملاً"، لكنه خشي من "ان يكون ذلك مقدمة لتنفيذ الحكومة تهديداتها بسحب تراخيص البث الفضائي للبرامج السياسية". ورفض النائب جبران طوق الاسلوب الذي تتعاطى به الحكومة مع الاعلام. وقال "انه يثير الاستغراب ليس لانه يتجاوز الأعراف والقوانين والحقوق التي ضمنها الدستور وحسب، بل ولأنه يكشف ضعف السلطة في مواجهة منتقديها". وسأل: "لماذا لا تعتمد الحكومة اسلوب المناظرة مع هؤلاء لإظهار الحقائق بدلاً من لجوئها الى اسلوب المنع والتعسف الذي يؤدي الى تعميق الهوة بين السلطة والمواطنين ويعزز ردود الفعل المتطرفة ويقوي اصحابها". وعقد ممثلو وسائل الاعلام المرئية والمسموعة السياسية اجتماعاً في مبنى اذاعة "صوت لبنان" لعرض التطورات المتسارعة في اليومين الماضيين. ورحبوا، في بيان على الاثر، "بصوابية التزام الحكومة قرار مجلس شورى الدولة إلغاء الرقابة المسبقة وقانونيته". وأضافوا "ان المعلومات التي تشير الى امكان ابدال الرقابة المسبقة بقرارات تلغي البث الاخباري والسياسي على الفضاء اذا صحّت، ستكون لها مضاعفات اخطر تصيب الاعلام اللبناني ودوره بعدما قطع لبنان شوطاً متقدماً في تعددية الاعلام وتنوّعه". وأعلنوا رفض وسائل الاعلام "وضعها في موقع المواجهة مع السلطة فلا هي ترغب في هذا الموقع، ولا هي ترى ان مصلحة الاعلام ودوره ومسؤولياته ان يكون منهمكاً دوماً في التفتيش عن طريقة التحصن في مواجهة الحملات التي يتعرض لها". وأشاروا الى "ان وسائل الاعلام تقوم بدورها تحت مظلة القانون وتتمسك بأن يكون القانون حكماً اوحد في عملها وأن يخضع له الجميع بمن فيهم اطراف السلطة. والقانون وحدة لا يتجزأ ولا يجوز تطبيقه جزئياً ولا استنسابياً ولا ظرفياً. وهي بالتالي ترفض ان توضع في دائرة الاتهام من جانب السياسيين سواء في السلطة او خارجها، فليست هي التي تصنع السياسة ولا هي التي ترتكب الفضائح ولا هي التي تخلق الصراعات ولا هي المسؤولة عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها لبنان. وهي ايضاً تعيد التأكيد على ضرورة حصر مرجعيتها المباشرة في ما نصت عليه بنود القانون 382/94 التي تحصر هذه المرجعية المباشرة بالمجلس الوطني للاعلام، على ان يعطى المجلس كل ما يلزمه للقيام بدوره كاملاً". وقرر المجتمعون متابعة هذه التوجهات مع وزير الاعلام والمجلس الوطني للاعلام. وطلبوا لقاء مع الرؤساء الثلاثة لعرض وجهة نظرهم حيالها. وأثناء الاجتماع، اتصل نقيب المحررين ملحم كرم مؤكداً "تضامنه مع موقف المجتمعين والحرية الاعلامية". وأبدى نقيب الصحافة اللبنانية محمد البعلبكي ارتياحه الى "عدم لجوء الحكومة الى أي لون من ألوان الرقابة المسبقة على البرامج السياسية سواء أذيع البرنامج محلياً او فضائياً". وأسف في الوقت نفسه "لما انحدر اليه مستوى بعض المقابلات التلفزيونية السياسية"، مبدياً خشيته "ان ينعكس ذلك سلباً على مستقبل الاعلام المرئي عموماً". وكان الوزير السبع اجتمع مع مجلس ادارة تلفزيون لبنان الرسمي للبحث في اوضاعه والعجز المالي الذي يعانيه. وشكلت لجنة ستعمل باشراف السبع على وضع تقرير يرفع الى مجلس الوزراء يتضمن اقتراحات حلول. وفي هذا الاطار، اعتبر رئيس نقابة الموظفين والعمال في التلفزيون الياس ابو رزق "ان الحكومة هي صاحبة القرار في تنظيم تلفزيون لبنان بموجب قانون الاعلام الصادر"، معتبراً "انها تماطل في هذا الموضوع".