الكتاب: موسوعة الأساطير المؤلف: ادموند فولر ترجمة: حنا عبود الناشر: الأهالي للتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى 1998 إن لم يكن ثمة معرفة تستحق أن يقال عنها مفيدة إلا تلك التي توسع ملكيتنا او ترفع مركزنا في المجتمع فإن الميثولوجيا لا تدعي هذا الزعم. اما اذا كانت تلك التي تجعلنا اكثر سعادة وتحسناً تدّعي معرفة مفيدة، فإن موضوعنا يزعم انه يحوز هذا اللقب لأنه خادم الأدب، والأدب واحد من أعظم أنصار الفضيلة وصانعي السعادة. من دون المعرفة، فإن الكثير من أدب لغتنا الرفيع لا يمكن أن يفهم أو يتذوّق وهو أحد الأسباب التي تجعلنا نسمع أشخاصاً يفتقدون الوسيلة الأدبية يقولون انهم لا يستمتعون بشعر ملتون، ولكن عندما يضيف هؤلاء الأشخاص الى تحصيلهم ما يضمه هذا المجلد الصغير، فإن المزيد من شعر ملتون الذي ظهر لهم "فظاً معقداً" يبدو "موسيقياً مثل عود ابولو". ولا نتوقع مثل هذه الدراسة لأنواع من التعليم مرتبطة كلياً بعجائب كاذبة وإيمان مهجور ان يقبلها القارئ العام في عصر عملي كهذا العصر. ان الزمن حتى بالنسبة الى الصغار مزدحم بعلوم الحقائق والأشياء فلا يترك فسحة لعلم عن الخيال المحض. ولكن ألا يمكن ان نحصل على المعرفة الدقيقة للموضوع من قراءة مترجمات الشعراء القدامى؟ ان الحقل اوسع بكثير من ان ينحصر بدورة إعدادية، وهذه المترجمات ذاتها تتطلب معرفة مسبقة للموضوع حتى تكون مفهومة. وليقرأ كل من يشك في ذلك الصفحة الأولى من "الإنياذة" ويرى بنفسه ماذا يصنع "بكراهية جونو" وتكريم "غاينمير" من دون هذه المعرفة. هذا الكتاب، هو محاولة لحل هذه القضية، بسرد قصص بطريقة تجعلها مصدراً للمسرّة، سعى المولف الى روايتها بدقة وفقاً لقدامى المؤلفين، بحيث عندما يجد القارئ نفسه مضطراً للرجوع اليها فانه لا يعدم مرجعاً بين يديه، ليس كدراسة بل كاستراحة من عناء الدراسة. وتضفي علينا طريقة في معرفة هام من الثقافة. معظم قصص هذا الكتاب لم تترجم حرفياً، لأن الشعر المترجم الى النثر حرفياً لا يقدّم قراءة جذابة. وهي لم تترجم شعراً أيضاً لأسباب اخرى كالإعتقاد ان من المستحيل تقديم ترجمة امينة في ظل القافية والوزن. وقد اتجهت محاولة المؤلف الى رواية القصص نثراً ما عدا الشعر الراسب في العقول، الذي ينفصل عن اللغة ذاتها، حاذفاً تلك التضخيمات التي لا تناسب الشكل الذي تحولت اليه في سرد القصص المتعلقة بها التي انحدرت الينا من القدماء، والتي لا تزال تغوي الشعراء وكتّاب المقالة والخطباء المحدّثين وتضع في حوزة القارئ معلومات ضرورية له ولكل من يقرأ الأدب الرفيع لعصره. وحتى نفهم هذه القصص من الضروري ان نطلع على الأفكار التي سادت بين الإغريق الشعب الذي اخذ عنه الرومان علمهم ودينهم. لقد اعتقد الاغريق ان الارض منبسطة ومدوّرة، وفي وسطها تقع بلادهم، والنقطة المركزية هي جبل الأولمب المشهور بنبوءاته. والصحن المستدير للأرض يتصالب من الغرب الى الشرق ويقسمه البحر الذي يدعونه "المتوسط" الى قسمين متساويين ومكمله البحر الأسود وهما البحران اللذان يعرفونهما. حول الارض يتدفق النهر المحيط ومجراه من الجنوب الى الشمال على الطرف الغربي للأرض، وفي الاتجاه المعاكس للجانب الشرقي يجري بتيار مستو ثابت لا تؤثر فيه عاصفة او اعصار. البحر وكل انهار الارض تستمد مياهها منه. يعتقدون ان القسم الشمالي للأرض يسكنه جنس بشري سعيد هم الهيبريون. وفي الجانب الجنوبي للأرض يسكن شعب فاضل يطلقون عليه اسم الأثيوبيين. وفي القسم الغربي للأرض، القريب من جدول المحيط، يوجد مكان سعيد يسمى السهل الاليزي. وهكذا نرى الاغريق في العصور الأولى لا يعرفون إلا القليل عن اي شعب حقيقي ما عدا اولئك الذين يقبعون شرق بلادهم وجنوبها او قرب شاطئ المتوسط. وقد تهيأ لخيالهم آنئذ ان القسم الغربي لهذا البحر يسكنه العماليق والوحوش، بينما جعلوا صحن الأرض الذي يعتبر قليل الإتساع تسكن أمم تتمتع ببركة وسعادة. ويزعمون ان الفجر والشمس والقمر تبزغ من المحيط على الطرف الشرقي وتندفع في الهواء فتهب النور للناس. وهناك قصة تقول من الطبيعي ان يثير خلق العالم اهتمام الانسان الذي يسكنه. قبل ان تخلق الارض والسماء كانت الاشياء تظهر بمظهر واحد، وهذا ما نطلق عليه امس الكاوس كتلة فوضوية لا شكل لها، ولا شيء سوى ثقل خامد فيه تنام بذور الأشياء. كانت الأرض والبحر والهواء مختلطة مع بعضها حتى أن الأرض لم تكن صلبة والبحر لم يكن سائلاً والهواء لم يكن شفافاً. لكن الله والطبيعة تدخلا ووضعا حداً لهذه الفوضى، ففصلا الأرض عن البحر وفصلا السماء عن كليهما وقد ارتفع القسم الملتهب وهو الأخف وشكّل السموات، وتلاه الهواء في الثقل والمكان. كانت الارض اثقل فغرقت الى الاسفل، واحتل الماء المنطقة المنخفضة وعام على الارض كلها. وكان العالم قد امتلأ بالسكان، وقد كان العصر الاول عصر البراءة والسعادة وقد سمي "العصر الذهبي". وفيه سادت الحقيقة والعدل، ولكن من دون سلطة القانون ولم يكن ثمة قاض يهدد او يعاقب. ولم تكن اشجار الغابات قد سرقت لتكون اخشاباً للسفن ولا كان الناس قد بنوا تحصينات حول بيوتهم. ولم تكن هناك اشياء من امثال السيوف والرماح او الخوَذ. كانت الارض تنتج كل الاشياء الضرورية للإنسان من دون ان يحرث ويبذر. وكان الربيع فصلاً دائماً والأزهار تنبت من دون بذور والأنهار تجري بالحليب، والعسل الأصفر يقطر من اشجارالبلوط. وميزة هذا الكتاب انه أولى اهتماماً لما أهمله الباحثون بعده. فقد تريث عند العصور الوسطى، وبالأخص تلك الرومانسات العظيمة التي تحمل إلينا الأساطير الجديدة التي ظهرت في تلك العصور، وهذا غير موجود في اي كتاب آخر بهذا الشكل الموسّع