كتاب(مرايا الهوية / الأدب المسكون بالفلسفة) المؤلف : جان فرانسوا ماركية المترجم : أ. كميل داغر. مراجعة لطيف زيتوني الناشر : المنظمة العربية للترجمة / مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت صدر هذا الكتاب بالفرنسية العام 1996، وهو كما يوضح المترجم، صعب الترجمة، لما تحفل به لغة المؤلف من منطق كامن لايمكن نقله الى العربية، ولكن مجازفة الترجمة، تدرج ضمن ما اختطته المنظمة العربية من متابعة لآخر وأهم الاصدارات في العالم المعاصر. يبحث الكتاب في علاقة الادب بالفلسفة، وعلاقته بمفهوم الهوية الادبية، ويختار لكل موضوع كاتب من الذين يرى ان أدبهم يدور حول موناد معين اي جوهر فردي. يقول المؤلف، كل شعر، بل كل أدب أصيل، يبقى مسكونا بشبح لايمكن طرده، إلا بإرضائه. لأن لكليهما الهدف نفسه: أن يقدم للكون مرآة (حسب قول سقراط) يمكن أن يرى نفسه فيها من جميع جوانبها، فيما هو يراجع نفسه باختصار. القصيدة ككل عمل فني هي شيءٌ، مرآة حقيقية بالقدر نفسه لما تعكسه، في حين ان المفهوم الفلسفي ليس أكثر من انعكاس، من ظل على وشك الاضمحلال. لذا يرى ان الفيلسوف يمكن ان لايكون كاتبا، وتلك حال أكبر مفكري الغرب(ارسطو، كانت)، وبالمقابل فإن كل كاتب عظيم يحمل في ذاته فيلسوفا مجهضا. يقسم المؤلف الكتاب الى ثلاثة اقسام تتحرك حولها عين الكاتب الباصرة : مرآة الذرة، مرآة الدراما، مرآة الإلهي. وفي القسم الأول يدرج ديدرو، أحد أهم كتاب التنوير الذي وضع الإنسكلوبيديا التي تحركت وفقها معارف عصر النهضة، ثم فيكتور هيغو الشاعر والروائي. وفي مدخله الى محاورة أدبهما، يضع تأملات حول الأرض الخيميائية. والأرض بالتعارض مع السماء، كما يرد في النص هي الام والرحم اللذان تتولد منهما الاشكال. والارض كمغناطيس تجتذب التأثيرات السماوية، وفي مرحلة ثانية تعيد تكوينها على نحو مادي وملموس. وهنا يحاول المؤلف مقاربة التماثل بين موقع الارض وموقع الانا في سيكولوجيا الاعماق لدى يونغ. وفي الفصل الثاني يتكلم النص عن مفهوم الرواية الخيميائية، وصلتها بحجر الفلاسفة، حيث تتحدد مواضيعها في اللقاء العشقي، وحكاية السفر، وفيه يتتبع المنحى الروائي عند الاغريق حيث امتلاك العذراء، يجعل الفرد محظوظا رغم اذاه، كما ان السفر هو الوصول الى فك الالغاز. ديدرو وعلم جوهر الفرد عنوان فصله الثالث، الحاقا بمفهومه عن الذرة. وهنا يتحدث عن بذار الاشياء، او المباديء، وهي الكائنات الصغرى.في موسوعة ديدرو يشرح نظرية الجزئيات العضوية "الناتج المباشر للسبب الخلاق، بذار الاشياء، وكل مادة ليست سوى بذار، او حبة او رشم. ان الرشيمات او المبادئ هي الكائنات الصغرى، او الاشد بساطة والاقل تركيبا، وهي في الوقت عينه الاشد نشاطا والاكثر اقتدارا". اما فيكتور هوغو فكل شيء يبدأ لديه، بمطر أبدي وكئيب، مطر أبدي هائل، النضج الهائل للذرات، حين تتوضح حدود كل نقطة وتصبح نديفة سوداء. هكذا يقول المؤلف. وفي المقدمة الفلسفية لرواية (البؤساء)، يكتشف هوغو في أعماق الفكر اللامتناهي الذي له كل الابعاد : النقطة الهندسية التي ليس لها أي بعد. مرآة الدراما ستكون لفاغنر ومالارميه. فاغنر الذي الف دراما شعرية (آماديس) آخر ملحمة بطولية ظهرت في الغرب، يتحاور فيها البطلان حول شيخوخة العالم وانحطاطه، مقابل الإزدهار المثالي للموسيقى. مالارميه الذي يسمي عنوان فصله : اخراج الدراما، يدور حول عمله الاشهر :هيرودياد. ويقول ان المؤلف كان مسكونا بهيغل ولغته، وعندما فرغ من قراءة اعماله، اراد تقديم اطروحة عن كيف تمر الكلمة عبر الفكرة والزمن اللذين هما النفي المماثل لماهية الصيرورة. اذا كانت الفكرة أحدا،كما يقول مالارميه، فهذا الاحد لايمكن ان يكون إلا إمرأة (الاخت العاقلة الحنون) أو (السيدة غير الطبيعية اللذيذة)، وهكذا تجسدت (هيرودياد) أشهر قصيدة لمالارميه، من حلمه الكئيب، وهي تتعدى الاسطورة الى البحث عن علاقة الفكرة بالوعي البشري. وهكذا سنجد في هذا الكتاب، عالما ثقافيا ممتدا تبدو ترجمته ضربا من المستحيل، فعالم الثقافة العربي، لايلم بتلك المصادر المتشعبة التي يغوص فيها المؤلف، ليبلغ مديات مبهمة على قارئ يجهلها. وتزيد غموض الكتاب، لغة كاتبه التي تتجول حرة بين نصها ونصوص من تكتب ومن تؤل، ومن تستخدمه استطرادا أو صلة تربطها مع قارئها المختص. ولكن في كل الاحوال، يحصل القارئ العربي على بعض مايفيده في مناهج البحث التي تبدو مابعد اللسانيات وكأنها تعود الى موردها الاول، في البحث عن المعنى او المضمر الفلسفي.