يدرج مراقبون في إسرائيل تراجع شعبية تحالف «ليكود – إسرائيل بيتنا» في استطلاعات الرأي الأخيرة، وقبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات العامة (في 22 كانون الثاني المقبل)، إلى «المارد الطائفي» الذي يطل برأسه من جديد، كما عشية كل انتخابات برلمانية، خصوصاً من جانب الشرقيين (سفارديم) الذين يدّعون بأن الأشكناز (يهود اوروبا وأميركا) ما زالوا يعملون على إقصاء الشرقيين من المناصب النافذة في الدولة العبرية. ويقود حملة التذمر من استقواء «الشرقيين» قيادي حركة «شاس» الدينية الشرقية المتزمتة آريه درعي الذي لم يتردد في إعلان حرب علنية على «الأشكناز والروس (المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق) والبيض» الذين يقودون حزب «ليكود – بيتنا» وجعلوا من «حزب الشعب، ليكود، حزباً متعجرفاً وشامخ الأنف يمثل الروس والبيض». ولم تفاجئ هذه الكلمات الساحة الحزبية، وهي التي تعوّدت في كل انتخابات على التذكير من جانب هذا الزعيم الشرقي أو ذاك بأن البعد الطائفي «حيٌّ وقائم»، وأن التمييز الطائفي ضد الشرقيين يتفاقم، فيقوم بالتالي بإزالة طبقات مواد التجميل عن الواقع القائم، واقع معاناة غالبية الشرقيين تمييزاً على خلفية أصولهم. وكانت حركة «شاس» وضعت شعاراً انتخابياً يقول: «أفيقوا أيها السفارديم». وأشار درعي إلى حقيقة أن الأماكن الخمسة الأولى في لائحة «ليكود بيتنا» المتشكلة من حزب «ليكود» بزعامة بنيامين نتانياهو و «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، تخلو من شخصية شرقية بعد أن انسحب الوزير الشرقي الأكثر شعبية في «ليكود» موشيه كحلون من الحياة السياسية، فيما جاء الوزير الشرقي الثاني سيلفان شالوم في الخماسية الثانية، وليس أكيداً أن يمنحه نتانياهو حقيبة وزارية مهمة. ويتهم درعي زعيم «إسرائيل بيتنا» الذي يمثل المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، بأنه أحكم سيطرته على تحالف «ليكود بيتنا»، وأنه ليس راغباً باستمرار الشراكة الحكومية التاريخية بين «ليكود» وحركة «شاس». ورغم اعتذار درعي لاحقاً عن كنية «الروس البيض»، إلاّ أنه أكد من جديد أن الشرقيين يعانون التمييز، وأن «شاس» تحارب من أجل سد الفجوات في المجتمع الإسرائيلي وضد التمييز ضد الشرقيين، «وهذه معركة عادلة حول حقيقة مؤلمة». ويدرك درعي في هجومه على «ليكود بيتنا» أن التلويح بالتمييز ضد الشرقيين يلقى آذاناً صاغية لدى الأخيرين، علماً أنهم يشكلون نحو 80 في المئة من ناخبي «ليكود». وطالما عانت الشخصيات الشرقية البارزة في الدولة العبرية من أصولها الشرقية، فغدت في نظر سدنة الدولة وإعلامها موضع تندر وتهكم، وألصقت بها صفة الحماقة، بدءاً بوزير الخارجية السابق ديفيد ليفي الذي فاقت شعبيته داخل «ليكود» سائر أقطاب الحزب، لكنه لم ينجح في الفوز بزعامة الحزب، مروراً بزعيم حزب «العمل» عمير بيرتس «صاحب الشارب» الذي يذكر الإسرائيليون من فترته القصيرة وزيراً للدفاع المشهد وهو يراقب مناورات عسكرية للجيش بمنظار عسكري مغلق من دون أن يزيل غطاء المنظار عن العدستين. كما يذكر الإسرائيليون رئيس دولتهم «الفارسي» موشيه كتساف على أنه مغتصب للنساء، لا أكثر، فيما الصورة المرتسمة لقادة «شاس» أنهم فاسدون بعد أن قضى أربعة منهم محكوميات بالسجن الفعلي لإدانتهم بتلقي الرشاوى. في الوقت ذاته، يخشى درعي وسائر أركان «شاس» من أن يكون في وسع ليبرمان حقاً التأثير على نتانياهو بإبعاد ممثلي الحركة عن الحقائب الوزارية المهمة التي كانت في حوزتهم في الحكومة الأخيرة (البناء والإسكان والداخلية). وكان نتانياهو أعلن قبل أيام أن وزير الإسكان والبناء في الحكومة المقبلة التي يتوقع أن يشكلها بعد الانتخابات، سيكون من تحالف «ليكود بيتنا» وليس من «شاس»، وهو ما أثار حنق قادة الحركة الذين اتهموا ليبرمان بالوقوف وراء إعلان نتانياهو، وأنه يفضل حزب «يش عتيد» الوسطي بزعامة الصحافي يئير لبيد على «شاس» في الائتلاف الحكومي المقبل. ويستبعد مراقبون أن يسلّم قادة «شاس» بمخططات ليبرمان هذه، إن صح أنها قائمة، ويرون أن كلام نتانياهو جاء لمنع هروب أصوات من «ليكود» إلى «شاس». مع ذلك، أخذوا يلمحون إلى أن مواصلة اللهجة العدائية من ليبرمان ضد الحركة الدينية قد تدفع بها وبنظيرتها الأشكنازية، حركة «يهدوت هتوراة» الدينية المتزمتة الأشكنازية، إلى التوصية أمام الرئيس شمعون بيريز بتكليف زعيمة «العمل» شيلي يحيموفتش، وليس نتانياهو، تشكيل الحكومة المقبلة. وعلى الورق، فإن هذا الاحتمال وارد حيال نتائج أحد الاستطلاعات الأخيرة الذي أفاد أن أحزاب اليمين تحصل اليوم على 47 مقعداً في مقابل 45 لأحزاب الوسط، بينما تحصل «شاس» و «يهدوت هتوراه» مجتمعتين على 17 مقعداً، ما يجعل منهما «بيضة قبان» في تحديد هوية رئيس الحكومة المقبلة. لكن أقطاب «ليكود بيتنا» ومعلقين في الشؤون الحزبية لا يأخذون هذا الاحتمال على محمل الجد لإدراكهم أنه باستثناء درعي، الذي يعتبر أكثر قادة الحركة الدينية اعتدالاً، فإن سائر قادة الحركة، تماماً كما ناخبوهم، هم من متطرفي اليمين الذين لن يسمحوا برؤية يحيموفتش رئيسة للحكومة، وهي التي يعتبرونها يسارية رغم محاولات الأخيرة المتكررة للنأي بنفسها عن هذه الصفة.