أعرب زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزاني عن اعتقاده ان احياء "المؤتمر الوطني العراقي" المعارض لنظام الرئيس صدام حسين، صعب جداً، وقال في حديث الى "الحياة" ان المعارضة العراقية "ستعجز على الارجح عن لعب دور اساسي في التحولات والتغيرات" المرتقبة بسبب "تشتت قواها وعدم تماسكها". وأعرب عن امله بتشكيل حكومة كردية جديدة في شمال العراق قريباً، ونأى بنفسه عن اختيار واشنطن حزبه بين سبعة فصائل عراقية معارضة لتقديم مساعدات لها، في اطار خطة تأمل الادارة الاميركية بأن تساعد على التغيير في العراق. وهنا نص الحديث: رفضتم المساعدة الاميركية لحزبكم من اجل تغيير النظام العراقي. هل انتم مقتنعون بأن المعارضة منفردة قادرة على التغيير؟ ولو كانت كذلك لماذا لم يحصل التغيير حتى الآن؟ - يصعب التكهن بقدرة المعارضة على تغيير الوضع في العراق، والذي تشابكت ابعاده الاقليمية والدولية، بل صارت امتداداته الدولية ابرز مما كان. وعلى الارجح ستعجز المعارضة عن لعب دور اساسي في التحولات والتغيرات، بسبب القصور الذاتي لفصائل المعارضة وتشتت قواها وعدم تماسكها وعدم اتفاقها على برنامج واضح حتى الآن. ألا تعتقدون ان موقفكم من عرض واشنطن المساعدة سيزعج الادارة الاميركية وينعكس على علاقتكم معها، وهي التي ترعى "المنطقة الآمنة" في شمال العراق وتفرض الحظر الجوي لحماية الاكراد من اي هجوم قد تشنّه بغداد؟ - نأمل بألا يكون موقفنا باعثاً على ازعاج الادارة الاميركية التي تتفهم وضع الاقليم، وبالتالي نتوقع الا ينعكس موقفنا سلباً على العلاقات مع الولاياتالمتحدة التي لها مصالح حيوية في المنطقة. كما ان للادارة الاميركية التزامات اخلاقية ازاء الشعب الكردستاني منذ العام 1991 وتعهدات بحماية اقليم كردستان وهي تقدم المعونات الانسانية لشعبنا. وأعلنا موقفنا في 21 كانون الثاني يناير المنصرم، وكنا اثناء وجودنا في واشنطن اوضحنا موقفنا من ذلك الأمر، واكدنا اننا مسؤولون عن مصير الملايين من ابناء شعبنا ولا يسعنا ان نتصرف كمعارضة خارج الوطن. واوضحنا كل ذلك وبصراحة امام مسؤولي الحكومة الاميركية والكونغرس الذين تفهّموا موقفنا. اننا، في مواقفنا الداخلية والخارجية، ننطلق من الحرص على مكاسب شعبنا ومستقبله. هل هناك سبيل لتوحيد المعارضة كما تؤكد واشنطن انها ترغب في ذلك؟ ولماذا في رأيكم اختارت من التنظيمات المعارضة سبعة فصائل فقط، وهذه الفصائل بالتحديد؟ - توحيد المعارضة العراقية يتطلب جهوداً مكثفة وكبيرة، وسبق لاحزاب المعارضة وفصائلها بما فيها الفصائل الكردية، ان قامت مرات بمحاولات لتوحيد القوى وتنظيمها في جبهة سياسية واحدة، وذلك خلال الربع الاخير من القرن وكان لحزبنا دور ايجابي في عقد تحالفات في السبعينات والثمانينات وحتى اوائل التسعينات، لكنها كانت تحالفات قصيرة تمزقت لأسباب ذاتية تتعلق بهذا الطرف او ذاك، وكذلك بسبب تدخلات خارجية، وبسبب اختلاف المواقف من احداث كبيرة ومنعطفات سياسية مهمة خلال العقدين الاخيرين، واحياناً كان الموقف السلبي لبعض قوى المعارضة من القضية الكردية سبباً من اسباب فشل التحالفات او اجهاض محاولات التوحيد. نعتقد ان المعارضة ستتوحد عندما تتخلص من تأثيرات اقليمية ودولية معروفة، وعندما تتمتع قوى المعارضة باستقلالية قرارها وموقفها. اما عن حجم قوى المعارضة ذاتها واحزابها وطبيعتها، فهناك قوى سياسية ذات جذور اجتماعية وتاريخية معروفة، بينما هناك قوى ومجموعات نشأت في ظروف طارئة اغلبها بعد حرب الخليج الثانية عام 1991. لكننا، رغم كل شيء نحترم التعددية وحرية الرأي والتعبير، وبقاء اي حزب او مجموعة او استمراريتها مرهون بمدى ما تقدمه للشعب وبما يتخذه من موقف ازاءها في المستقبل. اما عن سبب ادراج اسماء سبعة احزاب اعلنتها واشنطن، فذلك يتعلق بوجهة نظر الادارة الاميركية، وهذا شأنها، وسياستها ازاء الاحزاب والحكومات، ويبدو ان الادارة اخذت في الاعتبار ان هذه الاحزاب تمتلك ثقلاً وقاعدة معينة في الداخل، وتمثل قطاعات قومية ودينية، وهذا ينطلق من معايير اميركا نفسها. هل ترون امكانية لاعادة احياء نشاط "المؤتمر الوطني العراقي" كمظلة لمعظم التنظيمات المعارضة؟ وما علاقتكم بالمؤتمر الآن وبرئيس مجلسه التنظيمي احمد الجلبي؟ - أرى صعوبة بالغة في احياء "المؤتمر الوطني العراقي"، لما وقع من اخطاء سياسية وميدانية اذ ان غالبية اعضاء المؤتمر انسحبت من المؤتمر او جمّدت نشاطها فيها، وليست لنا الآن علاقة تذكر بالدكتور احمد الجلبي. ما مصير اتفاق واشنطن الذي وقّعتموه مع السيد جلال طالباني؟… الاتفاق على اجراء انتخابات وتشكيل حكومة جديدة في الاقليم؟ ما حصل حتى الآن هل يعني انها مجرد هدنة بين الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني؟ - اتفاق واشنطن في 17 ايلول سبتمبر الماضي كان خطوة تاريخية مهمة فتحت آفاقاً جديدة، لأنه كان اتفاقاً مبنياً على أسس واقعية، وبعث الأمل بالمستقبل لدى الاكراد. وتحققت حتى الآن خطوات مهمة على طريق الالتزام بهذا الاتفاق، اضافة الى اللقاءات الثنائية المباشرة في واشنطن ولندن وأنقرة. كما عقد لقاء ثنائي مهم اثناء زيارة السيد جلال طالباني مشكوراً لصلاح الدين، وبحثنا الامور بصراحة وأكدنا مواصلة التمسك بالاتفاق وصون السلام والاستقرار وتطوير مجالات التعاون والتنسيق وهي كثيرة، طريقاً للوصول الى مصالحة شاملة. ولا يخفى ان لكل طرف تفسيرات معينة لبعض بنود الاتفاق، لكن الطرفين متفقان على النقاط الجوهرية، ويمكن تذليل التباين في وجهات النظر، وذلك من خلال الحوار واستمرار المحادثات الثنائية التي تجري بانتظام. ومن اجل التغلب على التباين في وجهات النظر يتسلّح الطرفان بالعزم والارادة. لذلك استطاعا تحقيق خطوات ملموسة مثل الالتزامات المالية، واطلاق الأسرى، والتنسيق الكامل بالنسبة الى تنفيذ القرار 986 النفط مقابل الغذاء واتفاق وجهات النظر في شأن وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في الاقليم بناءً على اتفاق واشنطن الذي يقضي بأن لا يكون للحزب اي ملاذ في الاقليم ونأمل بأن يجري المكتب السياسي للطرفين حزبي بارزاني وطالباني محادثات قريباً للتوصل الى صيغة لتشكيل حكومة مشتركة، وعقد جلسات البرلمان واجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في شمال العراق. هل هناك حوار او جولة جديدة من الحوار مع بغداد كما تؤكد السلطات العراقية؟ واذا كنتم تواصلون الحوار ما اهدافه؟ الصحاف قال انكم بصدد حوار حول مشروع جديد للحكم الذاتي؟ - لم نرفض الحوار يوماً واستمر حوارنا مع بغداد ولم ينقطع. اما هدفنا منه فهو الحصول على الحقوق القومية المشروعة لشعب كردستان. وتركزت ارادة شعبنا في المطالبة بالفيديرالية لاقليم كردستان. نحن نؤمن بأن حل القضية الكردية سيتطلب ان نعود الى بغداد لنكمل الحوار، وبأن التفهّم المشترك بين الطرفين هو السبيل لتحقيق حل عادل و ثابت وسلام راسخ. لكننا رغم حرصنا على مواصلة الحوار لم نتوصل حتى الآن الى اتفاق مرضٍ يستجيب المطالب العادلة لشعبنا وبما يضمن السلام والوحدة الوطنية في العراق. حوارنا ما زال مستمراً، لأن الحوار هو لغة العصر والسبيل الافضل لحل كل المشكلات. علاقتكم مع طهران اين وصلت؟ علماً ان واشنطن كانت تعارض اي دور ايراني في مناطقكم؟ - تحسّنت علاقاتنا مع طهران، وحرصنا دوماً على ان تكون علاقاتنا مع هذه الجارة المسلمة طبيعية ومبنية على التكافؤ والاحترام المتبادل وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية، ونحرص على اقامة هذه العلاقات مع كل الجيران. بعد اعتقال اوجلان ماذا عن وجود مقاتليه في كردستان العراق والذي كنتم شكوتم منه مرات، وخضتم مواجهات معهم؟ - بعد اعتقال اوجلان راقبنا الأوضاع بدقة وانتظرنا ما ستسفر عنه مواقف قيادة حزب العمال بعد اعتقال زعيمها، ألا أننا مع الأسف تلقينا معلومات تفيد أن حزب العمال عقد أخيراً مؤتمراً قرر فيه مواصلة السير على نهجه الخاطئ المعادي لحزبنا وللمؤسسات الشرعية في اقليم كردستان العراق، واصراره على حرب مع الاقليم والاعتداء على قواعدنا ومؤسساتنا. ان هذا الموقف عدواني وضار جداً وسيلحق بهم أيضاً الأضرار والدمار. فلا نفهم سبب اصرارهم على هذا الخطأ وعلى التحرش بنا من دون أي مبرر منطقي وأي سبب اللهم الا إذا كانوا ينفذون رغبات غيرهم، مدفوعين بمقاصد أخرى. كيف توضحون موقف حزبكم أو قولكم ان العدالة يفترض ان تأخذ مجراها في محاكمة اوجلان في تركيا؟ - تصريحنا بهذا الصدد في 18 من شباط المنصرم واضح ولا يحتاج الى توضيح أكثر. ألا ترون ان اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني سيشكل تحولاً في مسار القضية الكردية؟ وهل ترون فصلاً بين قضيتين كرديتين، واحدة في تركيا، وأخرى في العراق؟ - بلا شك سيكون لاعتقال اوجلان تأثير واضح بخاصة بالنسبة الى حزب العمال. وقلنا مراراً ان الأمة الكردية أمة واحدة، وأما التقسيم الحاصل لوطنها الى اجزاء فلم يتم بارادتها، بل بسبب هذا التقسيم، اذ نشأت لكل جزء من كردستان خصوصية معينة، تجب مراعاتها. أثارت الصحافة شكوكاً حول اتفاق واشنطن، وتردد انه مهد للتضييق على حزب العمال في اطار خطة أميركية - تركية انتهت بخطف اوجلان. فما رأيكم؟ - ان اتفاق واشنطن أكد انه يجب ألا يكون لحزب العمال الكردستاني أي ملاذ في اقليم كردستان العراق، وصدر هذا الاتفاق، بين حزبنا والاتحاد لانهاء أزمة الاقتتال الداخلي الذي كان حزب العمال طرفاً فيه. وعلى الصحافة ان تزور الاقليم لتشاهد ميدانياً ما ارتكبه انصار حزب العمال من اعتداءات وجرائم بحق شعبنا. أقصى ما كان اتفاق واشنطن يرمي إليه، وأقصى ما كان حزبنا يريده، ان يكف حزب اوجلان عن التدخل في شؤوننا الداخلية وأن يخرج قواته من أرضنا. فلا ندري أي سبب للربط بين اتفاق واشنطن واعتقال اوجلان.