تجنب الأكراد العراقيون التعليق رسمياً على بدء انسحاب مسلحي حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى شمال العراق، فيما أشار بيان مقتضب أصدرته الخارجية العراقية إلى «رفض بغداد دخول عناصر الكردستاني إلى الأراضي العراقية لأنه يمس بأمن البلد واستقراره ويخرق سيادته». لكن البيان «رحب بأي تسوية سياسية سلمية في تركيا لحل القضية الكردية، ووقف إراقة الدماء». تزامن ذلك مع مطالبة النائب عن «ائتلاف دولة القانون» في العراق، ياسين مجيد، بموقف حكومي وبرلماني واضح من «التجاوز الصارخ على سيادة العراق واستقلاله». وأضاف في مؤتمر صحافي: «شكلت سابقاً لجنة مشتركة ثلاثية بين العراق وتركيا والولايات المتحدة لمكافحة إرهاب حزب العمال الكردستاني. وبعد الانسحاب الأميركي باتت المسؤولية على عاتق العراق وحرس الإقليم، لذا نسأل: هل الحكومة العراقية تعلم بالاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ على انسحاب المقاتلين الأكراد من تركيا إلى قواعدهم في سلسلة جبال قنديل شمال العراق وهل جبال قنديل أراضٍ تركية كي يتفق أردوغان وأوجلان على الانسحاب إليها، ولماذا في هذا الوقت؟». ولا شك في أن التساؤلات تزداد حول موقف إقليم كردستان العراق من خطة السلام، والتي يقضي أهم بنودها ببقاء مسلحي الحزب في شمال العراق حتى إنجاز الإصلاحات السياسية لحل القضية الكردية، وإصدار عفو عام عنهم تمهيداً لعودتهم، ما يجعل كردستان العراق «شريكاً» في الخطة حتى من باب تأمين الدعم اللوجستي. وكانت حكومة كردستان العراق أمنّت نهاية نيسان (أبريل) الماضي، حضور عشرات الإعلاميين المؤتمر الصحافي الذي عقده مراد كره يلان، زعيم الجناح العسكري ل «الكردستاني» في جبال قنديل. كما كشفت تسريبات للاستخبارات التركية تنسيق زيارات أمنية مع حكومة إقليم كردستان أثناء إعداد خطة السلام، لكن حكومة أربيل نفت مرات عدة، مشاركتها بشكل رسمي في مفاوضات بين أوجلان وأنقرة. ويبدو أن الحرج الكردي في أربيل من التعليق على الموضوع يرتبط بصعوبة إعلان قبول «إرهابيين» على أراضي العراق، والإقرار بحصول تنسيق مع دولة أجنبية خارج إطار الديبلوماسية المعهودة، وكذلك بخطر عودة حوالى 2500 مسلح إلى إقليم كردستان، خصوصاً في حال تعثرت عملية السلام مع أنقرة. كما يرى محللون أكراد أن خروج زعيم «الكردستاني» عبدالله أوجلان من السجن قد يجعله منافساً قوياً على زعامة كردية إقليمية قد تزعج القيادات التقليدية الكردية في العراق. لكن مصادر تركية تؤكد أن أربيل شريك أساسي في صفقة نزع سلاح «الكردستاني»، وأن لها مصالح في التعاون مع أنقرة في إطار خطة السلام مع الحزب، أهمها اتفاقات تصدير النفط من إقليم كردستان عبر تركيا إلى العالم، وهو ما أزعج بغداد وواشنطن معاً. ويؤمن التعاون مع أنقرة ورقة قوة لأربيل في مفاوضاتها مع بغداد في شأن قانون النفط العراقي، وحصة الأكراد من عائدات النفط المتنازع عليها بين الطرفين. كما أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين أنقرة وأربيل، والدعم السياسي الذي تقدمه أنقرةلإقليم كردستان في مواجهة سياسات المالكي، باتت تسمح بتقديم أكراد العراق «عوناً» لتركيا، إضافة إلى قبول أكراد العراق أي خطة سلام تنهي الاقتتال الذي بدأه أبناء جاليتهم وأقربائهم في تركيا قبل ثلاثة عقود. وعموماً، ليست فكرة بقاء مسلحي «الكردستاني» في شمال العراق لفترة موقتة جديدة، إذ طرحها الرئيس جلال الدين طالباني ضمن خطة حل ووساطة اقترحها بين أنقرة والحزب العام 2008، باعتبار أن حل القضية الكردية في تركيا سيؤدي إلى رحيل الحزب، ولو بعد حين، عن شمال العراق، وسيغلق معسكراتهم هناك، ما يسمح باستعادة كردستان العراق السيطرة على جبال قنديل الوعرة، ويخلع «مسمار جحا» الكردي الذي طالما تذرعت أنقرة به لشن عمليات عسكرية في شمال العراق، ومحاولة فرض السيطرة أو الوصاية عليه سياسياً واقتصادياً.