اختفى زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان مساء اول من امس في كينيا وظهر صباح امس في انقرة... معتقلاً. وبذلك انتهت مغامرة الرجل المديدة في العمل المسلح من اجل حق تقرير المصير لأكراد تركيا وهي المغامرة التي دخلت، منذ شهور، في اطوار متعاقبة بدأت بخروجه من سورية ووصوله الى روسيا فايطاليا ثم اختفائه من هناك ليتضح، لاحقاً، انه امضى ايامه الاخيرة في منزل السفير اليوناني في نيروبي جورج كوستورلاس. ما ان اعلن رئيس الوزراء التركي بولند أجاويد بصوت مرتجف ان بلاده وضعت يدها على "عدوها الرقم واحد" حتى انطلق سيل الروايات والاتهامات المتبادلة حول ظروف الاعتقال او الاختطاف او التسليم: نيروبي تتهم اثينا، وأثينا تتهم نيروبي، محامو اوجلان يتهمون العاصمتين ويتحدثون عن تواطؤ مع انقرة، ويزيد متحدثون باسم حزب العمال ان المخابرات المركزية الاميركية وجهاز "موساد" الاسرائيلي لعبا دوراً مؤكداً. الوقائع المؤكدة تقول ما يأتي: في 2 شباط فبراير حطت طائرة في مطار جومو كينياتا الدولي في نيروبي. وكانت تقل اوجلان ومرافقين ولكنهم بأسماء مستعارة. كانت الطائرة قادمة من مطار ميلانو الايطالي حيث تزودت الوقود ولم يسمح لها بالهبوط. كان السفير اليوناني كوستورلاس في الاستقبال وتعمد التمويه على السلطات الكينية. رافق الواصلين الى منزله حيث قدم لهم "الحماية". أقاموا لديه 12 يوماً. ولما سألت الخارجية الكينية السفير اليوناني حول هوية ضيوفه انكر ان يكون اوجلان بينهم. غير ان السلطات في نيروبي واجهت السفير بوقائع "دامغة" يوم الاثنين ما اضطر الحكومة اليونانية الى الاسراع في اتخاذ قرار. فهي لم تعد تستطيع انكار انها "تحمي" اوجلان في دولة اجنبية خصوصاً ان محاميه الايطالي جوليانو بيسابيا زاره في "مقر اقامته الموقت". تسارعت الاحداث بعد ظهر الاثنين الى ان غادر اوجلان منزل السفير في السابعة والنصف مساء بالتوقيت المحلي و... اختفى. هنا تتضارب الروايات. يقول اليونانيون انهم سلموه الى السلطات الكينية وهي تصرفت، اي، عملياً، سلمته للأتراك. ويقول الكينيون انه كان متوجهاً نحو المطار ليغادر الى هولندا وأن ذلك حصل بمعرفة السفارة اليونانية لذا فهي المسؤولة عما جرى علماً بأن نيروبي لا تنفي انها طلبت من السفير اليوناني ترحيل "الضيف غير المرغوب فيه". يجمع محامو اوجلان على تحميل اليونان المسؤولية. ففي لاهاي قالت المحامية بريتا بويلر انها اتصلت بموكلها مساء الاثنين في منزل السفير اليوناني من اجل تحذيره ونصحه بالمغادرة. والمحامي في روما بيسابيا يؤكد انه علم من اوجلان منذ يوم الاحد ان خمسة عملاء سريين يونانيين يحاولون اخراجه من المنزل للذهاب معهم وانه يرفض ذلك أملاً بالاسراع في بت طلبه اللجوء السياسي. والمحامي الايطالي الآخر لويجي سارتيشيني يؤكد ان اوجلان لم يغادر منزل السفير طوعاً وان ما حصل هو "عملية تسليم الى المخابرات التركية التي كانت تتربص به". والمحامي الألماني ايرهارد شولتز يجزم ان موظفي السفارة كانوا ناشطين في اخراج اوجلان من المبنى وانهم نجحوا في التفريق بينه وبين حراسه الشخصيين قبل تسليمه الى السلطات الكينية. ومع ان واشنطن نفت اي تدخل مباشر فان اوساطاً كردية تتهمها بأنها رعت تنسيقاً واسعاً بين اليونان وكينياوتركيا واسرائيل وانها ارادت تقديم خدمة لأنقرة تطويقاً لزيارة نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز وكثمن لاستخدام قاعدة انجرليك، ولذا فانها قدمت وعوداً الى اليونان من اجل تسهيل هذه المهمة. في نيروبي اطلعت "الحياة" على رسالة كان بعث بها السفير اليوناني الى وزارة الخارجية الكينية ظهر عليها تاريخ الأول من شباط الجاري، ويطلب فيها اذناً بهبوط طائرة خاصة من طراز "فالكون - 900" في مطار جومو كينياتا الدولي في نيروبي. ولم يرد اسم عبدالله اوجلان بين اسماء خمسة اشخاص ذكرت الرسالة انهم سيكونون على متن الطائرة. كما ظهر في ذيل الرسالة ختم وزارة الخارجية الكينية والى جانبه تاريخ الثاني من شباط، ما يعني ان الوزارة تسلمت الرسالة يوم وصل فيه اوجلان الى نيروبي. وأكدت مصادر ديبلوماسية لپ"الحياة" في العاصمة الكينية ان الطائرة الخاصة حطّت في مطار جومو كينياتا في الساعة الحادية عشرة وثلاة وثلاثين دقيقة ليل الثاني من شباط. وان اوجلان كان على متنها ويحمل جواز سفر مزوراً ونقل مباشرة مع عدد آخر من مرافقيه الى مقر اقامة السفير اليوناني. وتضيف المصادر نفسها، ان السلطات الكينية خُدعت في العملية، خصوصاً في محاولة اخفاء شخصية اوجلان، وعندما تأكد لها مساء اول من امس وجوده في منزل السفير طلبت ابعاده في غضون اربع ساعات. ورضخ السفير كوستورلاس للطلب وخرج اوجلان من المنزل في الساعة السابعة والنصف في اتجاه المطار. وتقول الحكومة الكينية انها لا تعرف ماذا حصل له بعد ذلك، في حين اكدت انقرة انه وصل في الليلة نفسها الى تركيا حيث سيواجه تهمة الخيانة العظمى. وترجح المصادر نفسها ان جهات خارجية رتبت كل مراحل العملية بدءاً من مغادرته روما حتى ترحيله الى تركيا. ولم تستبعد ضلوع جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "موساد" في هذه العملية من خلال دفع رشاوى الى دوائر الهجرة لادخال اوجلان، او تمريره من دون ابلاغهم عن هويته الحقيقية. واستبعدت في الوقت نفسه ضلوع السلطات الكينية التي تحاول اعادة فرض هيبتها الامنية منذ حادثة تفجير السفارة الاميركية في السابع من آب اغسطس الماضي.