سياتل رويترز، د ب أ، أ ف ب - فشل وزراء تجارة 135 دولة في الاتفاق على بدء جولة جديدة من مفاوضات تحرير التجارة العالمية في ما يعتبر ضربة قوية لجهود الولاياتالمتحدة ونصراً لمعارضي تحرير التجارة. واعلن مسؤولون اميركيون مساء اول من امس الجمعة انتهاء المؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة الدولية من دون التوصل لاتفاق على تسوية خلافات عميقة في شأن الدعم الحكومي المقدم للقطاع الزراعي ومعايير العمل وغيرها من المسائل. وقالت الممثلة التجارية الاميركية شارلين بارشيفسكي التي رأست المؤتمر: "ان الحكومات لم تكن مستعدة للمضي قدماً. من الافضل التوقف لبعض الوقت". من جهته اوضح وزير التجارة الاميركي وليام ديلي في بيان: "بالطبع اشعر بخيبة كبيرة لفشل المندوبين المشاركين في مؤتمر سياتل في الاتفاق على اطلاق جولة جديدة من المفاوضات التجارية". لكنه قال انه "مقتنع بقوة ان تقدماً كبيراً احرز هذا الاسبوع الجاري"، مشيراً الى ان المفاوضات "كانت صعبة للغاية والمواضيع المطروحة معقدة" واضاف ان "اعمال منظمة التجارة العالمية ستتواصل في جنيف وانا على ثقة اننا سنتوصل في النهاية الى اتفاقات اساسية بالنسبة لشعوبنا وبيئتنا واقتصاداتنا". هزيمة لكلينتون ويعتبر انهيار المفاوضات هزيمة كبيرة لبارشيفسكي والرئيس الاميركي بيل كلينتون الذي كان يرى في الجولة فرصة لدعم صورة ادارته التي تشوهت بسبب الفضائح الجنسية والمساءلة امام الكونغرس مطلع العام الجاري، خصوصاً وان كلينتون كان اخذ على عاتقه مهمة عقد "جولة الفية" جديدة كوسيلة "لفتح آفاق تجارية ارحب وتوفير المزيد من الرخاء في الولاياتالمتحدة والعالم". كما يعد الفشل اكبر انتكاسة في مفاوضات التجارة العالمية منذ 20 عاماً. ويأتي فشل القمة ايضاً ليمثل نصراً للدول النامية التي كانت شكت من النهج الذي سارت وفقه المفاوضات خلال المؤتمر والذي "اتسم بالانغلاق" وكذلك نصراً للمحتجين المناهضين للمنظمة الذين حولوا شوارع مدينة سياتل الى "ساحة حرب" اثناء انعقاد المؤتمر، من خلال تنظيم التظاهرات الضخمة التي انتهى الكثير منها بمواجهات ومصادمات مع الشرطة. وستبقى اجتماعات سياتل في الذاكرة لفترة طويلة بسبب الصور التلفزيونية لقوات الشرطة وهي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في مشاهد عنف اصبحت تعرف باسم "حرب سياتل" والتي اعادت الى الاذهان مشاهد الاحتجاج على حرب فيتنام. وكانت اجواء الفشل تخيّم على اعمال المؤتمر الذي استمر 4 ايام منذ افتتاحه الثلثاء الماضي بسبب الخلافات في شأن عدد كبير من المسائل، بدءاً من خفض اعانات المزارعين مروراً بتحديد معايير العمل على الدول النامية ووصولاً الى اعادة النظر في قوانين تجارة البيع بالتجزئة. وبدلاً من الخروج بجدول اعمال شامل يتعلق بمحادثات التجارة العالمية الجديدة، اتفق المؤتمر على نقل المفاوضات مجدداً الى جنيف وتكليف المدير العام للمنظمة مايكل مور مهمة ايجاد مجموعة اكثر فعالية من الاجراءات بما يضمن مشاركة كل الدول في المحاولات المقبلة للدول الاعضاء للاتفاق على بدء جولة تجارية جديدة. غير ان المسؤولين من الدول الصناعية حاولوا اضفاء شكل ايجابي على انهيار المحادثات. اذ ان بارشيفسكي وصفت ما اسفر عنه المؤتمر بأنه "تعليق موقت" لها، في الوقت الذي اكدت ان التقدم الذي تم احرازه في سياتل سيتم "تجميده" الى حين استئناف المحادثات مرة اخرى. ويعود فشل المؤتمر في التوصل الى الاهداف المرجوة الى ثلاثة عوامل على حد قول عدد من اعضاء الوفود المشاركة. اذ ان الجلسات التحضيرية التي جرت الاسبوع الماضي في جنيف خرجت بمسودة نص احتوت الكثير من اوجه الخلاف، ما كان يعني ان عدداً كبيراً من المسائل ترك للوفود المشاركة في سياتل للبحث فيها ومحاولة التوصل الى اتفاق نهائي. ونتيجة لذلك، لم يرض اي طرف من الاطراف المشاركين تماماً على النص بالشكل الذي كان عليه في وقت متأخر اول من امس قبل اختتام المؤتمر. وقالت بارشيفسكي انها خلصت بعد ظهر الجمعة الى عدم امكان حل الخلافات الصعبة، وانها تشاورت مع كل من مور وكلينتون قبل الدعوة الى فضّ الاجتماع. وفي مقر المؤتمر الذي خضع لحراسة مكثفة، بدا الاعياء على الوفود المشاركة من الولاياتالمتحدة ودول اخرى. لكن في اماكن اخرى في المبنى ظهرت السعادة على منتقدي منظمة التجارة مع انتشار الانباء عن فشل المفاوضات. وقال عدد من المعارضين ان الفضل في ذلك يعود الى الاحتجاجات الرافضة للاجتماع. وعلى الفور بدأ تبادل الاتهامات. وقال احد اعضاء الوفد الكندي: "انها بداية لعبة توجيه اللوم". والقى مسؤولون اميركيون باللوم في الفشل على ضخامة المهمة التي واجهت الوفود وتمسك الدول المشاركة بمواقفها. ولم يستطع المفاوضون تجاوز خلافاتهم في شأن الزراعة للبحث في خلافات اخرى بمعايير العمل ومكافحة الاغراق. واتهمت بعض الدول النامية التي تمثل اعضاء ثلثي منظمة التجارة الولاياتالمتحدة بأنها السبب في الفشل. وقالت ان وزراءها أُهينوا بسبب الطريقة التي تجاهلتهم بها الدول الكبرى. وثمة عامل ثاني ادى الى انهيار المحادثات الا وهو المقاومة التي ابدتها الدول النامية التي شعرت انه سيتم فرض اتفاق عليها من قبل الدول الصناعية. والسبب الثالث يتمثل في شعور الوفود على الاقل من الدول النامية بالقلق من جراء الاضطرابات المدنية التي شهدتها شوارع سياتل اثناء انعقاد المفاوضات. الا انه تم احراز تقدم نحو التوصل الى اتفاق في ما يتعلق بالمسائل المتعلقة بالزراعة والخدمات، وهما القطاعان المذكوران في اتفاق جولة اوروغواي عام 1994 التي انبثقت عنها منظمة التجارة، وجعلها بنوداً في جدول اعمال الجولة التجارية العالمية المقبلة.