نشرت جريدة لندنية قبل يومين رسماً كاريكاتورياً لولد يبكي أمام دار للسينما ويقول لأمه انه لا يريد حضور فيلم، بل يفضل حضور محاكمة الفايد - هاملتون. النائب والوزير السابق نيل هاملتون رفع قضية قدح وذم على السيد محمد الفايد، مالك متجر هارودز، بعد ان اتهمه هذا بقبض مبالغ نقدية منه لتوجيه اسئلة برلمانية. ومنذ افتتاح جلسات المحكمة، وهي أفضل تسلية في لندن، واكثر متعة من أي مسرحية، مع ان سقوط جيفري ارتشر، المرشح المحافظ لمنصب رئيس بلدية لندن زاحمها اياماً في الصفحات الأولى للجرائد. أبدأ بالسيد الفايد الذي يعتقد على ما يبدو ان العالم كله مؤامرة كبيرة تقسم الى مؤامرات، وأكمل باللورد ارتشر. رجل الاعمال المصري الخطير قال في المحكمة ان هاملتون تلقى منه 30 ألف جنيه، الا انه في الرد على الدفاع قال انه قبض 50 ألف جنيه، وبعد أخذ ورد طرح رقمي 40 ألف جنيه و60 ألف جنيه، ثم قال رداً على هذا التناقض انه لا يذكر. - اتهم الأمير فيليب، زوج الملكة اليزابيث، بأنه وراء قتل الأميرة ديانا وابنه دودي في حادث مدبر. وأصر على ضلوع المخابرات البريطانية في المؤامرة. - أكد ان سائق السيارة التي قتلت فيها الأميرة وابنه، الفرنسي هنري بول، لم يكن مخموراً، مع ان عدة فحوص مختبرية اثبتت بشكل قاطع ان معدل الخمر في دمه زاد ثلاث مرات على الحد المسموح به. - قال ان وزير الداخلية السابق مايكل هوارد تلقى مليون جنيه رشوة من منافسه تايني رولاند ليفتح تحقيقاً رسمياً في أعماله أي أعمال الفايد التجارية. - لم يدفع ضرائب على امتداد 20 سنة، ثم أجرى تسوية مع مصلحة الضرائب فدفع متأخرات بقيمة 20 مليون جنيه. والى جانب هذا كله، أصر السيد الفايد على انه من أسرة ثرية، مع ان التلفزيون صور بيت الأسرة المتواضع جداً في الاسكندرية، وقال له الدفاع ان أباه كان معلم مدرسة، فقال ان جده كان ثرياً، من دون ان يوضح كيف انتقلت الثروة من جده اليه، ومن دون ان تمر بأبيه. وعندما قيل له ان جده لم يكن يملك سفن شحن، لأنه لا يوجد أي تسجيل لهذه السفن، قال ان السفينة من هذا النوع ثمنها خمسة آلاف جنيه، أي ان "الثروة" التي قال انها أوصلته الى هارودز لا تتجاوز بضعة ألوف من الجنيهات. وكان يمكن ان تظل محاكمة الفايد حدث الموسم لولا ان دخل على الخط اللورد ارتشر الذي سقط بعد ان ثبت انه طلب من صديق له ان يكذب خلال محاكمة ليحميه. ربما كان ارتشر الرجل الوحيد في لندن الذي كذب أكثر من السيد الفايد. جيفري ارتشر كذب عن أصله فقال ان أباه كان ضابطاً كبيراً تلقى أوسمة كثيرة لشجاعته، وتبين ان أباه محتال دولي طلبته الشرطة في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا. قال انه درس في اوكسفورد، مع ان الواقع انه عمل لدائرة التعليم في اوكسفود، وسجل شهادات وانجازات رياضية في الجامعة لم يحصل عليها. وكتب في شهادة زواجه انه باحث جامعي، وهذا غير صحيح. أصبح نائباً محافظاً سنة 1969، وقال انه أصغر نائب محافظ في التاريخ، مع انه كان رابع أصغر نائب محافظ. خسر أمواله سنة 1974 في مشروع تجاري وانتهى في محكمة التفليسة، إلا انه عاد سنة 1976 مؤلفاً لروايات حسنة الانتشار، وجنى ثروة جديدة. وتعود متاعب ارتشر الحالية الى سنة 1986 عندما نشرت جريدة "نيوز أوف ذي وورلد" انه دفع مبلغاً من المال، وصوّرت الدفع، الى فتاة ليل هي مونيكا كوغلان، لتسكت عن علاقتهما. وعندما نشرت "الديلي ستار" انه أقام علاقة جنسية مع فتاة الليل، رفع قضية ربحها، وهي القضية التي طلب فيها من صديق له، هو المخرج تيد فرانسيس، ان يكذب في المحكمة ليحميه. إلا ان القضية كسبت من دون شهادة الصديق. واليوم تطالب الجريدة باسترداد ثلاثة ملايين جنيه ويرفض ارتشر. والقائمة طويلة، وارتشر اشترى مرة أسهماً في شركة تلفزيون كانت زوجته عضواً في مجلس ادارتها، ولم يثبت عليه انه حصل على معلومات من الداخل في الصفقة التي نفذها نيابة عنه صديق كردي اسمه بروسك صائب. ماذا أزيد عن ارتشر؟ سبب طلبه من صديق له ان يكذب باسمه هو انه كان يتناول العشاء مع مساعدته الخاصة ادريانا كولكوهون وهذه نشرت الصحف صوراً عدة لها في الأيام الأخيرة، وتحدثت عن رقم خاص لسيارتها انتقل اليها من ارتشر. واكتشفت، ويا للهول، ان ادريانا جارتي في لندن، وأمس رأيت مصورين صحافيين يقفون لها بالمرصاد، وعرضت عليهم صورتي بدلاً منها، فلم يهتموا بالرد عليّ. أما السيد الفايد، فلعل أكبر خطأ وقع فيه هو اعتقاده ان الأصل الرفيع يفيده، في حين ان الواقع هو ان الناس في الغرب يحبون قصص النجاح، وما يسمونه "من الاسمال الى الأموال". والسيد الفايد لم يبدأ بأسمال بالية، وكان يكفيه ان يعترف بأصله أو لا ينكره ليجد قبولاً أكثر مما لو كان حفيد باشا ذي عقار وأطيان. وفي النهاية، فعندما يكون المعروض محاكمة الفايد وفضائح ارتشر لا حاجة للذهاب الى السينما أو المسرح