منذ الصيف الفائت أعلن الفنان حسين فهمي ان الدورة الجديدة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهي دورته الثالثة والعشرون، ستعقد تحت شعار "الضحك". وبالتحديد فن الكوميديا، ذلك الفن الذي أسعد مئات الملايين من البشر، وكان له - سينمائياً - أبطاله ورواده وشهداؤه ونجومه. ومنذ ذلك الحين كشف النجم المعروف، ورئيس المهرجان للدورة الثانية على التوالي، عن ملصق المهرجان الرائع الذي حققه الفنان مصطفى حسين. وبالفعل، حين بدأ حسين فهمي منذ أسابيع بالاعلان تدريجياً عن فعاليات الدورة التي تفتتح نشاطاتها مساء الثلثاء المقبل، عبر حفلة افتتاحية صاخبة، عاد من جديد إلى التأكيد على توجه الدورة، وأكد ما كان سبق اعلانه، وهو ان أبرز الفنانين الذين تكرمهم الدورة، هم نجوم الضحك الكبار وآخر عنقودهم فؤاد المهندس وعادل إمام، إضافة إلى كاتب السيناريو فاروق صبري والمخرج محمد عبدالعزيز اللذين حققا تواصل الإرث الذي تركه، في هذا المجال تحديداً، فنانون من أبرزهم حلمي رفلة ونيازي مصطفى ونجيب الريحاني وعبدالغني قمر وبديع خيري وأبو السعود الابياري. في هذا الإطار ليس غريباً أن تحمل الدورة الجديدة اسم نجيب الريحاني. ولكن، لأنه ليس بالكوميديا وحدها تحيا السينما، يطاول التكريم أيضاً الفنان الكبير عمر الشريف، الذي يعتبر آخر الباقين من جيل العمالقة، وليس في السينما المصرية وحدها، بل في السينما العالمية أيضاً. إذ من المعروف ان عمر الشريف ظل ومنذ "لورانس العرب" الفنان العربي الأكبر شهرة في العالم كله، ولا يزال حتى الآن يعتبر رمزاً لقدرة الفن - والفنان - العربي على الوصول إلى العالمية، حين تتاح له الفرصة الحقيقية لذلك. وفي الدورة أيضاً تكريم للمخرج الاسباني مونتسكو ارامانداريز، يتمثل في عرض أربعة من أفلامه هي "تادزيو" و"24 ساعة" و"قصة كرونين" و"خطابات آلو". غير ان مهرجان القاهرة ليس تكريمات وحسب، بل هو مرقب لرصد تطورات السينما العالمية، عبر عرض أفلام متنوعة ومعاصرة، منها ما ينضوي ضمن تظاهرة المسابقة الرسمية، ومنها ما يعرض على هامشها. ولقد أعلن حسين فهمي في مؤتمر صحافي عقده بداية هذا الأسبوع، ان المسابقة تضم 16 فيلماً تتنافس على الجوائز الكبرى. وأبدى أسفه لعدم وجود انتاجات عربية تجعل الحضور العربي في هذه التظاهرة الأساسية موازياً لما كانت عليه أمنياتنا، إذ لن تشارك في المسابقة سوى دولتين عربيتين، هما مصر، التي يمثلها فيلمان: "أرض الخوف" لداود عبدالسيد و"سوق المتعة" لمحمود عبدالعزيز. وكانت "الحياة" تحدثت عن الفيلمين في ملحقها وساهمت في الدعوة إلى اشراكهما في المسابقة الرسمية. أما الدولة العربية الثانية فهي الجزائر، يمثلها جزئياً، فيلم ينتمي إلى الانتاج المشترك بين الجزائر وفييتنام هو "زهرة اللوتس" من اخراج عمار العسكري ونشان داك. أما الأفلام الأخرى المشاركة في المسابقة فهي: "حكايات من براغ" لأربعة مخرجين تشيكيين، و"مأساة جديرة بالاحترام" للفنلندي كيسا راسبتمو، و"محنة كبيرة" لبرنار استوار و"البشرة الجميلة" لالين ديلوز فرنسا، و"الفتاة التائهة" لرسول صدرا ميلي ايران، و"مرتفعات الغروب" لكوليم فيلا ايرلندا و"شتاء 89" لدانييل دانييل هولندا، و"قصة آه" لجويل لامانجان الفيليبين، و"الحب لدى جيل الانترنت" لجين تشين الصين، و"الرقصة المثيرة" لرؤوف كوباييف روسيا، و"غرام وغضب" لكاتل بلاك انكلترا، و"الحمقى" لتيد غرويا و"شيء محبب" من اخراج مايكل دايفيد الولاياتالمتحدة. أما لجنة التحكيم التي ستتولى الاختيار بين هذه الأفلام، فيرأسها الفرنسي ايف بواسيه، وفي عضويتها مخرجون ونقاد ومنتجون وكتّاب من بولندا والهند وبريطانيا والبرازيلوفرنساوالولاياتالمتحدة، إضافة إلى المخرجة المصرية ايناس الدغيدي، وكاتب السيناريو مواطنها محمود أبو زيد، والناقد والمخرج التونسي فريد بوغدير. حفلة الافتتاح التي تقام في الصالة الرئيسية في مبنى الاوبرا، ستشهد شتى أنواع التكريم الذي يطاول الفنانين العرب والأجانب، لكنها ستشهد خصوصاً عرض فيلم الافتتاح وهو فيلم "حلّل هذا" عرض في بعض البلدان الأوروبية بعنوان "مافيا بلوز"، وهو من اخراج هارولد راميس، وفيه يلعب روبرت دي نيرو، دور زعيم من زعماء المافيا النيويوركية. ولهذا الزعيم سطوة منذ شبابه، أي منذ انتهى من إعداده أبوه الروحي مانيتا، بعد أن قتل أبوه الحقيقي رمياً بالرصاص. وكان دي نيرو، في الوقت نفسه الذي يتعين فيه ان يتسلم مسؤولياته يصاب بحالة نفسية في التنفس تتطلب منه ان يزور محللاً نفسياً. والفيلم الطريف تدور أحداثه على ايقاع تلك الزيارة وما يتبعها. وعلى الرغم مما قد يوحي به "حلل هذا" من أنه فيلم اجرامي، من المعروف ان الفيلم كوميدي، وهو بهذا يبدو متلائماً مع المناخ العام للمهرجان، ومتلائماً خاصة مع واحدة من التظاهرات التي من المحتمل أن تكون الأكثر نجاحاً بين تظاهرات هذا العام، وهي - بالتحديد - التظاهرة الخاصة بالأفلام الكوميدية والتي يعرض ضمن إطارها 23 فيلماً من 11 دولة، من بينها اربعة من ابرز الأفلام الكوميدية في تاريخ السينما المصرية: "الزوجة رقم 13" و"سي عمر" و"احبك يا حسن"، ولا سيما "الافوكاتو" من تمثيل عادل امام وسيناريو واخراج رأفت الميهي الذي حقق عبر هذا الفيلم، نقلة أساسية، يومها، في مسار فن عادل إمام، اي تلك النقلة التي جعلت هذا الاخير يعتبر الوريث الشرعي لكبار كوميديي السينما المصرية. ومن بين التظاهرات الملفتة للنظر، الاطلالة التي يطلها مهرجان القاهرة، على مهرجان آخر للسينما العربية، لم يتوقف التعاون بينه وبين مهرجان القاهرة، منذ تأسيسه، وهو "مهرجان السينما العربية" الذي يقيمه معهد العالم العربي في باريس مرة كل عامين، ويعتبر نافذة حقيقية للسينما العربية على أوروبا. فلقد اختار المهرجان القاهري ان يقدم عرضاً خاصاً للأفلام العربية الأربعة التي فازت بالجوائز الاولى في دورات المهرجان الباريسي السابقة وهي على التوالي: "شاطئ الاطفال الضائعين" للمغربي جلالي فرحاتي و"باب الواد سيتي" للجزائري مرزاق علواش و"ليلة ساخنة" للمصري الراحل عاطف الطيب، واخيرا "بيروت الغربية" للبناني زياد دويري. ومن لبنان أيضاً، يعرض مهرجان القاهرة، ولكن في تظاهراته الموازية فيلم "البيت الزهر" راجع الملحق قبل الماضي ل"الحياة"، كما يعرض فيلم "متحضرات" لرندة الشهال صباغ، وهو الفيلم الذي لا يزال يثير الكثير من الاشكالات التي تحول دون عرضه تجارياً في بيروت، حيث تطالب الرقابة التابعة لأجهزة الأمن العام اللبنانية بحذف نصف زمن الفيلم لأسباب اخلاقية وأمنية، علماً بأن "متحضرات" سبق ان عرض بكامله - كما سيكون الحال في القاهرة - في مهرجان سينمائي في بيروت. وكان قبل ذلك عرض في مهرجان "البندقية" في ايطاليا حيث نال جائزة "اليونسكو" الخاصة مناصفة مع فيلم "المقدس" للإسرائيلي عاموس غيتاي. ويومها رفضت رندة الشهال تسلم جائزتها معتذرة بأنها، في مثل هذه الأمور لا يمكنها ان تخرج عن سياسة بلدها - لبنان - المناهضة لكل تطبيع مع اسرائيل. ومن المؤكد ان عرض "متحضرات" القاهري سيكون مناسبة لإثارة النقاش من جديد حول حدود حرية الفنان التعبيرية، وحول حدود تدخل الرقابة. في انتظار ذلك نتابع عرض بعض ابرز تظاهرات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لنشير الى ان ثمة بين هذه التظاهرات اثنتين من المؤكد انهما ستلفتان الأنظار، اولهما مكرسة للسينما البرازيلية في التسعينات. علماً بأن البرازيل كانت عرفت انطلاقة سينمائية ضخمة في الستينات والسبعينات أسست لفورة سينما اميركا اللاتينية، قبل ان تخبو تلك الانطلاقة وتغيب البرازيل عن ميدان السينما العالمي. هذا الغياب توقف، نسبياً، العام الفائت حتى عرض فيلم "المحطة المركزية" الذي اثار اعجاب المتفرجين في العالم كله، وذكر بأن السينما البرازيلية غابت لكنها لم تمت. والحال ان هذه التظاهرة القاهرية تأتي الآن للتأكيد على هذا الامر، حيث تعرض ستة افلام حققت في الاعوام الاخيرة، ونال بعضها سمعة عالمية كبيرة، وهذه الافلام هي "اورفيوس" لكارلوس دييغوس، و"قصص اخرى" لبيدرو بيال، و"طريقان" لكارلوس ريتشنباك، و"لقاء الشياطين" لسيسيليو نيتو و"مخرج الأمازون" لأوربليو ميكيليس، و"المغامرة" لبينتو ومينليس. ولئن كان مهرجان القاهرة يعيد الى الأذهان السينما البرازيلية مذكراً بأمجادها، فان ثمة سينما اخرى ينفض عنها الغبار، وهي السينما التي تحمل ذلك الشعار الشهير، شعار "موسفيلم" الذي كان يمثل الكثير بالنسبة لملايين المتفرجين من محبي السينما السوفياتية ذات يوم. نفض الغبار هذا يأتي عبر تظاهرة تكرم "موسفيلم" لمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس هذه الاستوديوهات "السوفياتية" الأشهر. ويأتي التكريم على شكل عروض لبعض ما انتجه ما تبقى من "موسفيلم" خلال السنوات الاخيرة، وهي: "زمن الرقص" لفاديم عبدالرشيدوف و"يوم اكتمال القمر" لكارين شاخنازاروف و"زهور من الفائزين" لألكسندر سورين و"طقم الشاي الصيني" لفيتالي موسكالنكو، و"عسكر وحرامية" لنيكولاي دوستال… وماذا بعد؟ ببساطة، عشرات الافلام الاخرى، ونجوم من كافة انحاء العالم، من بينهم على الأرجح كاترين دينوف وآلان ديلون وروبرت دي نيرو، وآخرون اقل شهرة. ونجوم وسينمائيون من مصر نرجو ان يكون حضورهم في هذا العام، اهم من حضورهم في العام الفائت.