يبدو أن مهرجان الجونة اختار توقيته بعناية بالغة، فيأتي انعقاده في الفترة بين 22- 29 أيلول (سبتمبر) ليدشن موسم المهرجانات العربية، بل تسبق توقيته تظاهرات عربية ومصرية مرموقة ومنها مهرجان الإسكندرية السينمائي الذي كان يدشن موسم المهرجانات المصرية في تشرين الأول (أكتوبر)، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي في تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي يبذل القائمون عليه جهوداً كبيرة من أجل إنجاحه في ظل عثرات مالية وضعف في التمويل، وعربياً هناك أيام قرطاج السينمائية في تونس والذي يقام في مطلع تشرين الثاني، ومهرجان دبي السينمائي الذي ينعقد في كانون الأول (ديسمبر)، فيما يأتي «الجونة» بعد انعقاد عدد من المهرجانات العالمية بينها فينيسيا وتورنتو. فالمهرجان انطلق يوم الجمعة الماضي في منتجع الجونة القابع بين ضفاف مدينة الغردقة الواقعة على ساحل البحر الأحمر (جنوب شرق القاهرة)، بمشاركة 34 دولة، وتضمن برنامج المهرجان في دورته الأولى، 3 مسابقات وهي: الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام الوثائقية الطويلة، والأفلام القصيرة، إلى جانب عدد من الفاعليات والأنشطة، تحت شعار «سينما من أجل الإنسانية». وشهدت التظاهرة حضوراً لافتاً لنجوم ونقاد وسينمائيين عرب وأجانب، بينهم الممثلان الأميركيان ديلان مكديرموت، ومايكل مادسون، والنجمة الفرنسية إيمانيول بيغ، فيما لفت النجوم المصريون الأنظار بحضور كثيف، لا سيما أنهم عادة ما يغيبون عن افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ما يفقده الكثير من زخمه. تكريمات منذ البداية وجاءت درة انطلاق المهرجان بتكريم الزعيم عادل إمام، متوجاً بجائزة «الإنجاز الإبداعي» من قبل مؤسس مهرجان الجونة السينمائي نجيب ساويرس، والنجمة يسرا. وسبق التكريم عرض فيديو خاص ضم بعض اللقطات لأهم أعماله، وظهر خلاله نجوم المصريين الذين قدموا فيه التحية والتقدير للنجم الكبير واحتفوا به في هذه المناسبة ومنهم أحمد حلمي، ومنى زكي، وأحمد فهمي، ومنة شلبي، ورجاء الجداوي، وإسعاد يونس وآخرون. كما شهد حفل الافتتاح أيضاً تكريماً لافتاً للناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس، إذ توج بجائزة «الإنجاز الإبداعي» «عرفاناً وتقديراً لإسهاماته المهمة في مجالي السينما والثقافة في الشرق الأوسط نتيجة لتأثيره الكبير على المستويين الإقليمي والدولي»، وقامت الفنانة التونسية، وعضو اللجنة الإستشارية للمهرجان هند صبري بتقديم الجائزة للناقد الكبير. واختتم الحفل الافتتاحي بعرض الفيلم المصري «شيخ جاكسون»، إخراج عمرو سلامة، وبطولة أحمد فاروق الفيشاوي الذي أثار الكثير من الجدل خلال حفل الافتتاح، إذ تفوه بلفظ غير لائق، ما أثار غضب الحضور، إلا أن الفنان الشاب سرعان ما قدم اعتذاره. يذكر أن العرض الأول لفيلم «شيخ جاكسون» حدث خلال فاعليات مهرجان تورونتو السينمائي الدولي (راجع مكاناً آخر على هذه الصفحة). وألقى مدير مهرجان الجونة السينمائي إنتشال التميمي كلمة خلال الحفل أيضا قال فيها: «إن مهرجان الجونة السينمائي يولي إهتماما خاصا لتزويد صناع الأفلام والمواهب الشابة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالأدوات اللازمة وفرص التواصل مع محترفي الصناعة من خلال منصة (CineGouna) المميزة، ونأخذ ورش عمل وندوات المنصة بمنتهى الجدية لكونها دورنا الرئيسي الذي نقدمه عبر تلك المبادرة». وخلال الحفل ألقى المؤسس المشارك في مهرجان الجونة السينمائي سميح ساويرس،، كلمة قال فيها: «نحن سعيدون للغاية بوجودكم معنا اليوم لتدشين الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي. آملاً بأن يرسل المهرجان رسالة للفنانين على المستويين الإقليمي والدولي تؤكد أن مهرجان الجونة السينمائي سيحتفي بالسينما والمواهب الحقيقية على مستوى العالم». فيما صرح مؤسس المهرجان رجل الأعمال نجيب ساويرس، خلال كلمته: «أود أن أتوجه بالشكر إلى المجلس التنفيذي للمهرجان للجهود الحثيثة التي بذلوها لتحقيق هذه النتيجة، وجعل هذه الليلة رائعة، مؤكداً أن السبب الرئيسي وراء تأسيسي هذا المهرجان هو عشقه للسينما، متطلعاً لنجاح النسخة الأولى للمهرجان ومتحمساً لإقامة المهرجان سنوياً». كما علقت الفنانة المصرية، والمؤسس المشارك في مهرجان الجونة السينمائي بشرى قائلة «أود أن أتوجه بالشكر للسادة ضيوف المهرجان وأخص بالذكر صناع الأفلام والنجوم العالميين الذين جاؤوا من الولاياتالمتحدة وأوروبا لمشاركتنا حفل افتتاح الدورة الأولى للمهرجان. لقد عملنا بجد حتى نتمكن من أن نرقى لمستوى التوقعات لهذا المهرجان، والذي ولد ليتنافس ويكمل المهرجانات الدولية الأخرى منذ اليوم الأول. ونتطلع للترحيب بالمزيد من المواهب الشابة محليا ودوليا خلال السنوات القادمة للمهرجان، ما سيتيح لنا الاستمرار في الاحتفاء بفن السينما». وأشاد الممثل الأميركي مايكل مادسون في كلمته بالأمان الذي يتمتع به المكان، قائلاً: «أخبرني كثيرون أن المجيء إلى هنا ليس آمناً، ولكنني وجدت تلك الإنطباعات خاطئة بمجرد وصولي إلى الجونة. إن الأفلام تعد طريقة مميزة لتحقيق الخلود، وتمثل رسالة دعوة لتحقيق التفاهم المشترك بين الشعوب، وهو ما يعكسه شعار المهرجان، السينما من أجل الإنسانية». «تاريخ» السينمائي في أغنية وخلال حفل الإفتتاح قدم الفريق الغنائي المصري «فابريكا» وصلة غنائية مميزة أعادت إحياء عدد من أهم الأفلام الغنائية المصرية والعالمية. وتضم قائمة أفلام مهرجان الجونة السينمائي فيلم «فيليسيتيه»، الحاصل على جائزة الدب الفضي لمهرجان برلين 2017 ليعرض لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما شهد المهرجان العرض العالمي الأول لفيلمين مهمين، هما فيلم «سفرة»، وهو فيلم وثائقي يحكي حياة اللاجئة مريم شعار، التي قضت كل حياتها في مخيم برج البراجنة في لبنان. وكذلك فيلم «قضية رقم 23» للمخرج اللبناني زياد الدويري والذي فاز بجائزة أفضل ممثل بمهرجان البندقية السينمائي. والفيلم يطرح قضية الانقسام السياسي والطائفي في دولة لبنان، والتي رشحته رسمياً لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي. ويعد «الجونة» أول مهرجان «خاص» وليس رسمياً يقام للسينما في مصر، ما يطرح تخوفات وتساؤلات بعضهم حول إمكان أن يسحب البساط من تحت أقدام المهرجانات المصرية، لا سيما القاهرة السينمائي الدولي، فالجونة استقطب عدداً كبيراً من الأعمال السينمائية التي عرضت في مهرجانات دولية ومنها التي توجت بجوائز كبرى، ما أدى إلى حرمان تظاهرات كبرى من ضمها لمسابقاتها الرسمية. وأجاب عن التساؤل مدير المهرجان الناقد العراقي انتشال التميمي ل «الحياة» بقوله إن «أي مهرجان جديد يستهدف استكمال الجهود السابقة وأن يكون عتبة جديدة للفاعليات السينمائية، ولا أحد قادر على أن يسحب البساط من آخر، وهنا أتحدث عن مهرجان كبير ومهم مثل «القاهرة السينمائي» ومهرجانات أخرى لها تاريخ ومنها «الإسكندرية»، أو مهرجانات قدمت مساهمة سينمائية فعلية وبينها «الأقصر» و «شرم الشيخ»، فتلك التظاهرات هي التي تنتزع دورها عبر تحسين أدائها. «وشدد التميمي على أن «الجونة» يمكن أن يشكل تحدياً، قارعاً جرس التنبيه، ما يساعد تلك التظاهرات عبر بث روح التنافسية. وأفاد مدير مهرجان الجونة «هدفنا المنافسة والتكامل، والمنافسة ليست عيبا لكن ينبغي ألا تكون مريضة، ووجهنا الدعوة لعدد من فريق مهرجان القاهرة السينمائي إلى حضور «الجونة»، وبمجرد أن ننتهي من فاعلياته، سأضع طاقتي وفريق عمل «مهرجان الجونة» لمساعدة طاقم عمل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كي يخرج في أفضل صورة، فرئيسة «القاهرة السينمائي» ماجدة واصف، صديقة قديمة منذ بداية عملي في المجال السينمائي، كما عملت مع الأستاذ يوسف شريف رزق الله لسنوات عدة عبر صندوق «سند»، ومهرجان «أبو ظبي»، وطوال السنوات الماضية كنت أحد الاستشاريين غير الرسميين لمهرجان القاهرة الدولي». واختتم التميمي قائلاً ل «الحياة»: «نتواصل ونتفاعل مع إدارة القاهرة السينمائي، وأرى أنه ينبغي أن يكون ثمة دعم مادي ومعنوي أكبر لمهرجان القاهرة والنهوض به بفعل أهميته ليس على المستوى العربي فقط بل دولياً أيضاً. وتجمعنا روح «التكامل» التي ستعزز من شأن المهرجان»، لافتاً إلى أن العامين الماضيين كان هناك أكثر من خمسين فيلماً عالمياً مهماً لم تحل إلى مهرجان عربي لذا فهو يعتقد أن وجود مهرجان جديد يساعد على توفير نافذة إضافية للسينما الدولية والعربية». متمنياً أن يحظى برنامج المهرجان برضاء الجميع سواء النقاد العرب أو الدوليين، وأن يكون قد لبى طموحات وترقب الجمهور العريض. وتُختتم فاعليات مهرجان «الجونة» مساء اليوم الجمعة، حيث يشهد الحفل الختامي تكريم الفنان الأميركي فوريست ويتيكر الذي يتسلم جائزة الإنجاز الإبداعي اعترافاً بمكانته الكبيرة في عالم التمثيل ولدوره الفاعل في المجال الإنساني. وسوف تعلن مساء اليوم أيضاً نتائج اختيارات لجان التحكيم للأفلام الفائزة بالجوائز المتعددة التي يمنحها المهرجانات. كما يعرض في ختام الحفل الختامي، فيلم «تدفق بشري» للفنان الصيني المعارض «اي واي واي» عن أزمات اللاجئين في بلدان كثيرة حول العالم.