ذكر تقرير اقتصادي أعده "البنك البريطاني للشرق الاوسط" ان دول شرق آسيا ستبقى على رغم الازمة المالية التي شهدتها اكبر شريك تجاري لعدد من الدول العربية في الشرق الاوسط. وبين ان حجم التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى لبنان وسورية والاردن ارتفع عام 1997 بنسبة تسعة في المئة الى 92 بليون دولار مقارنة بنحو 52 بليون دولار مع اوروبا الغربية و27 بليون دولار مع اميركا الشمالية. ولاحظ المصرف وجود مبررات معقولة للاعتقاد بان الازمة المالية الآسيوية لم يكن لها تأثير كبير على العلاقات التجارية بين الشرق الاوسط وشرق آسيا. وذكر "ان الاقتصادات الاكبر حجماً وقوة في آسيا مثل اليابانوالصين، وصلت الى درجة من الاستقرار تجعل طلبها على النفط والغاز الطبيعي من الشرق الاوسط شيئاً ثابتاً". واشار "ربما يرتد تأثير الازمة على العملات الآسيوية بصورة ايجابية لصالح القطاعات الصناعية الآسيوية حيث يستفيد التجار في المراكز التجارية الكبرى في الخليج من هبوط تكلفة الواردات وما يستتبع ذلك من ظهور فرص جديدة لنشاط اعادة التصدير". وجاء في تقرير المصرف الذي اوردته نشرته الدورية التي يصدرها في دبي "منذ ان بدأت الدول العربية في منطقة الشرق الاوسط الدخول في عمليات التصنيع في حقبتي الستينات والسبعينات من هذا القرن، اصبح ارتباط المنطقة بالمناطق الصناعية الاخرى من العالم في تزايد مستمر من خلال الروابط التجارية والاستشارية وروابط العمل والسفر". ورأى المصرف ان تطور الصناعات الهيدروكربونية على وجه الخصوص ادى الى ايجاد علاقة اقتصادية قوية مع اليابان باعتبارها اكبر زبائن النفط الخام والغاز الطبيعي المسيل من المنطقة، في الوقت نفسه ادى تطوير اقتصادات منطقة الشرق الاوسط الى ارتفاع الاحتياجات من المنتجات الاستهلاكية والصناعية المستوردة بانواعها. وكانت اليابان في بداية الامر المورد الطبيعي لتلك المنتجات وسرعان ما استحوذت على اكبر حصة من سوق الشرق الاوسط، ثم انضمت اليها بعد ذلك الدول الصناعية الاخرى من منطقة جنوب شرقي آسيا. وبرزت الصين اخيراً كأحد اكبر الشركاء التجاريين لمنطقة الشرق الاوسط وهو دور اكتسبته بفضل اسعارها المنافسة للمنتجات الصناعية. واشار التقرير الى ان قيمة التجارة في منطقة الشرق الاوسط ومنطقة شرق آسيا ارتفعت بصورة كبيرة على مدى الاعوام العشرة الخيرة، وارتفعت صادرات منطقة الشرق الاوسط الى شرق آسيا في الفترة بين عامي 1990 و1997 من 35 بليون دولار الى 66 بليون دولار. كما ارتفعت الواردات في الوقت نفسه من 14 بليون دولار الى 26 بليون دولار، وترجع النسبة الكبرى من هذا النمو الى تطور العلاقات التجارية مع الصين والدول الصناعية من منطقة جنوب شرقي آسيا مثل ماليزيا واندونيسيا. الروابط الآسيوية ونتيجة لهذه التطورات اصبحت منطقة شرق آسيا التي تعرف بصورة عامة بأنها المنطقة الممتدة من اليابان مروراً بالصينوجنوب شرقي آسيا الى استراليا الآن هي المنطقة الاكثر اهمية من الناحية الاقتصادية بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط، ففي عام 1997 قامت منطقة شرق آسيا باستيراد 49 في المئة من مجمل صادرات منطقة الشرق الوسط وصدرت 27 في المئة من مجمل واردات منطقة الشرق الاوسط، وبلغت قيمة اجمالي النشاط التجاري بين المنطقتين 92 بليون دولار تتكون من صادرات بمبلغ 66 بليون دولار وواردات بمبلغ 26 بليون دولار مقارنة بمبلغ 52 بليون دولار مع اوروبا الغربية و27 بليون دولار مع اميركا الشمالية. وتُعتبر منطقة شرق آسيا بالنسبة لبعض الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي الاكثر اهمية للتبادل التجاري بشكل عام. ففي دولة الامارات العربية المتحدة على سبيل المثال، بلغت نسبة الصادرات الى منطقة شرق آسيا 57 في المئة من مجمل صادرات الدولة وبلغت نسبة الواردات 38 في المئة من مجمل وارداتها، من حيث القيمة عام 1997. وتعد اقتصادات شرق آسيا، خصوصاً اليابان من الاسواق البالغة الاهمية بالنسبة لصناعة النفط والغاز في الشرق الاوسط. ففي عام 1997 صدر الشرق الاوسط نفطاً بمعدل 18.2 مليون برميل من النفط الخام يومياً منها 10.9 مليون برميل 60 في المئة من الاجمالي اتجهت الى آسيا واستراليا ومنطقة الباسفيك، بما في ذلك 4.4 مليون برميل لليابان. وفي العام نفسه قامت الدول العربية بمنطقة الشرق الاوسط الامارات العربية المتحدة وقطر بصفة اساسية بتصدير ما مجمله 10.4 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المسيل منها 8.9 مليون متر مكعب 86 في المئة من الاجمالي لليابان. من ناحية اخرى تتمتع دول شرق آسيا بتواجد استثماري ملحوظ في منطقة الشرق الاوسط، ويوجد في المملكة العربية السعودية للشركة السعودية للصناعات الاساسية علاقات شراكة تضامنية مع شركاء من اليابان وكوريا وتايوان في مجال المنتجات البتروكيماوية. ولدى الامارات العربية المتحدة علاقات استثمارية مشتركة بين شركة "بترول ابو ظبي الوطنية" وشركات يابانية في انتاج النفط من المناطق البحرية اوفشور. وفي المنطقة الحرة لجبل علي في دبي 133 شركة استثمارية من شرق آسيا واستراليا. ازمة منطقة شرق آسيا ونظراً لاهمية العلاقة الاقتصادية بين منطقة الشرق الاوسط ومنطقة شرق آسيا، كانت الصعوبات المالية التي بدأت تواجهها الشركات والمصارف الآسيوية الكبرى منتصف عام 1997 مصدراً لقلق كبير ساد المنطقة، وبدأت الازمة في تايلاند واندونيسيا وكوريا ثم امتدت بسرعة الى ماليزيا والفيليبين، وبمجرد ان بدأ المستثمرون يفقدون ثقتهم في المنطقة انهارت اسعار الصرف واسواق الاسهم في اليابان التي كانت اكثر تأثراً بالازمة، وهبطت مؤشرات العملات المحلية واسواق الاسهم بنسب راوحت بين 20 و75 في المئة خلال النصف الثاني من 1997. ومن الواضح انه على رغم ان الازمة بدأت بفقدان الثقة، الا ان تأثيراتها امتدت لتشمل العالم الفعلي للانتاج والاستهلاك والعمل. ويعتقد عدد كبير من المحللين الاقتصاديين ان اقتصادات تايلاند وكوريا واندونيسيا لا تعاني من الركود الحاد، وانه عندما تظهر ارقام 1998 سيراوح معدل الانكماش الاقتصادي فيها بين 2 و6 في المئة سلباً. وفي نيسان ابريل عام 1998 عدل صندوق النقد الدولي توقعاته عن النمو الاقتصادي الدولي وخفضها بنسبة تزيد على واحد في المئة، وارجع التعديل في اغلبه الى الركود او بطء النمو في آسيا. ومن المحتمل ان تبرز نتيجتان بالنسبة للتجارة بين الشرق الاوسط وشرق آسيا. اولاهما ان يؤدي بطء النمو الاقتصادي في آسيا الى قلّة الطلب على صادرات الشرق الاوسط، خصوصاً النفط الخام الذي يرتبط الطلب عليه بمعدل النشاط الاقتصادي وان تترتب عن ضعف العملات الآسيوية زيادة منافسة المنتجات الآسيوية وبالتالي زيادة الطلب عليها في الشرق الاوسط. هل انتهت الازمة؟ على الصعيدين الدولي والاقليمي يبدو ان آخر البيانات المتوافرة من صندوق النقد الدولي تؤكد النتيجتين المشار اليهما اعلاه، فقد هبط الطلب بالفعل على صادرات الشرق الاوسط من منطقة شرق آسيا في الربع الثاني من عام 1997، وربما كانت المصارف الآسيوية تراجعت بالفعل عن تمويل بعض النشاطات التجارية قبل ان تتصدر الازمة العناوين الرئيسية للصحف. اما الجانب الايجابي فهو ان الهبوط في الربع الثالث كان رمزياً وفي الربع الرابع من عام 1997 بدأت بالفعل تظهر مؤشرات لاستعادة التوازن. وعلى الجانب الآخر من المعاملة التجارية كان هناك اتجاه جيد لثبات النمو في واردات الشرق الاوسط من شرق آسيا، مع ميل طفيف للهبوط في الربع الاول من 1998. واشار التقرير الى ان دول الشرق الاوسط بالكامل تقريباً خلافاً لما كان يمكن ان نتوقعه من المفهوم العام والتغطية الصحافية للازمة المالية الآسيوية، حققت نمواً ايجابياً في تجارتها مع شرق آسيا في الفترة بين عامي 1996 و1997 وكانت نسبة الزيادة في مجمل النشاط التجاري بين المنطقتين بصفة عامة 7 في المئة من 86 بليون دولار الى 92 بليون دولار. لكن تأثير الازمة على النشاط التجاري لم يكن واحداً في جميع ارجاء منطقة الشرق الاوسط، وبين عامي 1996 و1997 زاد النشاط التجاري بين المملكة العربية السعودية وشرق آسيا بمعدل 8 في المئة، وذلك من خلال النمو القوي في الصادرات السعودية بصفة اساسية، وحققت باقي دول مجلس التعاون الخليجي نسبة نمو في تجارتها مع شرق آسيا قدرها 7 في المئة بينما حققت دول المشرق العربي 2 في المئة فقط. وبالمثل اختلف تأثير الازمة داخل منطقة شرق آسيا من بلد الى آخر. ويبدو ان الاقتصادات الكبرى استطاعت ان تتجنب العاصفة، على الاقل في تجارتها مع منطقة الشرق الاوسط. ففي عام 1997 سجلت اليابان معدل نمو قدره تسعة في المئة في تجارتها مع الشرق الاوسط، بينما سجلت الصين 20 في المئة. ومن الملاحظ ان البلدان التي تقع في قلب الازمة مثل ماليزيا واندونيسيا انهت عام 1997 بزيادة كبيرة في تجارتها مع الشرق الاوسط بينما لم تحقق بلدان اخرى اكثر استقراراً مثل سنغافورة اي نسبة نمو. وربما لا تظهر ارقام عام 1997 والربع الاول من عام 1998 التأثيرات الكاملة للازمة، وستصبح هذه التأثيرات اكثر وضوحاً عندما تظهر الاحصاءات اللاحقة لعام 1998، ولا تزال البيانات التجارية بين المناطق لهذا العام تتكون من جزئيات متناثرة لكن يبدو ان بعض المؤشرات الاقتصادية المتوافرة يؤكد ان التجارة مع منطقة شرق آسيا تواصل استعادة نشاطها، وتعتبر احصاءات الرحلات الجوية على سبيل المثال مؤشراً جيداً للنشاط التجاري في الوقت الحاضر. وخلال الفترة من كانون الثاني يناير حتى ايلول سبتمبر 1998، ارتفع عدد القادمين الى مطار دبي الدولي من شرق آسيا بنسبة 16 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 1997. الفرص والدروس ولا شك ان بعض بلدان شرق آسيا بحاجة الآن الى ضوابط وآليات مالية جديدة لعدم تكرار حدوث مثل هذه الازمة، وقام صندوق النقد والبنك الدوليان والحكومة الاميركية بالفعل بالتحرك في اتجاه تخفيف الآثار الاقتصادية المباشرة للازمة. ومن الدروس المستفادة من هذه التجارة الآسيوية ايضاً تقدير قيمة النشاطات المالية التي تتميز بالتنظيم الجيد والشفافية العالية حيث تعتبر عنصراً ضرورياً من عناصر النمو الاقتصادي الثابت.