ابرز ما يميز انعقاد القمة الافريقية التي تستضيفها بوركينا فاسو بين 8 و10 الشهر الجاري، انها تلتئم في غضون محاولات انعاش الحوار العربي - الافريقي، وتحديداً من خلال معاودة انفتاح الدول العربية الاعضاء في المنظمة على الدول الافريقية، بهدف تجاوز الانتقادات التي كانت تطرح، لجهة اغراق المنظمة القارية في الخلافات العربية - العربية، ذلك ان بلدان الشمال الافريقي المعنية بهذه الانتقادات بدت جاهدة في اعداد الاجواء لمعاودة ترتيب علاقاتها والدول الافريقية وفق منطلقات مغايرة لما كان عليه الوضع ابان تأثير الحرب الباردة، وانقسام هذه البلدان في تمرير سياسات الفترة السابقة. واهتدى الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي الى صيغة جديدة لبناء علاقات الثقة مع العواصم الافريقية، وتحديداً مع جارته تشاد التي كانت له معها حروب ونزاعات تورطت فيها جهات خارجية، فرنسا في الدرجة الاولى، واهتم في غضون ذلك باقامة محور افريقي يجمع تشاد ومالي والنيجر والغابون والجماهيرية، تحت مظلة اسلامية، لكنها تنزع الى محاولة تطويق الحصار المفروض على ليبيا. وحرص كذلك على مد مزيد من الجسور شرقاً في اتجاه القاهرة، وغرباً نحو تونس، ضمن الحفاظ على تفاهم اكبر مع المغرب في اقصى الخريطة العربية شمال القارة الافريقية. الجزائر نفسها راعت ان يكون اختيار رئيس وزرائها احمد اويحيى من بين الشخصيات المهتمة بالملفات الافريقية، كونه يعتبر من مهندسي السياسة الافريقية للجزائر. وعلى رغم ان الامر يتعلق بمحاولة الابقاء على النفوذ المتزايد للديبلوماسية الجزائرية للتغطية على تردي الاوضاع الداخلية، فالثابت ان العمق الافريقي للجزائر ظل ملازماً لأي تحركات في المدار الافريقي. في حين ان المغرب الذي كان انسحب من منظمة الوحدة الافريقية عام 1984 اثر اعترافها بپ"الجمهورية الصحراوية" اولى عناية خاصة لتحسين علاقاته مع الدول الافريقية، بدليل ان حجم زيارات القادة الافارقة للرباط لم يكن في اي وقت في مستوى الزخم الذي عرفه في العامين الاخيرين، الى درجة يمكن الحديث معها عن بلورة محور جديد في القارة الافريقية، يجمع كلاً من المغرب ومصر وجنوب افريقيا، يحظى بدعم وتفهم بلدان الاتحاد الاوروبي، في مواجهة استراتيجية الولاياتالمتحدة في القارة الافريقية التي جسدتها الزيارة الاخيرة التي قام بها الرئيس بيل كلينتون لعواصم افريقية عدة، واعتبرت الاولى من نوعها التي يقوم بها رئيس اميركي الى القارة. بيد ان هذا التلاقي بين تحركات عواصم الشمال الافريقي وبلدان الاتحاد الاوروبي، يجد مداه في ارتباط مصالح الطرفين، ذلك ان فرنسا التي كانت تنظر الى منطقة الشمال الافريقي مركزاً لنفوذها التقليدي، تعرضت سياستها الافريقية لنوع من الاهتزاز والتراجع نتيجة المنافسة الاميركية التي جسدها اقتراح تشكيل قوات افريقية واميركية للتدخل، في حين اقتصر الدور الفرنسي على منظومة القمة الفرنسية الافريقية ذات البعد الفرنكفوني. وتحاول البرتغال احياء حضورها في المستعمرات الافريقية السابقة، عبر حشد التأييد لمبادرات الحل السلمي في انغولا والموزمبيق. ولا تبدو اسبانيا بعيدة عن مشهد التحولات الجارية، وان كانت تركز على منطقة الشمال الافريقي، وتحديداً المغرب والجزائروتونس، كون هذه العواصم ترتبط وبلدان شمال البحر المتوسط بالتزامات ضمن المنظومة الاورو - متوسطية. من هذا المنطلق يبدو ان المجال الطبيعي لمعاودة الدفء الى محور العلاقات العربية - الافريقية، خصوصاً بين بلدان الشمال والجنوب وشرق القارة، يحتم النزوع نحو ترتيب هذه العلاقات وفق توجهات جديدة، واقربها العمل من اجل تفعيل الدور الذي تضطلع به منظمة الوحدة الافريقية، وايلاء الملفات الاقتصادية ابعاداً تكون في مستوى التطلعات. كان الثمن الذي دفعته الدول الافريقية نتيجة نهاية الحرب الباردة فادحا وقاسياً، كونها لم تلائم بين متطلبات اشاعة الديموقراطية والتخلص من الانظمة الديكتاتورية والحفاظ على الاستقرار. يضاف الى ذلك ان التحولات الاقتصادية القت بظلال من القتامة والبؤس على الاقتصادات الافريقية، وزادت الصراعات العرقية والحروب الاهلية، وانتشار آفات الفقر والجوع والمرض في تحويل القارة الى بؤر خطيرة للتوتر. ويرى مراقبون انه صار في الامكان معاودة ترتيب هذه العلاقات على اسس جديدة. فنزاع الصحراء الغربية الذي كان سبباً في انسحاب المغرب من المنظمة القارية، وهدد قبل ذلك بتقسيمها بين اتجاهات عدة، اصبح الآن من اختصاص الاممالمتحدة، سيما وانها المعنية بتنظيم استفتاء تقرير المصير الذي تضطلع فيه المنظمة بدور المراقب، في حين ان النزاعات التي كانت قائمة بين ليبيا واعداد من الدول الافريقية تراجعت الآن في ضوء المساعي الليبية لتأمين محيط اقليمي بلا منازعات، يضمن لها البدء في اختراق الحصار. وفي الامكان توقع قيام القاهرة بدور اكبر في الاحاطة بملفات شرق القارة، وتحديداً الوضع في جنوب السودان، والنزاع القائم بين اثيوبيا واريتريا، يضاف الى ذلك مسؤولية الدول العربية المنتسبة الى المنظمة الافريقية في وقف الاندفاع الافريقي نحو التطبيع مع اسرائيل بحكم مسؤولياتها ازاء تعثر مفاوضات السلام. ويرجح في سياق هذه التطورات ان المؤتمر المقبل لمنظمة الوحدة الافريقية في امكانه ان يعيد رسم السياسات الافريقية، في حال عدم اذعانه للضغوط التي تحاول الابقاء على تقسيم القارة الافريقية، ومسؤولية الدول العربية في هذا النطاق تبدو على قدر اكبر من الاهمية. ويزيد في ذلك ان وضعها في نطاق استيعاب التحولات الجارية في العالم يلتقي مع اوضاع الدول الافريقية التي كانت تنظر في السابق الى الدول العربية مجالاً للدعم والمساندة وتعزيز اواصر التعاون، لكنها تلومها الآن في ضوء انكسار تلك الآمال، وتستند في ذلك الى ان دولاً افريقية تنتسب الى جامعة الدول العربية تعاني من مظاهر انفلات الاستقرار وتزايد الحروب والفقر والجوع. وربما يصبح الرهان على انقاذ منظمة الوحدة الافريقية المدخل الطبيعي لمعاودة التضامن بين المحورين العربي والافريقي.