سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التبادل ينتهي بإطلاق 60 معتقلاً لبنانياً أحدهم طلب البقاء في اسرائيل و4 في"الشريط" . دموع وإغماءات وذهول خلال لقاء المحررين ذويهم "ابلغونا موعد الحرية قبل ثلاثة ايام ... ولم نصدق"
وفي اليوم الثاني لعملية العودة، كان اللبنانيون على موعد مع "الرهائن الاحياء" بعد "الشهداء الرهائن". والطريق عبر بوابة كفرفالوس. في اللوائح المعممة هم ستون أسيراً محرراً بينهم عشرة أمضوا سنوات عدة في سجن عسقلان والباقون في معتقل الخيام. اسماؤهم ليست غريبة عن مسامعنا. فهي كانت تتردد في كل مناسبة كي لا ننسى لكن صورهم التي طبعت على ملصقات وعلى ملابس وألصقت على السيارات الآتية من بيروت بدت كأننا نراها للمرة الاولى، هي صور لفتية بعضهم لم يتجاوز التاسعة عشرة فكيف ستكون اشكالهم اليوم؟. كان الموعد المعلن للعودة، الثانية عشرة ظهراً، لكن جموع الناس استبقته بساعات، امهات وزوجات واطفال وآباء واشقاء افترشوا الارض تحت شجرة هنا واخرى هناك يعدون الدقائق بصمت ويحبسون الدموع الى حين اللقاء، فيما تقبض الاكف على حبات رز واوراق زهر هي كل ما يمكن اهداؤه الآن للعائدين مع خلجات من الشوق لا تحصى. حركة العبور عند بوابة كفرفالوس لم تتوقف لكن السيارات كانت تعبر بصعوبة وسط الحشود التي ملأت الطريق رافعة اعلام الوطن والاحزاب التي ينتمي اليها المعتقلون المحررون، مرددة هتافات وأغاني حماسية. الشخصيات الرسمية والحزبية المعنية بالمعتقلين تسابقت الى المعبر وانتظرت تحت الشمس مستعينة بقبعات "المونديال". كان هناك عدد من نواب كتلة الوفاء للمقاومة وممثلون عن حركة "امل" بينهم قبلان قبلان رئيس مجلس الجنوب الذي كان ينتظر مع عائلته شقيقه عباس المعتقل في الخيام منذ 11 سنة، وممثلون عن الحزب الشيوعي و"الجماعة الاسلامية"، وانضم اليهم لاحقاً نائب صيدا مصطفى سعد. ومع تقدم الوقت كانت الانباء تصل الى المنتظرين عبر الصليب الاحمر الدولي ان قافلة المعتقلين في سجن عسقلان عبرت الحدود اللبنانية في اتجاه معتقل الخيام وان رئيس بعثة الصليب الاحمر الدولي جان جاك فريزار يواكبها والى جانبه السفير الفرنسي في اسرائيل، فيما انتظر المستشار الثاني الملحق الانساني في السفارة الفرنسية لدى لبنان انطوان سيفون عند معبر كفرفالوس الى جانب الحشود التي تعالت حماستها فاخذت تزحف في اتجاه نقطة الجيش اللبناني الاخيرة لكن عناصره كانوا في المرصاد. العقيد جمال الحاج الذي وصل الليل بالنهار وهو يشرف على عملية تبادل الاشلاء بالشهداء والاسرى وصل الى المعبر وتحدث الى ممثلي "امل" و"حزب الله" طالباً منهم اقناع الاهالي بالتراجع والانتظار في مجدليون لأن الاوامر تقضي بان تتابع قافلة العائدين طريقها الى هناك من دون توقف "لاننا لا نريد ان يتكرر ما حصل اول من امس فما حصل كان خطأ في حق هؤلاء العائدين. لكن طلب العقيد الحاج لم يجد آذاناً مصغية. فالامور بقيت على ما هي عليه أو هكذا أريد لها بحجة ان لا احد يستطيع ضبط انفعالات المنتظرين. وقد ترجمت هذه الانفعالات بعد دقائق اذ حصل تلاسن بين شقيق احد الاسرى ومسؤول حزبي كاد ان يتحوّل اشتباكاً بالايدي لولا تدخل الجيش اللبناني وتفريقهما بالحسنى. كانت الساعة تشير الى الاولى والنصف بعد الظهر حين طلب العقيد الحاج من ممثل "امل" وآخر من "حزب الله" مرافقته الى بوابة العبور لاستقبال الاسرى الذين غادروا جزين في طريقهم الى المعبر في حافلتين تابعتين للصليب الاحمر الدولي الى جانب سيارة اسعاف تقل الأسير المحرر حسين مقداد منفذ عملية القدسالمحتلة التي أدت الى بتر اطرافه وفقدانه البصر. ومع اقتراب القافلة من المعبر، علت الهتافات ولم تفلح توسلات عناصر الجيش لهم بالتراجع. وكانت لحظات اللقاء مؤثرة جداً. وجوه مائلة الى البياض وقد أطلقت لحاها، أطلت من النوافذ تفتش عن الاصوات التي تناديها بالاسم نسوة هجمن على الحافلة ورمين باطفالهن الى النوافذ تتلقاها الايدي الهزيلة بكاء وصراخ وقبلات لكل شيء تطاوله: العيون، الوجنات، الاذرع، الاصابع... أي شيء يؤكد ان ما يحصل هو حقيقة لا حلم. القافلة لم تتوقف. لكن حركتها اصبحت بطيئة والمسافة بين عين المير ومجدليون تطلبت اكثر من ساعة ونصف الساعة، فالمستقبلون ملأوا الطرق وسكان المنطقة نزلوا الى الشوارع أو خرجوا الى الشرفات ليستقبلوا العائدين بالزغاريد وحبات الرز والورد والتصفيق، والايدي الممدودة من نوافذ الحافلتين باتت لا تفارق الايدي التي تواكبهما سيراً، وحين وصلت طليعة القافلة الى مجدليون كانت نهايتها في الصالحية.وحدها سيارة الاسعاف التي كانت تقل المقداد ظلت أمينة على سرها فزوجته وابنته ادخلا الى السيارة وأمكن مشاهدة ما تبقى من اطراف المقداد وهي تتلمس وجه الزوجة والطفلة اللتين بكتا في صمت. العائدون كانوا 55 أسيراً، اذ فضّل اربعة اسرى البقاء في الشريط الحدودي ونفّذ الصليب الاحمر الدولي رغبتهم في ايصالهم الى منازلهم وهم: زياد بركات بركات معتقل الخيام وبسام حاصباني وماهر توما ورمزي نهرا كانوا معتقلين في سجن عسقلان في حين فضّل سليم سلامة البقاء في اسرائيل. في الطريق الى مجدليون سلمت الاعلام الى الأسرى، فحملت كل مجموعة منهم علم الحزب الذي تنتمي اليه، فهناك 11 أسيراً من الحزب الشيوعي بينهم 4 في سجن عسقلان و24 اسيراً ل"حزب الله" و11 اسيراً لحركة "امل" واسيران للجماعة الاسلامية. واذا كان تلويح الاسرى باعلام أمنوا بمعتقدات الاحزاب التي تمثلها تعبيراً عن حرية استعادوها، الا ان التباري على تحميل الاسرى الاعلام كانت له اهدافه الاخرى لدى انصار هذا الحزب أو ذاك، فما ان وصلت القافلة الى باحة فيلا رئيس الحكومة رفيق الحريري في مجدليون حتى علت هتافات التحدي فكادت تطيح بالحدث الاهم. فقد هتف انصار حركة "امل" بالروح بالدم نفديك يا نبيه". وكان على انصار "حزب الله" ان يردوا "يا الله ويا الله احفظ لنا نصرالله". وحصل تدافع وصراخ ونسي هؤلاء ان في الحافلتين اسرى يريدون ان يطلقوا، الى ان تمكن الجيش اللبناني من انزالهم حملاً على الاكتاف اذ أصيب بعضهم بحالات اغماء فيما ارتفعت مرة ثانية زغاريد الامهات، اللواتي استضافتهن النائبة بهية الحريري منذ الصباح لاستقبال ابنائهن، وانهمرت حبات الرز وماء الزهر على الجموع من كل حدب وصوب. كانت هناك صعوبة في اختراق الحشود الى قاعة الاستقبال. هنا اصبحت حالات الاغماء مضاعفة. امهات انهرن وشقيقات ينتحبن ورجال غطى الدمع وجوههم، الكلام تحوّل هنا قبلات أينما أتت وجملة واحدة تردد "يا حبيب قلبي" أو "تقبر عيوني". الأسير علي فوعاني المعتقل منذ 13 عاماً لم يستطع تحمّل الانفعال، أغمي عليه واستدعي له طبيب، كذلك أغمي على الاسير حسن عواضة. عادل ترمس قضى في المعتقل 13 سنة، وكان عمره عندما اعتقل 17 عاماً، قال ل"الحياة" انه أمضى 7 سنوات في سجن عسقلان ولم يعرف بعملية اطلاقه الا قبل ثلاثة ايام "اذ أبلغني اليهود انهم سينقلوننا الى سجن آخر ثم سيطلقوننا في اطار عملية تبادل". شريف عطوي اعتقل في العام 1986، كان عمره 18 سنة، واليوم اصبح في الثلاثين، قال "اعتقلني عملاء اسرائيل من بيتي في مركبا بتهمة التعامل مع المقاومة، كنت في زنزانة مع 11 اسيراً غيري خرج منها سبعة والباقون ينتظرون وقد حمّلونا السلام الى الجميع". يحمل في معدته وفي عينيه ألماً قال انه "من التعذيب". احمد اسماعيل اعتقل منذ 10 سنوات كان عمره 18 عاماً قضى مدة اعتقاله في سجن عسقلان واقتصرت تطمينات الاهل عليه عبر الرسائل. كانت لحظة لقائه مع أهله مؤثّرة جداً. وجود المحررين في منزل الرئيس الحريري لم يعنِ لهم شيئاً في تلك اللحظة. فهم لا يعرفون عن احوال البلد منذ اسرهم اذ لا تقل مدة غياب معظمهم عن ست سنوات. بعضهم سمع كلمة الرئيس الحريري تُنشر في مكان آخر وهو يطمئنهم الى اوضاعهم المستقبلية، والبعض الآخر ظلّ منشغلاً بفرحة اللقاء مع الاهل، فيما انهمك الصليب الاحمر في اسعاف البعض الآخر. رئيس بعثة الصليب الاحمر جان جاك فريزار قوّم ل"الحياة" مجمل العملية بقوله انه "سعيد جداً بما تمّ التوصل اليه وهو لم يكن متوقعاً في بداية المفاوضات"، مشيراً الى ان الرئيس الحريري اعطى الأولوية لقدامى الاسرى وقال انه يعلم ان هناك اسرى آخرين هم أقدم ممن أطلقوا الا ان التبرير الاسرائىلي الرسمي "ان ايديهم ملطخة بالدم". وهو يغادر بيروت قريباً منهياً سنة خدمة قضاها في مفاوضات التبادل الى عمل آخر لا علاقة له بالحروب