من لا يعرف "ابو عفاف" من السوريين؟ والذين يتجولون في دمشق يصادفون رجلاً كفيفاً يحمل عصاً وكتاباً بين يديه ويصرخ: "الكتاب من تأليفي وهذه أشعاري". ويدفع الفضول معظم المارة للتوقف ومعرفة القصة الحقيقية للكتاب وحامله الفقير بالبذلة التي يحافظ على رتابتها منذ خروجه من المنزل في "الدويلعة" أحد الاحياء الفقيرة، الى حين مغادرته شارع الحمراء وبوابة الصالحية في كل مساء. وعلى رغم ان شاهين العيد 40 عاماً أمّي لا يعرف القراءة ولا الكتابة فإنه برع في تأليف الزجل المحكي اذ بدأت "نسمات الشعر تهبّ عليّ منذ كان عمري 18 عاماً"، لكن "موهبتي تفجّرت بسبب صدمة عاطفية هائلة أثّرت في حياتي تأثيراً كبيراً، اذ انني احببت فتاة وهجرتني". يقول: كفيف وقاعد بالبيت وقصة حبّو مخفية كفيف وما عندو حيل وين أصحاب الحمية والفتاة التي يرفض ان يذكر اسمها "كي أستر عليها" كانت الحافز لينشر اول كتاب له عنوانه "من وحيك انت" وذلك بمساعدة "اتحاد شبيبة الثورة" السورية التي تبرعت له بنفقات الطباعة. واستمر في "تأليف الشعر" بمساعدة ابنته الوحيدة عفاف "قلمي الذي يحفظ إلهامي من الضياع"، فكتب ثلاثة كتب لم يستطع طبعها جميعاً واكتفى بطبع الكتاب الثاني "منوعات" مستفيداً من المبلغ الذي توافر له من بيع كتابه الاول. غير ان "منوعات" لا يجد طريقه الى الناس بسهولة اذ "أني أفرح كثيراً عندما أبيع نسخة من كتابي، وهذا يحدث قليلاً، فأكثر متذوقي الشعر من الفقراء وهم غير قادرين على الشراء"، مع ان سعر النسخة لا يتجاوز الدولارين. والزبون الذي اشترى نسخة خلال وجودنا مع "ابو عفاف" هو واحد من ثلاثة أو اربعة "زبائن جدد يأتون يومياً". وقبل سنوات قرر الشاعر الضرير ان يترك عمله كحمّال وبائع متجول، ليتفرغ لأشعاره "لأنني يئست من الطريقة التقليدية في بيع الشعراء لشعرهم: تضع الكتاب في المكتبة وتنتظر سنة او سنتين من دون ان تبيع نسخة واحدة منه"، غير ان "ابو عفاف" استدرك: "سعادتي الكبرى هي في وصول اشعاري الى الناس". وعلى رغم فقره يقول: الفقر هدم القصور المتينة ودمّر اساسها مع عمدها مارس عمل بزنود متينة وحثّ النفس على قوة جلدها ولعل أكثر ما يعذّبه هو اعتقاد بعض المارة بأنه متسول فيرمون له بعض النقود "فأصرخ: أنا شاعر كفيف ولست شحاذاً مبصراً". ويظنه البعض الآخر "بائع كتب" فيوضح لهم انه "شاعر فقط"… شاعر لا يحب الشعر الحديث ولا النثر الشعري ويقول: "لا أستطيع سماع هذا النوع من الشعر. احب الشعر الفصيح بالقافية او المحكي وأسمع الزجّالين". ومن أمنياته "تحرير فلسطين"… "لكنني سأموت والحلم يراودني ان أرى حبيبتي ثانية"، علماً ان شاهين فقد نظره وعمره ستة اشهر ولديه امنية اخرى "أن انتقل من المحلية الى العالمية. وأن اي شخص يرسل لي خمسة دولارات أرسل له نسخة من ديواني الشعري".