الجديد الذي طرأ على القضية العربية في العام 1919، كان القرار الذي اتخذه مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس، والذي كان الأمير فيصل واحداً من نجومه حيث أبلى بلاء حسناً في الدفاع عن القضية العربية. فذلك القرار قضى يومها بإرسال لجنة ثلاثية تزور فلسطين وسورية لتطلع على الأحوال هناك، وعلى وجهات نظر السكان، "تمهيداً لتقرير مصير المنطقة". وكان الرئيس الأميركي ويلسون الصورة هو الذي تقدم بالاقتراح فوافق عليه المؤتمر. أول الأمر كان من المفروض أن يأتي الممثلون الثلاثة من دول الغرب الرئيسية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى: الولاياتالمتحدة، فرنسا، وبريطانيا. لكن مخاوف هاتين الأخيرتين من كونهما تساعدان واشنطن بهذه الطريقة على التسلل الى المنطقة، جعلتها تسحبان مندوبيهما، فتألفت اللجنة في نهاية الأمر من مندوبين أميركيين هما هنري س. كينغ وتشارلز كرين. ومن هنا عرفت اللجنة باسم "لجنة كنغ كرين". هذه اللجنة التي ستدخل تاريخ القضية العربية باعتبارها الطرف الذي قدم، في ذلك الحين، أفضل تقرير يدافع عن الحقوق العربية، بدأت أعمالها يوم العاشر من حزيران يونيو 1919 حال وصولها الى المنطقة، وختمت تلك الأعمال في أواسط شهر تموز يوليو من العام نفسه لتقدم تقريرها في 28 آب أغسطس الى مؤتمر السلام والى الرئيس ويلسون. بدأت اللجنة عملها بزيارة الى مدينة يافا ثم القدس فبيت لحم والخليل، وذلك في الأيام الأولى لجولة ستقودها خلال أسابيع الى معظم مدن المنطقة، وهي في كل مدينة وبلدة كانت تلتقي بالفعاليات المحلية، السياسية والاجتماعية، وتحرص على جمع وتسجيل كل المطالب التي كان الفرقاء جميعاً يتقدمون بها، ولقد جمعت اللجنة في نهاية الأمر 1863 عريضة قامت بتصنيفها ودراستها، وانطلاقاً منها وضعت تقريرها الشهير الذي أثلج قلوب العرب بالأمل، لكن الانكليز والفرنسيين عرفوا كيف ينسفونه بسرعة لأنه يتعارض مع مصالحهم. كذلك رفضته وحاربته المنظمات الصهيونية ومؤيدوها لأنه وبكل بساطة رفض السعي الصهيوني لإقامة دولة يهودية في فلسطين لأن ذلك يتعارض كلياً مع تطلعات شعوب المنطقة، ناهيك عن أن اللجنة نددت، بشكل واضح، بالمشروع الصهيوني الذي كان قد قدم لمؤتمر السلم في شباط فبراير السابق وطالب بإقامة دولة يهودية في كامل الأراضي الفلسطينية وفي شرق الأردنولبنان الجنوبي. فما الذي جاء في التقرير بخصوص القضية العربية بصورة عامة؟ طالبت اللجنة بوحدة سورية الطبيعية التي تتألف من فلسطين وسورية ولبنان، مع منح لبنان حكماً ذاتياً ضمن اطار الوحدة السورية. وقالت اللجنة ان سورية لا ترحب بالانتداب وان كانت ترحب بالمساعدات الخارجية. أما إذا كان لا بد من انتداب فلتكن الولاياتالمتحدة الأميركية هي المنتدبة على سورية، بينما تنتدب بريطانيا على العراق. وقالت اللجنة ان العداء للصهيونية ليس وقفاً على الفلسطينيين بل يشمل أهل المنطقة السورية كلهم الذين يرفضون المشروع الصهيوني رفضاً باتاً. أما من يؤيد اقامة دولة صهيونية منهم، فهم فقط اليهود الذين لا تزيد نسبة عددهم عن 10 في المئة من مجموع سكان فلسطين. واليهود هؤلاء، في رأي اللجنة، متفقون على أن تكون بريطانيا الوصية على فلسطين لأنها كفيلة بأن تحقق لهم كل مطالبهم. ولمست اللجنة أن الصهيونيين مجمعون على طرد الفلسطينيين من اراضيهم بعد تجريدهم منها. وفي النهاية أوجزت ما تراه مناسباً بالنسبة الى فلسطين على النحو التالي: 1 - وجوب تحديد الهجرة اليهودية الى فلسطين والعدول نهائياً عن الخطة التي ترمي الى جعلها دولة يهودية. 2 - ضم فلسطين الى دولة سورية المتحدة لتكون قسماً منها شأنها شأن الأقسام الأخرى. 3 - وضع الأماكن المقدسة في فلسطين تحت ادارة لجنة دولية تشرف عليها الدولة المنتدبة وعصبة الأمم، ويمثل اليهود فيها عضو واحد. هذا باختصار ما جاء في التقرير. ولئن كان من الطبيعي أن يحاربه الانكليز والفرنسيون والصهاينة بكل شراسة، فإن الموقف الغريب - حسب الموسوعة الفلسطينية - كان موقف الرئيس الأميركي ويلسون الذي بعد ان كان من المتحمسين لإرسال اللجنة والعمل باقتراحاتها، قابل التقرير بلامبالاة. والواضح أنه تعرض لضغط حلفائه ولضغط الصهاينة، وأيضاً - ودائماً حسب الموسوعة الفلسطينية - لضغط المخابرات الأميركية التي كانت تتدخل لصالح وجهة النظر الصهيونية. وهذا ما جعل ويلسون يغض النظر عن التقرير، بل لا يسمح بنشره الا بعد ثلاث سنوات من وضعه، بعد أن كانت الظروف قد تبدلت وتمكنت الدول الغربية الكبرى من قبر المشروع في مهده.