في الثامن من أيار مايو 1906 افتتح حزب العمال الاشتراكي - الديموقراطي الروسي مؤتمره الرابع، وكان مؤتمراً في غاية الأهمية في ذلك الحين، لأنه كان سيناقش تجربة ثورة العام 1905 ويستخلص منها الدورس. كما أن انعقاده قبل أيام قليلة من افتتاح القيصر لمجلس النواب "الدوما" الأول، كان يلقي عليه مهمات اضافية. فالحال ان ذلك المجلس كان من ثمار ما حدث في العام 1905، بمعنى ان القيصر رضي بتأليف مجلس نيابي، كواحد من المطالب غير المباشرة لثوار 1905، وأمله من ذلك أن يمتص جزءاً من النقمة الشعبية، وأن يسحب البساط من تحت أقدام "الأحزاب المتمردة" - كما كانت الأحزاب الثورية تسمى في أدبيات السلطة في ذلك الحين -، ما يؤدي في رأي القيصر الى شق بعض أهم تلك الأحزاب وفي مقدمها حزب العمال الاشتراكي - الديموقراطي. والحقيقة أن فأل القيصر لم يخب، إذ ان مؤتمر الحزب المنعقد في ذلك الحين كشف عن عمق الهوة التي باتت تفصل بين تياريه "المنشفيك" و"البولشفيك"، لا سيما في ما يتعلق بالموقف من الدوما، وبتقويم الأداء الثوري خلال ثورة 1905. ومن ناحية ثانية، كان المؤتمر المناسبة الأولى التي اظهرت يوسف دجوغاشفيلي كمتمرد على الاستقامة الحزبية، وكمساجل من طراز عنيد، وربما كان المؤتمر أيضاً المناسبة التي رسمت في ذهنه مجموعة الأحقاد التي ستتحول أواخر سنوات العشرين، وبعد تسلمه السلطة كخليفة للينين، الى ممارسات قمعية رهيبة تطاول رفاقه السابقين أكثر من أي فريق آخر. وذلك لأن دجوغاشفيلي، الذي سيحمل اسم ستالين لاحقاً، كان أعلن منذ بداية المؤتمر الرابع للحزب ك "شخص غير مرغوب فيه"، لا سيما من قبل "المنشفيك" الذين استندوا في موقفهم منه الى كونه يغش. كيف؟ بكل بساطة لأن دجوغاشفيلي حين أعلن مشاركته في المؤتمر أعلنها بوصفه مندوب الجناح "البولشفي" في مدينة ومنطقة بورشالو. لكن المنشفيك لاحظوا بسرعة ان الحزب وتياره هذا لا وجود لهما في تلك المنطقة. إذن فإن دجوغاشفيلي لا يمثل أحداً! ومع هذا تمكن الرجل - وكان يومها لا يزال في السادسة والعشرين من عمره، كبير النشاط، شديد الطموح، غامض العلاقات، كما سيصفه تقرير للشرطة السرية - من أن ينضم الى المؤتمرين، وذلك بفضل ارتباطه بلينين. والغريب ان أول لقاء بين لينين وذاك الذي سيحمل لاحقاً اسم "ستالين" لم يتم إلا قبل المؤتمر بشهور قليلة، أي في الأسبوع الأخير من العام السابق، حين تمكن دجوغاشفيلي، بعد هزيمة ثورة العام 1905 من الافلات من قبضة البوليس السري والوصول الى قرية تامرفورس الفنلندية حيث انضم الى لينين في مؤتمر عقده البولشفيك في تلك القرية، وهناك تعرف الى الزعيم اللوحة المرفقة تصور اللقاء الأول بينهما وقرر الا يفارقه ابداً، وهو مدرك ان ملازمة لينين سوف توصله الى أعلى المناصب الحزبية. وبالفعل، كان لينين هو الذي ساند دجوغاشفيلي وارغم المنشفيك وكذلك البولشفيك الذين كان بعضهم لا يخفي حذره منه على قبوله في المؤتمر رغم انكشاف غشه. وهكذا كان ذلك المؤتمر نقطة الانطلاق الحقيقية لدجوغاشفيلي. في البداية طُلب منه أن يغادر القاعة، وكان المؤتمر منعقداً في استوكهولم في السويد، وهذا ما جعل زعماء البولشفيك يرفضون، إذ قالوا: ان طرد الرجل سيكون ظلماً بعد أن تكبد مشاق السفر. وهكذا تقرر ان يحضر ومن دون ان يكون له حق التصويت. ومهما يكن، فقد كان المنشفيك صارمين في رغبتهم بالتخلص من دجوغاشفيلي، لأن المؤتمر في الأصل كان يهدف الى مصالحة فريقي الحزب وتوحيدهما، لكن دجوغاشفيلي كان من البولشفيك المتصلبين، حيث عرف برفضه أي توحيد بين الفريقين. ومن هنا كان حضوره، حتى من دون حق التصويت، يعتبر نكسة للرغبات التوحيدية. وكانت الرغبات هذه مطلوبة بعد هزيمة العام 1905 وبعد ان تشكل حزب جديد هو "الكاديتي" بدأ يستقطب مناضلين كانوا في السابق من مناصري "الحزب الشيوعي" وهذا ما كان يجبر هذا الحزب على اعادة النظر في سياسته، خصوصاً أن لينين كان يرى ان مقاطعة الحزب لمجلس الدوما ستكون وبالاً عليه، حيث أن حزب "الكاديتي" المنافس تمكن من أن يوصل عدداً من ممثليه الى المجلس مما اعطاه قوة اضافية. وهكذا انتهى الأمر بلينين الى أن يصوّت، الى جانب المنشفيك، ضد مقاطعة مجلس الدوما. في الوقت الذي راح فيه دجوغاشفيلي يناضل في الكواليس ضد ذلك، ولا سيما ضد المنشفيك... صحيح ان نظرية دجوغاشفيلي هزمت، لكنه سوف لن ينسى أبداً للمنشفيك موقفهم منه، وكذلك سوف لن ينسى موقف البولشفيك الذين ابدوا تجاهه عداء، وسوف ينتقم من الجميع بعد ذلك بعقدين، ولكن هذه المرة تحت اسم ستالين.