تتجه التحضيرات للإنتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية والضاحية الجنوبية لبيروت الغبيرة وبرج البراجنة الى الدخول في اختبار للقوة بين "حزب الله" من جهة و"حركة أمل" من جهة ثانية والأطراف والقوى التي ستتعاون مع كل منهما، قد يكون الاول بين الطرفين الشيعيين الرئيسيين، ما لم تحصل مفاجأة كالعادة، تؤدي الى تأجيل الاختبار لمصلحة تحالف الامر الواقع على غرار ما حصل في الانتخابات النيابية في دورتي العامين 1992 و1996. والأجواء المشحونة التي سادت التحضيرات للدورتين النيابيتين السابقتين، اخذت تحتل الصدارة من خلال تحرك "أمل" والحزب في اماكن نفوذهما على نحو ينذر بأن كلاً منهما يستعد على اساس ان المنافسة حاصلة لا محال، وأن العائلات ستكون محط اهتمام الطرفين، ومدار تجاذبهما، ما يعني عملياً ان هناك استحالة امام اخلاء الساحة للعائلات، على رغم الدعوة التي اطلقها رئيس المجلس النيابي رئىس "حركة أمل" نبيه بري والتي لم تمنع ماكينته الانتخابية من بدء التحضير في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. وإذا كان الاعتقاد ان الضرورات الاقليمية المترتبة على دقة الوضع في الجنوب في ضوء استمرار تل ابيب في تسويق اقتراح التطبيق المشروط للقرار الدولي الرقم 425 مما يستدعي تحصين الساحة في مواجهة الضغوط الديبلوماسية والأمنية، ستفرض مداخلات من دمشق لحثّهما على التحالف، فان الوساطة السورية هذه المرة لن تحسم المعركة لمصلحتهما. فالائتلاف البلدي يختلف كلياً عن التحالف النيابي، لأن الناخبين الكبار، ولضرورات اقليمية، نجحوا في خوض الاستحقاق النيابي في لائحة واحدة الامر الذي حال دون ان يكون هناك دور للعائلات وبالتالي ادى بالتنظيمين الى السيطرة على الكتلة الناخبة، بينما سيجدان صعوبة في البلديات في ضبط مرشحي العائلات المتنافسة، وإقناعهم بالعزوف عن خوض الانتخابات، خصوصاً ان المرشحين لا يجدون ضرراً في تجربة حظهم من خلال شبك تحالف مع "أمل" او الحزب. وربما كان من الصعب قبل اقفال باب الترشح في محافظة جبل لبنان التكهن بمصير التحالف بين "أمل" والحزب، وإن كانت التحضيرات الميدانية تستبعد احتمالاً من هذا النوع، يؤدي أسوة بالانتخابات النيابية الى اقتسام القسم الاكبر من المجالس البلدية في الجنوب والمجلسين البلديين في الغبيرة وبرج البراجنة، على قاعدة مراعاة الهوى العام للعائلات لئلا تلجأ الى تنظيم انقلاب وإن كان بعيد المنال نظراً الى انها ليست موحدة، ولأنها موزعة الولاء. وفي نظرة اولية الى الخريطة السياسية وتوزع الناخبين وانتماءاتهم في الضاحية الجنوبية، يتمتع الحزب بقوة انتخابية ضاربة في الغبيرة وبرج البراجنة، إذ نال مرشحه في دورة 1996 النيابية النائب السابق علي عمار العدد الاكبر من اصوات المقترعين الشيعة، ويليه من حيث الحضور وزير الاعلام باسم السبع، ومن ثم رياض رعد الذي خاض الانتخابات النيابية في الدورتين السابقتين ولم يحالفه الحظ. اما بالنسبة الى نفوذ "أمل" فيظهر انها لا تتمتع بقوة تنظيمية تتيح لها خوض الانتخابات كطرف منافس للحزب، وإن كان للرئىس بري حضور يساعد على تعويض النقص التنظيمي الذي تعانيه الحركة، بعدما نجح الحزب في السيطرة على معظم الاماكن في الضاحية عقب المعارك الدموية التي دارت بينهما اواخر الثمانينات. والرهان على "حزب العائلات" كقوة حاسمة لخوض الانتخابات في وجه الحزب، قد لا يكون دقيقاً، بعدما نجح الاخير في اختراق العائلات الكبيرة، اضافة الى حضوره الفاعل خصوصاً في بلدة الغبيرة، بين صفوف الناخبين من العائلات المقيمة فيها التي تشكل نحو ستين في المئة من مجموع الذين يحق لهم الاقتراع. وفي معرض الحديث عن الغبيرة، فان سكانها المقيمين يتجاوزون بنسبة مهمة، السكان الاصليين. وكانوا وفدوا اليها من الجنوب والبقاع والقرى الشيعية في قضاء جبيل، اضافة الى اهالي القرى السبع الذين استفاد من لا يحمل منهم الجنسية اللبنانية من مرسوم التجنّس الاخير فحوّلهم رقماً انتخابياً لا يستهان به وهم يصرّون على تمثيلهم في المجلسين البلدين والاختياري. واستبعاد التحالف بين الحزب و"أمل"، سيفسح في المجال امام قيام منافسة حامية، يحتمل ان تدور بين لائحتين: الاولى مدعومة من الحزب والوزير السبع وفريق العائلات، والثانية مدعومة اساساً من الرئىس بري ورعد والنائب صلاح الحركة وفريق آخر من العائلات التي يستحيل على اعضاء كل منها التفاهم على مرشح واحد. حتى ان مرشح الحزب الى منصب رئىس البلدية الحاج محمد الخنساء، لم يحصل إلا على تأييد الغالبية داخل عائلته التي تعتبر اكبر عائلات الغبيرة، اضافة الى العائلات السنّية التي تمثلت على الدوام بعضو في المجلس البلدي والتي لن يكون في مقدورها الاجماع على مرشح، وإن كانت عائلة البرجاوي الوحيدة التي تستطيع الاجماع على مرشحها. اما بالنسبة الى برج البراجنة، فان وضعها يختلف عن الوضع السائد في الغبيرة، التي تعتبر من البلديات الكبرى في لبنان، ويرجح المقربون من تحالف الحزب مع السبع ان يتمكن من استيعاب غالبية العائلات وإن كانت ستتعرض لخروقات اسوة بسواها. ويعود ترجيح هذه المصادر الكفة لمصلحة الحزب والسبع الى غياب قوة ناخبة اخرى غير ما يسمى بالعائلات الاصلية، على نقيض الغبيرة، اذ ان عدد الناخبين الذين تعود انتماءاتهم اساساً الى البقاع والجنوب وجبيل لا يشكلون رقماً يمكن ان يتيح لهم حسم المعركة، اضافة الى ان وزير الاعلام والنائب السابق عمار يتمتعان بتأييد من هذه العائلات. لذلك فان توزع عدد الناخبين يسمح لهذا التحالف مع فريق ينتمي الى كل العائلات بإرضاء الجميع، في مقابل امكان تأليف لائحتين منافستين للائحة الحزب ووزير الإعلام، الأولى مدعومة من الرئىس بري والنائب الحركة ورعد، وفريق آخر من العائلات، سيكون في مقدورها استرضاء المتضررين من قيام التحالف. واللائحة الثانية ستضم شخصيات كانت تنتمي في معظمها الى الاحزاب اليسارية، إلا اذا حصلت عملية خلط للأوراق أدت الى بروز تعاون قسري يستبعد نشوء معركة رمزية من باب اثبات الوجود. وتنطلق هذه الصورة من عدم ترجيح التحالف بين الحزب - الذي يشكل بيضة قبان في البلدتين - و"أمل"، في وقت لم تنقطع الاتصالات بين الحزب والسبع، وتؤكد اوساطهما ان امكان التحالف وارد ولكن لا شيء نهائياً حتى الساعة.