كرّس التحالف بين «حزب الله» وحركة «أمل» مبدأ تجنب «التصدعات» في صفوف الثنائي الشيعي وجمهوره، فالمخاوف من هذه التصدعات كانت وراء الإصرار على تحالفهما الوثيق في الانتخابات البلدية، لئلا تتكرر (المنافسات الحادة بينهما والتي حصلت في انتخابات عام 2004 البلدية. و «حزب الله» يريد تجنب هذه التصدعات في ظروف محلية وخارجية دقيقة عنوانها الانتقادات لسلاح المقاومة والهجوم الغربي عموماً على تسلحها، لئلا يفهم خصومه أن الدعم الشعبي الشيعي له قد تناقص أو تراجع، لمناسبة أية منازلات في الانتخابات البلدية من الطبيعي أن تحصل نتيجة تنافس مناصري التنظيمين على الأرض وبفعل التنافس العائلي التقليدي. وعليه حقق التحالف الهدف السياسي من ورائه عبر تقاسم الحزب والحركة أعضاء المجالس البلدية، في معظم القرى الشيعية في جبل لبنان، ولا سيما في قضاء بعبدا (برج البراجنة، الغبيرة وحارة الحريك المختلطة مع المسيحيين) وقضاء جبيل حيث 3 بلديات أساسية، وعاليه الذي فيه بلديتان كبيرتان في كيفون والقماطية، فضلاً عن قريتين في كل من الشوف (تقاسمتهما العائلات في إحداها وربحها «تيار المستقبل» مع العائلات في الأخرى أي الوردانية. واستعاض التحالف عن رغبته الضمنية بتأجيل الاستحقاق الانتخابي، التي طرحت أمام غير مرجع وجهة سياسية في الأشهر الماضية ولم تلقَ التجاوب، بقرار سياسي حاسم بالتحالف لتفادي الخلافات قضى بتبادل التنازلات من جهة عبر توزع المقاعد، وبإشراك العائلات بنسبة معينة في البلديات لإرضائها، من جهة ثانية. وعليه فإن إتمام المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية في جبل لبنان كان عينة عن قدرة هذا التحالف على تجاوز التصدعات المحتملة بينهما التي كانت ستظهر في حال تنافسهما، تمهيداً لانتخابات المرحلة الثانية التي تشمل البقاع والثالثة التي تشمل الجنوب وهما المنطقتان الرئيستان حيث الأكثرية الساحقة شيعية وحيث تحالفهما يمكنهما من السيطرة على القرار فيهما، وحيث حصدا المقاعد النيابية بمعظمها مع حلفائهما مع فارق كبير في الأصوات مقارنة مع منافسي التحالف. وعليه لم يكن أي من المراقبين يتوقع حصول خرق للوائح التي دعماها في جبل لبنان ولا سيما الضاحية الجنوبية حيث بلديتا الغبيرة وبرج البراجنة اللتان تصنفان في المرتبة الثانية بعد بلدية بيروت من حيث عدد الناخبين. وإذ حصد تحالفهما المجلسين البلديين فيهما، فإن اكتساحهما لهما نتيجة الائتلاف لم يمنع تسجيل بعض الظواهر السياسية في المنافسة البلدية التي جرت في هاتين البلديتين، لاستخراج معانيها السياسية. فعلى رغم حرص قادة الائتلاف وخصوصاً المسؤولين في حركة «أمل» على تكرار القول في تصريحاتهم ان التحالف مع الحزب لا يعني استبعاد دور العائلات من القرى الشيعية، ومع أن قادة الائتلاف كانوا يتمنون أن تغلب التزكية بفعل التوافق مع رموز بعض العائلات والمستقلين، فإن منافسة حصلت في الغبيرة (21 عضواً) لأن اللائحة غير المكتملة برئاسة علي قاسم ناصر والتي نافست الائتلاف بين «حزب الله» و «أمل» برئاسة رئيس البلدية الحالي محمد سعيد الخنسا (أبو سعيد) تمكنت من الحصول على أكثر من ألفي صوت مقابل زهاء 4500 صوت للائتلاف على رغم ان الحزب طرح شعارات ضاغطة على الناخبين، وردد مناصروه أن التصويت للائحة يعني دعماً للمقاومة، مع أن قادة الحزب المركزيين نبهوا الى وجوب عدم اقحام المقاومة في المنافسة البلدية نظراً الى اكتشافهم أن شعارات كهذه تنفّر الناخبين بدلاً من أن تستقطبهم. فكثر من أبناء العائلات رفضوا هذا المنطق واعتبروه وسيلة لممارسة الضغط المعنوي على منافسي لائحة التحالف. وإذ أشار منافسو الائتلاف في الغبيرة الى ممارسات ضدهم من نوع دخول مناصري التحالف الشيعي الى بعض أقلام الاقتراع لتوزيع اللائحة فيها بدل توزيعها خارج مركز الاقتراع، والحؤول دون ممارسة القوى الأمنية صلاحياتها أحياناً، فإن الظاهرة الثانية التي سجلها المراقبون أيضاً أن رئيس لائحة الائتلاف، الخنسا، وهو من القياديين البارزين في «حزب الله»، حلّ في مرتبة متخلفة عن أقرانه في اللائحة في عدد الأصوات فيما حصل المرشحون المستقلون وبعض المحسوبين على «أمل» من اللائحة الفائزة في مراتب أولى من حيث عدد الأصوات، وهؤلاء بينهم من ترشح في الانتخابات البلدية السابقة عام 2004 على لائحة «أمل» التي نافست لائحة الحزب التي فازت فيها. وفي القراءة الأولية لمعنى هاتين الظاهرتين المحليتين في الغبيرة أن الاقتراع للمرشح علي ناصر قد يعود الى أن المزاج الشعبي الذي اعترض على الائتلاف يفضل تغيير الوجوه وهذا يشمل رئاسة البلدية التي يتولاها الخنسا للمرة الثالثة بنجاحه أول من أمس، وأن حجب الأصوات عنه من قبل بعض مؤيدي الائتلاف من دون زملاء له وحلفاء في اللائحة نفسها الذين نالوا أصواتاً أكثر منه، مرده الى رغبة بعض عائلات البلدة في الاشارة الى اعتراضهم على تجاهل حضورها ودورها. ويمكن تصنيف بعض الأوراق البيض التي ظهرت في بعض الصناديق في هذا الاطار أيضاً، ولم يعرف عددها في انتظار فرز النتائج النهائية. والمشهد الانتخابي من هذه الزاوية امتد الى بلدية برج البراجنة التي هي من 21 عضواً أيضاً، وحيث نافست لائحة غير مكتملة من 3 مرشحين، الائتلاف بين الحزب و «أمل» وبعض المستقلين من العائلات، من دون أن يكون أعضاء اللائحة المنافسة قد توهموا بإمكان الربح، إذ كان هدفهم تسجيل رقم انتخابي للدلالة الى ان ثمة قوى معترضة على ما تعتبره «استئثاراً وعدم الأخذ برأي الجمهور العريض في الطائفة وتركيب التوافقات الفوقية». وحصلت اللائحة المنافسة هذه على زهاء ألف صوت مقابل نجاح لائحة الائتلاف بزهاء 4300 صوت. ويقول منافسو لائحة تحالف «أمل» و «حزب الله» إنهم خاضوا المعركة مع تحضير متأخر نظراً الى أن معظم الأطراف كانت تعتقد أن الانتخابات البلدية ذاهبة الى التأجيل وأنه لو كان لديهم متسع من الوقت لسعوا الى استقطاب مناصرين لهم بأعداد أكثر. ويشير هؤلاء الى وجوب احتساب تراجع نسبة الاقتراع للمجلس البلدي قياساً الى نسبة الاقتراع في انتخاب المخاتير في برج البراجنة، إذ إن كثيرين انتخبوا لهؤلاء من دون التصويت للمجلس البلدي، فضلاً عن اكتشاف العديد من الأوراق البيضاء، والأوراق اللاغية التي تضمّن بعضها شعارات موجهة ضد «حزب الله» وأخرى ذكرت اسم النائب باسم السبع. وتدعو الأوساط المتابعة لانتخابات برج البراجنة الى قراءة اشارة سياسية أخرى هي فوز معظم المخاتير المدعومين من النائب السبع إذ نجح اثنان من أربعة هم عدد مخاتير المنطقة وفازا بفارق أصوات يناهز ال 1100 صوت عن المرشح المدعوم من «حزب الله» أي فاروق عمار شقيق النائب عن الحزب علي عمار، وحل رابعاً المختار المحسوب على حركة «أمل». وامتنع أنصار السبع عن التصويت في المعركة البلدية. ويرى متابعون لمجريات المعركة الانتخابية في كل من برج البراجنة والغبيرة (باعتبار أن بلدية حارة حريك التي تضم مسيحيين فازت بالتزكية، بالتوافق بين «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون) أن الظواهر التي انطوت عليها تستأهل من قيادتي التحالف الشيعي وخصوصاً قيادة «حزب الله» قراءتها بعناية، للتعاطي مع خلفيات الحالات الاعتراضية التي تتراكم في مناطق تعود السيطرة فيها للحزب سياسياً وفي بعض النواحي أمنياً ايضاً. وهذا له مفاعيله على جمهور الحزب عموماً. وإذا كان الائتلاف الشيعي نجح في تجنب التصدعات بين قاعدة مكوناته الرئيسة في عينة الانتخابات البلدية في الضاحية فإن المراقبين يدعون الى ترقب ما إذا كانت انتخابات البقاع والجنوب ستتضمن هي أيضاً عينات عن الحالة الاعتراضية خصوصاً أن مواقف عدة صدرت تحتج على فرض الائتلاف للوائح، تحت حجة دعم المقاومة وهو ما اضطر الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الى القول في آخر خطاب له إن الانتخابات البلدية لا علاقة لها بموضوع المقاومة بل هي موضوع انمائي محلي. هذا فضلاً عن أن هناك قوى سياسية ستخوض معارك في بعض المناطق. أما في بلدتي كيفون والقماطية حيث هناك حضور ل «الحزب التقدمي الاشتراكي» فقد أدى المنحى التوافقي والعلاقة الايجابية المستجدة بينه وبين «حزب الله» الى فوز لائحة كيفون بالتزكية بعد التوافق بين الحزبين على ضم 3 مرشحين مدعومين من الاشتراكي فيما أجريت معركة انتخابية في بلدة القماطية خاض فيها 4 مرشحين مستقلين مدعومين من الأخير المعركة مع اللائحة المدعومة من «حزب الله» و «أمل» فخسروها ب 400 صوت مقابل زهاء ألف صوت للائتلاف.