لم تحمل نتائج الانتخابات البلدية في برج البراجنة والغبيرة في قضاء المتن الجنوبي بعبدا مفاجأة بسيطرة "حزب الله" على مجلسيهما البلديين على خلاف المتغيرات السياسية التي اسفرت عنها الانتخابات في اقليم الخروب قضاء الشوف ذي الغالبية السنّية الساحقة، اذ ان النتائج الاولية حملت دلالة ذات مغزى سياسي تمثلت في وصول غالبية تنتمي الى تيار "المستقبل" المدعوم من رئيس الحكومة رفيق الحريري الى جانب ممثلين عن "الجماعة الاسلامية". والانتصار الكاسح الذي حققه الحزب في الضاحية الجنوبية في وجه التحالف السياسي بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس الحريري من خلال وزير الاعلام النائب باسم السبع، لم يكن مفاجئاً بالمعنى السياسي، الا للذين راهنوا على ان يتحول التحالف بين ليلة وضحاها قوة انتخابية تحدث انقلاباً بين الناخبين. ولم يكن القول بأن هذا التحالف يمكنه ابعاد الحزب عن بلديتي الغبيرة وبرج البراجنة دقيقاً بل انطوى على كثير من المبالغة والارتجال في منافسة ماكينة الحزب الانتخابية وقوته التنظيمية التي اتاحت له الحضور بين العائلات الشيعية، حتى ان الناخبين السنّة اقترعوا لمصلحة لائحتي الحزب. ومن واكب تفاصيل الانقلاب الذي افسح في المجال امام قيام تحالف بين الرئيسين بري والحريري قبل اربعة ايام من موعد الانتخابات على حساب ضرب الجهود التي كانت تقترب من بلورة صيغة ائتلافية بين الحزب والوزير السبع، لا يحتاج الى جهد ليكتشف ان توقعات الاخير كانت في محلها اذ لم يخف عن كبار المسؤولين السوريين ورئيس الحكومة وفريق حركة "أمل" المكلف الملف الانتخابي في الضاحية ان قوة الحزب منفرداً تفوق القوى الاخرى. وثبت ان السبع كان على حق حين قرر الدخول في مفاوضات ائتلافية مع الحزب، حال تحالف بري - الحريري دون وصولها الى نتائج. فالسبع يعرف امكاناته الشخصية وقواه الذاتية، ولم يبالغ بأن تعاونه و"أمل" سيكتسح الحزب او يسجل عليه بعض الانتصارات في الضاحية، على نقيض حسابات مؤيدي الرئيس بري الذين انطلقوا من ان تحالفهم معه سيكسبهم المعركة بأشواط. واختار السبع الائتلاف البلدي مع "أمل"، على قاعدة ان تحالفه مع الرئيس الحريري هو خيار استراتيجي ولئلا يقال فور اعلان النتائج ان رئيس المجلس كان في استطاعته محاصرة الحزب لو ان حليف رئيس الحكومة تجاوب مع رغبته ولم يرفض الدعوة الى التعاون. وكانت النتيجة ان خسر السبع في الانتخابات البلدية ليربح في التحالفات السياسية اقله لجهة تأكيد تحالفه مع رئيس الحكومة الذي قدر له موقفه، خصوصاً ان في قراره صرف النظر عن الائتلاف مع الحزب اعتبارات سياسية محلية واقليمية وربما دولية تفوق الاعتبارات الانتخابية. وفي وقت سجل السبع بفرط الائتلاف، على بري، انه بموقفه قطع الطريق على تحميل رئيس الحكومة من خلاله هو مسؤولية اخفاق "أمل" في اضعاف الحزب، فإن الحزب كان نجح منذ انتخابات العام 1992 النيابية الاولى بعد انتهاء الحرب في ان يثبت مرجعيته السياسية في الضاحية، وفي ان يتحول في الانتخابات البلدية قوة لا منافس لها. وأضاف الى نجاحه الحفاظ على التوازن في شأن تمثيل السنّة في المجلسين البلدي والاختياري وحال دون اي خلل. و"حزب الله" الذي يستعد لخوض الانتخابات البلدية في بيروت والجنوب والبقاع نجح في ان يخرج منتصراً من الجبل، اذ ان حضوره البلدي لم يقتصر على الضاحية بعدما حقق نجاحات في بلديات قرى قضاء جبيل وفي بلديتي جون والجية المختلطتين في الشوف. وفي المقابل بات على "أمل" ان تؤمن توازناً، وبالذات في الجنوب، يتيح لها تعويض الخسارة التي لحقت بها في الضاحية، وان تعيد النظر في ماكيناتها الانتخابية والتنظيمية على نحو يؤدي الى توحيد المرجعية القادرة على الامساك بالملف البلدي الذي اداره رئيس المجلس من دون ان يشاركه من يلم بحقيقة موازين القوى الشيعية في الجبل والذي نجم عنه تعدد الرؤوس بالمفهوم الاداري داخل المرجعية الواحدة في موازاة مرجعية الحزب التي احسنت التنظيم والادارة. اقليم الخرّوب اما بالنسة الى القرى السنّية في إقليم الخروب، فإن نتائج الانتخابات اوجدت ميزاناً جديداً لحساب الربح والخسارة هو نقيض الميزان السابق قبل اندلاع الحرب اذ ان العائلات هناك كانت منقسمة بين الجنبلاطيين والشمعونيين مع ميل بارز الى تأييد مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الراحل كمال جنبلاط. وجاء اختبار القوة في إقليم الخروب مخالفاً لتصنيف العائلات فيه بين زعيمي الشوف السابقين الرئيس الراحل كميل شمعون وخصمه كمال جنبلاط. وفي نظرة سريعة تظهر النتائج ابعاد الانقلاب الذي اعاد توزيع انتماء العائلات السنّية او معظمها على الاقل، بين تيار الحريري و"الجماعة الاسلامية" الى جانب حضور رمزي للحزب التقدمي الاشتراكي. وبصرف النظر عن الخلل الذي حصل في التعاون البلدي، فإن تيار الحريري الذي دعم موقعه في القرى السنّية نجح في ايصال عدد من المرشحين الى المجالس البلدية وهو التيار الاقوى في هذا الجزء من الشوف تليه "الجماعة الاسلامية" اضافة الى ممثلي العائلات الذين حصدوا عدداً لا بأس به من المقاعد. ونجح تيار الحريري بالتعاون مع العائلات في السيطرة على المجالس البلدية، من دون ان تفشل "الجماعة الاسلامية" في تكريس حضورها اذ انها تتمثل الآن في بلدية برجا التي تعتبر احدى بلدات الشوف الكبرى، بسبعة اعضاء في مقابل احد عشر عضواً ينتمون الى الحريري. ثم ان مؤيدي "الجماعة" حصدوا سبعة مقاعد في بلدية كترمايا من اصل 15 مقعداً تنتمي غالبيتهم الى تيار الحريري، اضافة الى نجاحهم في خوض معركة اثبات وجود في بعض البلدات، بما فيها كبرى الشوف، شحيم التي صوّتت لمصلحة العائلات، وبعضها على صلة بتيار الحريري. ولم يحصل الحزب الاشتراكي الا على حضور متواضع اسوة بحزب البعث العربي الاشتراكي الذي نجح في تسجيل اختراقات رمزية في بعض القرى. وأتاحت الانتخابات ل"الجماعة الاسلامية" ان تؤمن اطلالة اكثر من عادية في إقليم الخروب بعدما تحررت العائلات من هواجس الانقسام بين جنبلاطي وشمعوني، من دون ان تفقل الباب امام قيام تعاون بين تيار الحريري والوزير جنبلاط بغية استيعاب الوضع البلدي المحدث شرط عدم الاستخفاف بقوة "الجماعة الاسلامية" التي استطاعت ايصال احد قادتها الشيخ إياد عبدالله الى بلدية شحيم اذ نال اعلى نسبة من اصوات المقترعين.