السبت 1/5/1998 - وتهاوى قلب نزار قباني في الربيع. تضجّ أجهزة الاعلام منذ امس بهذا النبأ. - ما السر في شعبيته؟ طرحت السؤال على صديق استاذ موسيقى يقرأ بنهم ولا يكتب قط، فجاوبني "نصاً": نزار يتصيّد عبارات رائجة فيحوّرها الى شعر. انه يعيد انتاج تلك العبارات، التي ينتقيها من دفتي معاجم السياسة اليومية وفولكلور الحب والشارع، كما يعيد الحرفي انتاج اقداح الكريستال من شظايا اقداح تافهة، او انتاج ورق مخصّص لخطابات الغرام من بقية ورق تالف. - والجواهري؟ - شعبيته من طراز خاص. هو يعالج بنار الشهوة والألم اصعب معادن اللغة ليصنع مفاتيح الرجاء والمستقبل. سيتذكره الاحفاد مثلما نتذكر نحن المتنبي. - وماذا عن بلند الحيدري. عبدالوهاب البياتي، سعدي يوسف، ادونيس، محمود درويش؟ - بلند انيق في المظهر والسلوك وانتقاء المفردة، يشتغل على مبنى شعره بدقة صائغ يهيم بالذهب. البياتي يبحث بمصباح ديوجين عن شيء مفقود في التكايا والصوامع. سعدي ناسك عميق مصاب بالذهول. ادونيس مفكر ملهم تؤرقه ألغاز الوجود. درويش فدائي، حالم يقظ، آخى بين الذات والجماعة في شعره الغنائي الملحمي. - سؤال اخير: لماذا لا تكتب ما قلت لي؟ - لا احسن الكتابة. - هل تسمح لي بكشف اسمك؟ - لا. - اسمح لي اذن بالاعتراض على جزء مما قلت. - هذا حقك بالطبع. تذكرت صديقي العزيز منعم حسن. كان يتحدث بطلاقة، كمن يقرأ كتاباً، في مختلف شؤون الفكر.... لكنه يرفض ان يكتب. 2 - الاحد 3/5/1998 - قبل ان يتوفى بدر شاكر السياب بأربع سنين أو خمس درّسني في متوسطة الاعظمية ببغداد. كان يجلس فوق اول رحلة بالمقلوب وهو يشرح قواعد اللغة بصوت ضعيف تعوزه الحياة. لم تكن لديه سيطرة على الطلبة. كانوا يتركون الحجرة او يرجعون متى شاؤوا بلا استئذان، وهو لا يعترض ولا يحتج، بل لم يلحظ ذلك. كان يواصل الحديث، غير المسموع جيداً وغير المبالي به، على نحو رتيب واهن. كنت اتفرس بالشكل: قبيح خداه غائران. لا بريق في عينيه. اذناه مثل كفّين تواجه راحتيهما الناظر. فم ناتىء وثمة لعاب يتجمع عند الزاويتين في اثناء التحدث. عرف الاخ الاكبر محمد من هو مدرسي، فقال: هذا أهم شاعر. كان شيوعياً لكنه ترك الحزب بعد تأسيس دولة اسرائيل في فلسطين. بدأت استخدم سلطتي، كمسؤول في اتحاد الطلبة، لمنع الاستخفاف به وفرض السكوت حيث يتحدث. الا ان الامر ما كان يعني للسياب اي شيء على الاطلاق. كان يبدو لي وكأنه يخاطبنا من عالم آخر بعيد. 3 - الاثنين 4/5/1998 - بعض نقاد الادب والفن يسجلون احكاماً جازمة على نجاح او اخفاق المبدع كما تسجل كاميرة فيديو حكماً لا يناقش على نجاح العدّاء او القافز. واذا كان بالمقدور تحديد الفائزين الاول والثاني والثالث في سباقات العدو والقفز والعوم، بدقة متناهية، عن طريق كاميرة تلتقط بدقة متناهية فروقات زمن بلوغ الهدف او علو القفزة او عرضها، فليس بالمقدور تحديد نجاح او اخفاق المبدع بهذه الدقة بحسب مقياس ذاتي بحت. هذا تلخيص لرأي نقاد غربيين على اختلاف مناهجهم. فهل هو رأي نقادنا الأفاضل كذلك؟ 5 - الاربعاء 6/5/1998 - تعرّفت على دانيكا ايزنهامر بمحض الصدفة، لكنها تجزم: يسوع ارسلك اليّ لتهتدي. انها سويدية شابة في الثمانين. تعبدالله. تضي الوقت في المناجاة وغوث من يحتاج. اذا مرضت هذا من فعل إبليس واذا شفيت هذا من فعل الله. قوتان فقط تهيمنان على اتجاه الوقائع. تلتفت الى من حولها وتقول لي بفرح: - انظر ماهمود كيف يحيطني الله بوفرة من الاصدقاء. - لكن الاصدقاء يحيطون بك يا دانيكا لانك طيبة. تجيب باصرار: هذه الطيبة حباني بها الله.