في تشرين الثاني نوفمبر من العام الفائت هزّ أركان المجتمع اللبناني موت الطفلة ناتالي دبّاس التي سقطت بنوبة قلبية وهي في المدرسة وتبيّن لدى الكشف عليها أنها تعرضت لاعتداء جنسي واصيبت بنزيف داخلي. وبصرف النظر عما آلت إليه التحقيقات إثر اصطدامها بأكثر من جدار مسدود، فإن موت ناتالي لم ينطو في سجل النسيان العارم والكثير الصفحات. ذلك ان موتها توازى مع سقوط عدد كبير من أمثالها في بلجيكاوفرنسا والولايات المتحدةواستراليا، موتى أو معتدى عليهم في ما بات معروفاً بالحلقة الجهنمية لانتشار البيدوفيليا حول العالم. وبدأ مربون وأطباء وحقوقيون لبنانيون اجراء اتصالات حثيثة بالهيئات الدولية الناشطة لمكافحة هذا الوباء، وتجاوبت تلك الهيئات وعلى رأسها "ايكبات" ECAPAT لتنسيق جبهة عالمية لحماية الأطفال من الاعتداء الجنسي. وتحت عنوان "اغتصاب الأبرياء" أصدرت ايكبات أخيراً تقريراً مفصلاً يحمل أرقاماً خطيرة عن البيدوفيليا في آسيا وأميركا اللاتينية وافريقيا وأوروبا الشرقية. ويذكر التقرير ان مليون طفل يتعرضون سنوياً للاعتداء الجنسي والمتاجرة في أسواق الرقيق الأبيض وشبكات الدعارة، خصوصاً في البلدان الفقيرة. وتبلغ ايرادات الاتجار بهم بلايين الدولارات يستفيد منها وكلاء وعملاء وقوّادون ومافيات، لبعضها روابط وثيقة بالسلطة. في الهند وحدها نصف مليون طفل وطفلة يباعون للمتع الجنسية وعدد مماثل في الصين. بينما يتجمع في مدن تايلاندا حوالى 50 ألف قاصر من أريافها والبلدان المجاورة، اجبرن بالترهيب والترغيب على ممارسة البغاء. وينسحب هذا الواقع بكثافات متفاوتة على بنغلادش وباكستان والفيليبين وسريلانكا وتايوان وفيتنام وكمبوديا. كما يشمل بورما ولاوس وماليزيا كمرافئ لتصدير الرقيق من القاصرين الى استراليا والولايات المتحدة وأوروبا. ويلحظ التقرير ان 30 في المئة من تجارة الجنس في أوروبا الغربية مصدرها أطفال من أوروبا الشرقية. ويؤكد ذلك تقرير الأممالمتحدة الذي قدّر مداخيل الدعارة بسبعة بلايين دولار سنوياً تغنمها شبكات منظمة تعمل بين شرق القارة الأوروبية وغربها. في ظل هذا كله، ناهيك عن الجرائم المروّعة بحق أطفال معتدى عليهم جنسياً في فرنساوبلجيكا، وبعد مأساة ناتالي دبّاس، أعد فريق حقوقي - طبي - انتربولوجي دراسة أولية تناولت القوانين المعتمدة في هذا المضمار وقارنتها بالقوانين الفرنسية كون التشريع اللبناني مستقى من الفرنسي. وتكشف هذه الدراسة تخلفاً لبنانياً عن القانون الفرنسي والقوانين الأوروبية التي عدلت في مؤتمر استوكهولم عام 1996. ولعل أهم مصادر ذلك التخلف غياب البنود الايضاحية التي تحدد أنواع الاعتداءات واختلافها وتباينها، وغياب التصنيف وفق خطورة العواقب وعلاقة الجاني بالضحية والفوارق في السن بينهما. وفي مطلع مقترحات الدراسة ضرورة توضيح مفاهيم الجرائم الجنسية وإعادة تقويمها: الاغتصاب، الاعتداء على الحشمة، الاغواء، الخطف بهدف الاغتصاب، الحض على الفجور، بغاء القاصرات... وتطالب الدراسة ب "ان تكون العقوبات عن الجرائم الجنسية في حق القصّر غير قابلة للخفض". كما توصي بضرورة "إرشاد الأولاد الى مخاطر الاستغلال الجنسي ووسائل مواجهته، توعية الأهل والمدرسين والعاملين الاجتماعيين وانشاء جهاز للشرطة متخصص لدعم الاختصاصيين العاملين مع الأولاد، ووضع خطط لمعالجة الأولاد الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية، ودعم الجمعيات المسؤولة عن تلك المعالجة وتشكيل لجان لحماية الأطفال الخ... ومن المرجح ان تتبنى "الحركة الاجتماعية" التي يرأسها المطران غريغوار حداد رفع هذه الدراسة الى المراجع المختصة بهدف اجراء تغييرات مناسبة في القوانين اللبنانية. وإذ يفضل موقعو الدراسة البقاء في دائرة الظل، يأملون بأن تتجاوب وزارة العدل، أقله في المرحلة الأولى، لتعديل القوانين ذات الهشاشة وعدم الوضوح، تمهيداً لتشكيل لجان توعية ومتابعة على الصعيد الاجتماعي.