من ىقرأ ما يكتب في بعض الصحف العربية بما فيها صفحة "أفكار" في "الحياة" يظن ان روجيه رجاء غارودي قدمته الدولة الفرنسية لمحكمة عسكرية لتحكم عليه بالاعدام من اجل كتابة "الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية". والواقع غير ذلك تماماً وفي منتهى البساطة والابتذال. بعد المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية أصدر معظم البلدان الأوروبية بما فيها دول الكتلة الشرقية سابقاً قوانين تعاقب كل ما يشتم منه عداء السامية أو إنكار المحرقة، ومن بين هذه الدول طبعاً فرنسا وألمانيا وايطاليا التي كانت مسرحاً للتنكيل باليهود خلال الحرب العالمية الثانية. وبموجب هذا القانون قدم عشرات الى المحاكم مثل غارودي وحكم عليهم أحياناً بالفرنك الرمزي أي العقوبة الرمزية. وكان من هؤلاء الزعيم العنصري جان ماري لوبن الذي أدين بعدائه للسامية أو بإنكاره أو تهوينه من شأن المحرقة باعتبارها "احدى تفاصيل" التاريخ لا أكثر ولا أقل. وفي كل مرة يعيد الكرة، وتوجد الآن قضية عالقة تخصه في هذا الشأن ولا أحد في الصحافة العربية حرك ساكناً. عادة من يقوم بالادعاء على المتهمين بعداء السامية أو المنكرين للمحرقة أو المهونين من شأنها ليس وكيل النيابة بل الجمعيات المناهضة للعنصرية وعداء السامية التي طالما جرجرت لوبن أمام القضاء منذ عشرين سنة سواء بسبب تصريحاته العنصرية ضد العرب والمسلمين أو المعادية للسامية ضد اليهود الفرنسيين. هذه الجمعيات نفسها زائد الجمعيات اليهودية الفرنسية هي التي حركت الدعوى ضد كتاب غارودي بتهمة التهوين من "المحرقة" بتقديم جرقام أقل من الأرقام المتعارف عليها ستة ملايين يهودي قتيل. وغارودي لم يعتقل ولم يطارد، وقد حوكم وهو مطلق السراح ودافع عن نفسه دفاعاً جيداً كما دافع عنه أكبر محاميي فرنسا جاك فيرجيس، كما ان الحكم الذي صدر كان معنوياً ورمزياً. فلماذا هذه الضجة المفتعلة في الصحافة العربية التي تُوقِع في رَوعِ القارئ ان غارودي مهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور؟ ما أعلمه ان غارودي بعد تصريحاته التي تعود الى 1996 حيث شكك ببعض أركان الاسلام، وهو من أصدر ضده بعض الاسلاميين في المغرب فتوى بالرِّدة نشرتها جريدة "المحجة" المغربية لسان "رابطة المستقبل الاسلامي" في عددها الپ50 بتاريخ 3 أيار/ مايو 1996. لكن لم يتحرك قلم واحد للدفاع عن غارودي ضد حكم قاس كهذا كان يمكن ان ينفذه اسلامي متحمس كالذين نفذوا حكم الرّدة في فرج فوده. فلماذا الكيل بمكيالين تجاه غارودي: ننادي بالويل والثبور وعظائم الأمور اذا شكته جمعيات فرنسية مناهضة للعنصرية وعداء السامية مطالبة بتغريمه بعض الفرنكات، ونصمت صمت القبور عندما ينبري له اسلاميون للحكم بردته وقطع عنقه؟