الكتاب: "الكويت قبل النفط". ترجمة وتقديم: محمد غانم الرميحي. الناشر: دار قرطاس - الكويت 1997. يتضمن هذا الكتاب مذكرات س. ستانلي ج. ماليري الطبيب الأميركي الذي عمل في البعثة التبشيرية في البحرينوالكويت ما بين العامين 1907 و1947. أي انه شهد المرحلة الانتقالية في أطراف الجزيرة العربية من عهد ما قبل النفط وصولاً الى بدايات التدفق النفطي الذي سيغير - في مرحلة لاحقة - وجه المنطقة بصورة جذرية. وللكتاب نفسه قصة تبدأ في السبعينات عندما أنجز الدكتور محمد غانم الرميحي ترجمته الأولى في ذلك الزمان، وهو يسردها على الشكل التالي: "… لذلك عندما وقعت يدي على مخطوط مذكرات الدكتور ستانلي ماليري في أحد أضابير مكتبة جامعة أكسفورد في بريطانيا، ويبدو انه عرضها على ناشرين بالانكليزية، فلم يجد من ينشرها فأودعها مع مجموعة من كتبه في تلك المكتبة، وكان يمكن ان يطويها النسيان هناك. لذلك قررت ان أنشرها بعد قراءتها، وهكذا تم، وعلى عجل شاركني الزميل باسم سرحان في العمل ونشرت المذكرات بالعربية في وسط السبعينات تحت نفس العنوان الذي ننشره اليوم. "الكتاب الذي أصدرناه بمذكرات ماليري سنة 1975 كانت تشوبه بعض الأخطاء، تجاوزنا عنها في طبعته الأولى وساعدنا في ذلك حماس الشباب أيضاً. ولكن الكتاب نفسه لم ير النور لأنه في ذلك الوقت رئي عدم توزيعه، فقط تسربت منه بعض النسخ لأيدي المهتمين والمتابعين". والقصد من نشر هذا الكتاب، كما يقول المترجم، هو التوثيق لما كان قد رآه غربي من وجهة نظر غربية وبمقياس غربي بحت لما كان يدور في مجتمعات الخليج في النصف الأول من القرن العشرين، قبل ان يظهر النفط وتتغير هذه المجتمعات في بعض مظاهرها من النقيض الى النقيض. ولكن المؤلف أيضاً ليس معصوماً عن الهوى، لا هو ولا غيره من مؤلفي المرحلة والمبشرين الكتاب الذين كتبوا حول منطقة الخليج، وهي كتابات كثيرة منشورة بالانكليزية ولم يرَ معظمها النور بالعربية. القى المبشرون رحالهم منذ أواخر القرن الماضي في البصرة ومن هناك انطلقوا الى مسقط في عُمان جنوباً. وكانت الفكرة الرئيسية لهذا العمل هي تطويق مهد الاسلام في الجزيرة العربية، وهم انشأوا المباني الخاصة للارسالية الأميركية واتخذوها أماكن للطبابة والتعليم والدعوة للدين المسيحي. ويعطي المترجم لمحة موجزة ومكثفة عن الحركة التبشيرية الأميركية منذ مطلع القرن التاسع عشر، وكيف ان "نداء الأراضي المقدسة في المشرق كان يرتفع فوق كل النداءات. ولم يكن ذلك بوصفها مسقط رأس السيد المسيح، لقد رأى المبشرون في حركتهم تجاه الأراضي المقدسة انها لا تقل عن حملة صليبية جديدة، حملة من شأنها ان تخلص في نهاية المطاف أرض الانجيل من السيطرة الاسلامية". وفي اطار توزيع المهمات التبشيرية، أصبح الأبرشيون مسؤولين عن تركيا، والمشيخيون عن مصر وسوريا وايران، والكنيسة الاصلاحية الهولندية عن الخليج. والأخيرة بدأت أعمالها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في خطة سمتها أدبياتها "تطويق مهد الاسلام" وبدأت مراكزها تنتشر من البصرة شمالاً مروراً بالكويتوالبحرين والامارات وعُمان. ومع ذلك فشلت كل هذه المحاولات، خصوصاً في منطقة الخليج. وينقل المترجم الرميحي عن أمين الريحاني قوله في كتاب "ملوك العرب": "ولكن هذه الارسالية في البحرينوالكويتوالبصرة تستطيع ان تضاعف خيرها وتعممه لو أقلعت عن التبشير وحصرت ما لديها من أسباب البر في الطبابة وفي التعليم المجرد من حب الهداية الروحية، ذلك لأن المسلمين - وخصوصاً العرب منهم - راضون رضاً عجيباً بدينهم ولا يرغبون في سواه بديلاً". ويعتقد المترجم، كما جاء في مقدمة الطبعة الأولى التي لم تر النور، بان هذه المذكرات مهمة جداً للقارئ العربي، خصوصاً في الخليج العربي. وهذه المخطوطة بالغة الأهمية لاعتبارات عدة أهمها انها تضم بين دفتيها معلومات جديدة يعرفها القارئ العربي للمرة الأولى وكان قد عايشها كاتب المذكرات. فهو هنا يصف مجموعة من الحوادث التاريخية التي خبرها عن قرب وسجلها بآلامها وزخمها. ويذهب ماليري في سرد ذكرىاته عن الفترة التي عاشها في الخليج بين 1907 و1947، فيأتي على حوادث وقصص شارك فيها أو رآها بعينه ويصف ذلك المجتمع البسيط الذي غدا في يومنا هذا مجتمعاً معقداً تجتاحه عوامل التغيير. غير ان الدكتور الرميحي يحرص على ايضاح التالي: "من الضروري ان نبين ان كاتب المذكرات قد انساق في بعض من ملاحظاته حول تعميمات يمكن اعتبارها ايجابية، ولكن في الحالتين يجب التحفظ عليها، وهي لا تغيب عن بصيرة القارئ الحصيف". ثم يقول في مكان آخر: "ولقد حاولنا في هذه الترجمة ان نورد ما قصد اليه الكاتب من معنى بالدقة التي تسمح بها الترجمة دون المساس بسياق وسلاسة السرد - ما أمكن - كما اننا جربنا وضع بعض الملاحظات في الهوامش والتي اعتقدنا ان الكاتب قد جانب الصواب فيها اما تاريخياً أو من حيث دقة المعلومات". ومن الواضح في سياق الكتاب، وهذا ما لاحظه المترجم كذلك، ان الطبيب ماليري متعصب وضعيف الثقافة والاطلاع ولذلك خلط في الكثير من ملاحظاته في هذا الكتاب بين العادات والتقاليد الموروثة في المجتمع وبين تعاليم الاسلام الحنيف. هذا الخلط أوقعه في التعميم غير المتوقع من كاتب مثله. ويضيف الدكتور الرميحي: "ليس هذا الكتاب أو المذكرات قد سطرها أكاديمي يوازن ويراجع ويضبط الحوادث التاريخية كما يفرض ذلك المنهج العلمي الحديث، انما هي ذكريات سطرها الكاتب - ويبدو انه سطرها في آخر سني حياته - فجاءت كما هي عليه من تعميم وعفوية وعدم ضبط ولا تحر للدقة، فهو ينتقل من نقطة الى نقيضها انتقالاً غير مألوف دون ان يشعر بالحرج أو بضرورة التروي". اما النتيجة المنهجية التي يصل اليها المترجم فتأخذ في الاعتبار ان هذا الكتاب يطرح جديداً لأنه يعطي القارئ العربي - خصوصاً في منطقة الخليج - نظرة عما كان واقعاً ومنظوراً اليه من نظرة غربية تبشيرية، فيه الجيد وفيه الرديء، فيه الموثق وغير الموثق… فهو ليس كتاب تاريخ ويجب الا يكون، انما هو واحدة من الروايات العديدة… ولكن المهم اننا لم نبخل في تقديم التصور ولم نتردد في عرض ما هو موجود بشره وخيره، بصدقه وغموضه، وحتى من وجهة نظر غير متعاطفة.