احتفل مجلس تحسين التفاهم العربي البريطاني كابو السنة الماضية بمرور 30 سنة على تأسيسه، وهو قد يغلق ابوابه هذه السنة بعد ان تنكّر له العرب 30 سنة. المجلس، كما هو معلوم، تأسس في اعقاب حرب حزيران يونيو 1967، وضم دائماً مجموعة راقية من السياسيين البريطانيين والديبلوماسيين والصحافيين وغيرهم، بينهم اعضاء حاليون وسابقون في مجلسي اللوردات والعموم، وفيه الآن حوالى 600 عضو لكل منهم اهتمامه الخاص بالقضايا العربية. وباختصار، فقد عمل المجلس باخلاص لتحسين صورة العرب في بريطانيا، وأيّد قضاياهم كافة، خصوصاً القضية الفلسطينية، وعمل لتنفيذ القرارات الدولية، وسعى لوضع سياسة حكومية بريطانية تؤيد تنفيذ هذه القرارات، من 242 و338 الى 425، وسائر القرارات المتعلقة بالكويت والعراق. ورأس المجلس دائماً رئيسان يمثلان حزبي الحكومة والمعارضة، وضم لوردات من مختلف الاحزاب ونواباً في مجلس العموم ونواباً في البرلمان الأوروبي. وبما ان اعضاءه انفسهم سياسيون، فهم اتصلوا باستمرار بالحكومة لدعم القضايا العربية، كما نشطوا في البرلمان، وراقبوا الصحافة وصححوا اي اخطاء عن العرب وردوا على أي اساءات نسّق بعضهم معي ومع غيري، وشن حملة مضادة الأسبوع الماضي بعد ان انتقدت "التايمز" وزير الخارجية روبن كوك بسبب موقفه في جبل ابو غنيم ومعارضته المستوطنات. ماذا جنى هؤلاء الاصدقاء في المقابل؟ هم وجدوا وباستمرار صعوبة فائقة في توفير المال لنشاطاتهم المدافعة عن العرب، وبما انني اعرف كثيرين منهم معرفة شخصية على مدى عقود فانني اقول بصدق ومسؤولية ان بعضهم ضحى بمستقبله السياسي في سبيل العرب، وتجاوز الستين، وربما السبعين الآن ولم يندم. ولعل احدهم عبّر عن رأي كثيرين عندما زارني في مكتبي قبل أيام وهو يتوكأ على عصا وقال ان تأييده القضايا العربية لم ينقص قيد انملة، وان اقتناعه بعدالتها ثابت أكيد، الا انه أكمل قائلاً: أنظر اليّ. لقد كبرت ولم أعد استطيع الركض من مكان الى آخر دعماً لقضية، او دفاعاً عن موقف، او طلباً لتبرع. أعرف من هؤلاء صديقاً قديماً هو لورد، من اعرق الأسر البريطانية على الاطلاق، كنت أتمنى لو انني في حلّ من ذكر اسمه هنا. وهو خدم القضايا العربية في الحكم والمعارضة، وفي الوزارة وخارجها، وربما كان اصبح رئيساً للوزراء لولا علاقته العربية المعروفة. وهو لم يندم البتة على موقفه، غير انه اراد لابنه مستقبلاً مختلفاً، فأرسله الى اسبانيا والبرتغال ليدرسهما ويتخصص فيهما. هذا الابن الذي كبر في بيت أبيه، وتشبّع من مبادئه، عاد بعد سنة ليستأنف عمل أبيه في القضايا العربية، وليغلق في وجهه باب التقدم السياسي الممكن الى أعلى مستوى. اليوم وصل المجلس الى نهاية الطريق، فعمله السنوي، وهذا يشمل نشرة نافذة تصل الى 1500 مسؤول، يكلف مئتي الف جنيه في السنة. الا ان المجلس لا يجمع اكثر من 60 الف جنيه في السنة، ولا يخرج من عجز حتى يدخل عجزاً آخر. وقد بلغ الامر الآن ان اركان المجلس يفكرون في اغلاقه، فيصدر قرار بهذا في نهاية هذا الشهر، ويعطى الموظفون انذاراً مدته ثلاثة اشهر، ويغلق المجلس في آخر تموز يوليو، اي في الذكرى الواحدة والثلاثين لتأسيسه. هل يجوز هذا؟ لا أريد أن أتحدث عن أصدقاء مشهورين مثل السير سيريل تاونسند، وانما اسجل اسميْ اثنين من الجنود المجهولين، فهناك كريس دويل وجون جي، المسؤولان عن متابعة المعلومات، وأستطيع ان أقول بموضوعية انه لا يوجد عربي او غير عربي في لندن يتابع المسائل العربية، ويرد على الحملات ويصحح الاخطاء مثلهما، فلكل منهما كنز من المعلومات المفيدة الدائمة التجديد، وأستطيع هنا ان ادعو اي مسؤول عربي في بلده، او سفير في لندن، الى الاتصال بهما اذا عجز عن جمع المعلومات من أي مصدر آخر، وسيجد ان عندهما ما يريد، بل انهما يعرفان سبل دعم حاجته. حرام ان يضيع جهد هؤلاء الاصدقاء جميعاً من اجل مئتي الف جنيه، منهم يمثلون "اللوبي" العربي الوحيد الحقيقي والفاعل في بريطانيا، وهم اذا توقفوا عن العمل وتفرقوا كلّ في سبيل، فسيرتاحون منا ومن قضايانا، وتقع الخسارة علينا وحدنا. هل يأتي فارس عربي على حصان أبيض ينقذ مجلس تحسين التفاهم العربي البريطاني؟ ربما كان الأمر ان زمن الفرسان العرب ولّى الى غير رجعة.