ست سنوات مضت على "طلاق" دايوو وجنرال موتورز، ودفع الأولى 170 مليون دولار لقاء حصة الثانية 50$ في الشراكة التي جمعتهما في صناعة السيارات منذ 1978. لماذا وقّعت إذاً الشركة الكورية الجنوبية الإثنين الماضي مذكّرة تفاهم مع جنرال موتورز للبحث في سبُل التعاون الإستراتيجي بينهما، تسويقياً وحتى إنتاجياً في بعض الموديلات الممكن ظهورها في المستقبل؟ فالطلاق لم يكن سهلاً في 1992 عندما كانت دايوو تشكو من قطع الجنرال الطريق عليها الى عدد من الأسواق وأهمها الأميركية والأوروبية. كذلك فقد طوّرت دايوو في السنوات القليلة الماضية تشكيلة موديلات جذّابة الشكل، وتمثّلها في قطاعات السيارات من صغيرها الى متوسطها الكبير. ماذا يعيدهما اليوم الى بعضهما بعد زواج دام 14 عاماً وطلاق إستمر 6 أعوام أخرى؟ بِعْ لي أبيع لك! لكل من الشركتَين حساباتها ومصالحها. فبالنسبة الى دايوو المتعبة كغيرها من الشركات الكورية في ظل الأزمة المالية التي تعيشها منطقة جنوب شرق آسيا، من شأن تعاونها مع جنرال موتورز تخفيف أعباء توسّعها خصوصاً في الولاياتالمتحدة التي تريد دخولها بموديل "ليغانزا" في النصف الأول من السنة الحالية. من هذه الزاوية، يسهّل لها تعاونها مع جنرال موتورز عملية التغلغل التسويقي، ولو في الحد الذي ستسمح به جنرال موتورز حماية لموديلاتها المتوسطة والصغيرة من شيفروليه وساترن. في المقابل، إتفقت المجموعتان حتى الآن على تولي عشرة من مراكز شبكة دايوو صيانة موديلات جنرال موتورز في كوريا الجنوبية، بما يخفف عن الصانع الأميركي أعباء نفقات التوزيع في سوق مغلقة عملياً أمام الماركات الأجنبية التي لا تحظى بأكثر من خمسة في المئة من مبيعاتها. وكانت تقارير عدة همست حتى ماضٍ قريب، بأن من وسائل "تشجيع" المستهلك الكوري على شراء سيارة وطنية، تدخُّل مصلحة الضرائب للتدقيق في حسابات كل من يُقدم على شراء سيارة مستوردة... مع ما يعنيه ذلك من متاعب يفضّل المستهلك الإستغناء عنها. وفي ظل إنغلاق السوق الكورية أمام السيارات الأجنبية الصنع، يتعذّر على أي صانع أجنبي، مهما علا شأنه، فتح شبكة توزيع وصيانة لسياراته لمجرّد أن محدودية المبيعات لا تبرر حجم الإستثمارات المطلوبة لإنشاء شبكة جيدة. وكيف إذا كان الصانع يضم ماركات مختلفة مثل كاديلاك وبويك وأولدزموبيل وبونتياك وشيفروليه... ولا يبيع إلا نحو ألف سيارة سنوياً في السوق الكورية الجنوبية كلها؟ بذلك يكون الحساب الأول المتبادل: بِع لي سياراتي في أميركا أبيع لك سياراتك في كوريا! تحييد أوروبا وإن أثمرت مذكّرة التفاهم بين الصانعين في المستقبل، فهي ستفيد دايوو في أكثر من توسّعها في الولاياتالمتحدة. ففي فترة طلاقهما، نجح الصانع الثاني في كوريا الجنوبية في التسلل الى أوروبا التي كانت ممنوعة عنه حرصاً على حصة أوبل التابعة لجنرال موتورز، وهي الصانع الثاني حجماً في أوروبا بعد مجموعة فولكسفاغن. بذلك سمحت فترة الطلاق بحذف أوروبا من قائمة الخلافات الممكنة... وفي مصلحة دايوو. عودة الى القواعد المشتركة؟ فوق ذلك، لا شك في أن ضخامة إستثمارات دايوو في تطوير موديلاتها الجديدة "أذاقتها" نكهة يعرفها الصانعون الأميركيون والأوروبيون واليابانيون جيداً. فبعدما كانت السيارات الكورية رخيصة بسبب بين أسباب أخرى منها العُملة والأجور إعتمادها قواعد تحمّل الصانعون الأجانب مئات ملايين الدولارات لتطويرها لموديلاتهم هم أولاً ثم للصانع الكوري المعني أصبح الكوريون مضطرين لإنفاق بلايين الدولارات لتطوير مجموعات موديلاتهم. ومن هنا تبدو آفاق التعاون المحتملة مع جنرال موتورز، لا سيما في ظل الأزمة المالية الإقليمية، بمثابة "شاطئ أمان" يمكن لدايوو الإعتماد عليه للعودة الى صيغة القواعد المشتركة مع صانع آخر، للسيارات الكبيرة من ماركات جنرال موتورز الأميركية أو المتوسطة والصغيرة أوبل، أو حتى الرباعية الدفع جي إم سي، عوضاً عن إستمرارها في تحمّل نفقات التطوير وحدها... خصوصاً بعد ضمّ سانغيونغ! سانغيونغ فبموافقة دايوو أواخر السنة الماضية على شراء حصة مجموعة سانغيونغ في شركة سانغيونغ موتور كومباني 5.53$، لا شك في أن الأولى دخلت الى قطاع السيارات الرباعية الدفع بسعر إن لم يكن شديد التواضع 6.1 بليون دولار، فهو يبقى معقولاً في النظر الى إمكان تسديده على 10 سنوات، علماً بأنه ليس إلا جزءاً من الديون المتراكمة على سانغيونغ 8.2 بليون دولار، والبقية تسددها مجموعة سانغيونغ. وبذلك الثمن حصلت دايوو على تشكلية الموديلات التي تنتجها سانغيونغ موتور كومباني، والبالغة طاقتها الإنتاجية السنوية حتى الآن 220 ألف وحدة. وهي تنتج كلاً من موديلَي "كوراندو" صغير و"موسّو" كبير الرباعيي الدفع طاقة إنتاجية تناهز 100 ألف وحدة سنوياً، وصالون "تشيرمان" طاقة 50 ألف وحدة المبني على قاعدة مرسيدس-بنز قاعدة "دبليو 124" التي كانت معتمدة في الجيل السابق من موديل "إي" الذي يعتمد جديده قاعدة "دبليو 210"، إضافة الى الفانات طاقة 60 ألف وحدة/سنة والباصات والتراكتورات وما شابه 10 آلاف وحدة/سنة. دايوو وديملر-بنز وإن لم يذكر أي طرف حتى الآن نية جنرال موتورز في شراء حصة في دايوو موتور كومباني، لا شك في ان شراء غالبية سانغيونغ لم يفتح الباب أمام دايوو لدخول قطاعات السيارات الرباعية الدفع فحسب، بل فتح لها خط إتصال تقني مباشر ويمكن إستغلاله أكثر في المستقبل مع ديملر-بنز التي تملك 4.2 في المئة من سانغيونغ وتزوّدها عدداً من المحرّكات والتقنيات. فمع أن ديملر-بنز لم ترغب في زيادة حصّتها في سانغيونغ عندما عُرِضَ عليها الأمر قبل دخول دايوو، تبقى مجالات التعاون كثيرة، كبرنامج السيارة الفخمة التي كانت تطوّرها سانغيونغ مع ديملر-بنز، بما يُغني دايوو عن المغامرة منفردة في هذا القطاع، ويؤهّلها لمواجهة هايونداي التي ستدخله في السنوات القليلة المقبلة بموديل من تطويرها وحدها. إلا أنه يُشار الى إمكان تأخّر هايونداي وغيرها من الكوريين عن دخول هذا القطاع بسبب الأزمة المالية في المنطقة، وقرار مجموعة هايونداي ككل، وليس هايونداي موتور كومباني وحدها خفض مجموع إستثماراتها من 4.6 بليون دولار العام الماضي الى 5.4 بليون دولار للسنة الجارية. الجنرال... والحصان! بدورها، تتضمّن حسابات جنرال موتورز فوائد كثيرة من التعاون مع دايوو، وتتعدى منطق "بِعْ لي في أميركا وأبيع لك في كوريا". ففي ظل هبوط قيمة عملات دول منطقة جنوب شرق آسيا أصبحت شركات المنطقة فريسة سهلة للشراء أمام الشركات الأجنبية، لا سيما الأميركية التي تبحث كثيرة منها منذ مدة عن فرص شراء بأسعار متدنية. وبتفاهم الطرفَين قطعت دايوو الطريق على منافساتها الكورية من التعاون مع جنرال موتورز، الصانع الأول عالمياً، ويكون الجنرال أعاد يده الى السوق الكورية الجنوبية ومنع خصوصاً فورد موتور كومباني من بسط نفوذ أقوى فيها. ومعلوم أن لفورد الصانع الثاني عالمياً "حصانها" في كوريا، إذ تملك عشرة في المئة من شركة كيا موتور كومباني التي تملك فيها مازدا أيضاً 8 في المئة... علماً بأن فورد تملك 4.33$ من مازدا. حدود المذكّرة في الوقت ذاته، لم "تكبّل" جنرال موتورز خياراتها مع دايوو. فحصرية تعاملها مع الأخيرة لا تتعدّى قطاع إنتاج السيارات الكاملة، وتبقى لها حرّية التحدث أو التعاون مع منتجي قطع وأنظمة كوريين آخرين. وفي هذا السياق، يذكر أن جنرال موتورز تملك خمسين في المئة من شركة دايوو أوتوموتيف كومبوننتس ليمتد منتجة قطع، شراكة مع مجموعة دايوو، وأن شركة ديلفي فرع جنرال موتورز المختص بإنتاج القطع والأنظمة للسيارات مهتمّة أيضاً، وعلى خطا "الشركة الأم"، بشراء شركة ماندو ماشينري، أكبر منتج للقطع والأنظمة في كوريا الجنوبية. وتشير تقارير عدة الى توجه ديلفي نحو بيع بعض فروعها غير المثمرة في الولاياتالمتحدة، والتوسع في المقابل في الأسواق الأكثر نمواً، لا سيما في جنوب شرق آسيا التي هبطت أسعار عملاتها الى مستويات تسهّل شراء شركاتها على الأجانب. الكوريون والأزمة لا شك في أن الكوريين تأثّروا بكل من ظروف إقتصاد بلادهم نفسها ومن تلك التي تعيشها منطقتهم ككل، لكن سيئات تراجع قيمة العملة تعود عموماً على الدول الصناعية زيادة في الصادرات، بحكم هبوط أسعار بضائعها في الخارج. وفي النظر الى توقّع تراجع معدّل النمو في جنوب شرق آسيا الى نحو 7.2 في المئة في السنة الجارية، يمكن أن يشكّل هبوط قيمة الوون الكوري، مع ما يستتبعه من زيادة في الصادرات، أفضل العلاجات الممكنة لتراجع النمو الداخلي في كوريا، لا سيما أن الكوريين رسموا إستراتيجية نموهم منذ أوائل التسعينات على معدّلات نمو تزيد على ضعفَي الرقم المتوقّع للمنطقة ككل في السنة الجارية. تاريخ دايوو في سطور إنطلقت مجموعة دايوو من شركة تجارة بالنسيج أسسها كيم وو تشونغ في 1967، برأسمال لا يتعدى عشرة آلاف دولار، لتصبح المجموعة الرابعة والعشرين في العالم بعد بلوغ عائداتها 16.65 بليون دولار في 1996. وحتى حزيران يونيو الماضي، بلغ تعداد موظفي مجموعة دايوو ربع مليون موظف في أكثر من 85 بلداً في العالم، منها المغرب الذي إعتمدته المجموعة مركزاً إقليمياً لها لأكثر من 20 بلداً إفريقياً و/أو شرق أوسطياً ستنتهي من بناء المركز في الرباط أواخر 1999، وهو سيكلف نحو 50 مليون دولار. وكانت المجموعة الكورية أعلنت أنها تنوي الإستثمار في المغرب لصناعة السيارات والتلفزيونات وغيرها، إضافة الى إنفاق 50 مليون دولار أخرى لتحديث فندق "الرباط هيلتون" 220 غرفة الذي إشترته في 1996. أما فرعها المختص بصناعة السيارات، دايوو موتور كومباني ليمتد، فقد تأسس في 1978 عند شراء مجموعة دايوو حصّة مستثمرين كوريين في مشروع مشترك بينهم وبين جنرال موتورز منذ 1972. وكانت تلك السيارات مبنية على قواعد موديلات أوبل عائدة الى السبعينات. وبقيت تلك القواعد مستخدمة على رغم ترهّلها الى أن ألغَت دايوو دور جنرال موتورز في قرارات الإستثمارات والإنتاج والتسويق، بشراء حصّة الطرف الأميركي بكاملها في 1992 لقاء 170 مليون دولار . ومنذ ذلك الوقت بدأت الشركة الكورية نموها الفعلي في قطاع السيارات، الى أن أطلقت مجموعة موديلاتها الجديدة "لانوس" و"نوبيرا" و"ليغانزا"، وقريباً موديل "دار" الصغير. وتنوي دايوو موتور كومباني، التي تحتل المرتبة الثانية بين صانعي السيارات الكوريين، الحلول بين الصانعين العشرة الأوائل في العالم بزيادة إنتاجها من السيارات الى 5.2 مليون وحدة في سنة 2000، في كوريا وخارجها، إذ تجمّع أيضاً بالتعاون مع شركاء آخرين في الفيليبين وإندونيسيا والهند، وقريباً في رومانيا وأوزبكستان بطاقة إنتاجية توازي 200 ألف وحدة سنوياً في كل من الأخيرتين.