إن أمكن عرض مجريات السنة المنصرمة في صناعة السيارات من زاوية الموديلات الجديدة في حد ذاتها، فهذا لا يعني في أي من الأحوال أن هذا كان "كل ما حدث" في صناعة السيارات. ليست الموديلات الجديدة في الواقع إلا ذروة جبل الجليد العائم، أو الظاهر منه. صحيح أن هذا الظاهر هو ما يهمنا أولاً... لكن ليس أولاً وأخيراً بالضرورة. كيف يمكن مثلاً عرض جديد موديلات مجموعات جنرال موتورز أو فورد أو فولكسفاغن، أو مرسيدس-بنز وكرايسلر وبي إم ف بي إم دبليو، أو هايونداي وكيا وغيرها، من دون التوقف عند ما يحدث لدى هذه المجموعات لتكوين فكرة عن التوجهات التي ستصقل ما ستعرضه علينا من الموديلات في المستقبل القريب والمتوسط المدى؟ فالمعني بتلك التطوّرات الإقتصادية هو المنتوج ذاته في نهاية المطاف، وأنت وأنا كمستهلِكين. نعم هناك حملَة الأسهم أيضاً، لكن معظم هؤلاء معنيون بعائدات الأسهم قبل أي إعتبار آخر، والسهم الذي يُشترى يُباع أو يُبدل بسهولة. عولمة وقواعد مشتركة... من هنا، قد لا يهمّك أو يهمني مباشرة، كمستهلكين، تحوّل رولز رويس مثلاً الى ماركة ألمانية الملكية، في عهدة فولكسفاغن منذ حزيران يونيو الماضي ومنها الى حظيرة بي إم ف إبتداء من مطلع 2003. فتلك أولاً ماركة محصورة جداً، وثانياً، أصبحت لها بدائل عدة في الفخامة والنخبوية. في المقابل، يبقى مشروع مثل "فورد 2000" أقرب إلينا بكثير: فقبل سنوات قليلة، لم يكن أمره يتعدى التعابير الصناعية وإستراتيجية خفض النفقات وتسريع التطوير والى ما هناك من تعابير مجرّدة. لكن، ما رأيك اليوم بموديل جاغوار "إس تايب" الذي يجسّد تلك المصطلحات بتصميمٍ كذّب المخاوف من أن يؤدي تشارك موديلات عدة بقاعدة أساسية واحدة، الى بهتان الفوارق بينها؟ ففي تصميم جديدة جاغوار هوية واضحة الإختلاف عن "شقيقتها" البنيوية لنكولن "إل إس" التي ستطل، مثل "إس تايب"، الربيع المقبل. الماركتان تابعتان لفورد، والقاعدة مشتركة بين الموديلَين، لكن جاغوار بقيت جاغوار، ولنكولن لنكولن. مصطلحات الأمس أصبحت منتوجات اليوم! هل ستنطبق إستراتيجية مماثلة بين منتوجات ديملر-بنز وكرايسلر كوربورايشن بعدما اندمجتا في 12 تشرين الثاني نوفمبر الجاري في مجموعة ديملركرايسلر أ. جي. التي بدأ التعامل بأسهمها DCX منذ 17 الجاري؟ كلا، بل تؤكّد مصادر الجانب الألماني الذي يمتلك نحو 57 في المئة من ديملركرايسلر بأن منتوجات كرايسلر وماركاتها ستبقى مختلفة شكلاً وبنية وتقنية عن منتوجات ماركة مرسيدس-بنز. ... وخصوصية الماركات من أين سيأتي خفض النفقات الذي يتحدثون عنه في الجانبين الألماني والأميركي على حد سواء 4.1 بليون دولار في السنة المقبلة أولاً، ثم 3 بلايين دولار سنوياً بعد ذلك؟ لن تتقاسم الماركتان أي قواعد مشتركة. نعم ستخفض النفقات بفضل الأبحاث المشتركة وبشراء قطع وأنظمة من مصادر مشتركة تخفض أسعارها للحصول على حجم أعمال أكبر، لكن الماركات التابعة لكرايسلر اليوم ستبقى مختلفة تماماً عن مرسيدس-بنز. وتعرف المجموعة الألمانية تماماً ما تريده من كل من ماركات كرايسلر الحالية: موديلات شعبية ورخيصة من دودج وبليموث للأسواق النامية، وموديلات أغنى تحت إسم كرايسلر، مع طابع أميركي لا يسعى الى جعل الماركة "ألمانية" في أي شكل من الأشكال، وجيب إشترتها كرايسلر من رينو، ضمن مجموعة أميريكان موتورز كوربورايشن، في 1987 لقاء 800 مليون دولار تبقى رباعية الدفع الأميركية البحتة. في المقابل، ستبقى لماركة مرسيدس-بنز ريادتها التقنية المعروفة، مع إمكان إنتقال بعض عناصرها التقنية الى كرايسلر بعد نزولها في الأولى بسنوات قليلة. وستلعب مرسيدس-بنز دور الواجهة التكنولوجية في أعلى مستوياتها حسب كل قطاع تتوجه إليه، من "إس" الفخمة العليا الى قطاع "آي كلاس" المتوسطة-الصغيرة، مع "سمارت" المدينية الصغيرة طبعاً. وتحديداً، ستبقى "إس كلاس" الواجهة التكنولوجية للمجموعة ككل، حتى بعد نزول مايباخ في 2003 لمنافسة القطاع الذي عُرِفَت به رولز رويس. فمايباخ ستكون رمزاً للفخامة في المعنى الأرستقراطي للكلمة، لكنها لن تُنافس في أي يوم ريادة "إس كلاس" التي ستبقى "رأس الحربة" التقنية في المجموعة البالغ عدد موظّفيها في العالم 428 ألفاً في حزيران يونيو الماضي، والتي تحتل المركز الثالث عالمياً في حجم العائدات بين صانعي السيارات وراء جنرال موتورز وفورد، والخامس بعد جنرال موتورز وفورد وتويوتا وفولكسفاغن في حجم الإنتاج حسب أرقام 1997: 300 ألف موظف لدى ديملر-بنز و121 ألفاً لدى كرايسلر، وعائدات الشركتين 132 بليون دولار، 71 بليوناً للألمانية و61 بليوناً للأميركية، والأرباح قبل الضرائب 7 بلايين دولار، 4.2 بليون للألمانية و6.4 بليون للأميركية، وأنتجتا أربعة ملايين سيارة، 1.1 مليون وحدة لدى الألمانية و9.2 مليون لدى الأميركية. ستبقى بالتالي للماركات الأميركية هويتها الأميركية، وللأوروبية هويتها الأوروبية... هذا إن جاز إعتبار ماركة مثل مرسيدس-بنز أوروبية "فقط"، كونها رمزاً للعولَمة قبل صياغة التعبير بعقود وعقود، إذ انها الماركة الوحيدة التي تحتفظ بقيمة عالية عند إعادة بيعها مستعملة، في أي بلد في العالم، وبغض النظر عن الأفضليات الإقليمية أو المحلية.. لكن المد الألماني لم ينحصر بديملر-بنز على الإطلاق، بل شمل المجموعة التي لا تزال الثالثة عالمياً من حيث الإنتاج: فولكسفاغن. بل أهدى رئيس فولكسفاغن، فردينان بيش، الصحافة العالمية ربيعاً وصيفاً ملؤهما التشويق والإثارة، في حملته على رولز رويس وبينتلي وبوغاتي ولامبورغيني وكوزوورث. نهاية 1997 لكن قبل أن يتبلور المد الألماني في السنة الجارية، إنطلقت شراراته الأولى الخريف الماضي في معرض طوكيو للسيارات، حيث كشفت ديملر-بنز نيتها علناً بالتقدّم الى أعلى مستويات قطاعات السيارات السياحية بعرض نموذج مايباخ. ولم تكن أيام قليلة إلا وأعلنت مجموعة فيكرز البريطانية نيتها في بيع فرعها المعني مباشرة بالأمر: رولز رويس موتور كارز. لم يكن مشروع مايباخ سراً، بل ورد ذكره في تقارير عدة في السنوات الأخيرة. لكن السؤال كان: هل تخطو ديملر-بنز الخطوة فعلاً؟ وإن فعلت، هل تشتري الإسم البريطاني رولز رويس، أو تمضي بإسم مايباخ الأكثر تجانساً مع ما تمثّله حضارة النجمة الثلاثية؟ إتضحت جدية الخطوة بعد مشارفة المجموعة الألمانية على إنهاء برامج توسّعها في قطاعات السيارات الصغيرة والمتوسطة-الصغيرة والرباعية الدفع، مع إقتراب مواعيد إطلاق موديلات "سمارت" و"آي كلاس" و"إم كلاس" قبل الوعكات التي أخّرت إطلاق "سمارت" و"آي كلاس" بضعة أشهر. بإطلاق تلك الموديلات، أصبحت المجموعة قادرة على التفرّغ أكثر لإطلاق "إس" الجديدة من جهة، وإعداد الأسواق ذهنياً لقفزة مايباخ المقبلة. من هنا بدأت مجريات السنة الجارية في التسارع، ولو لم تنكشف إلا بعد أشهر عدة. فبينما كانت صناعة السيارات تتوقع منافسة حادة بين ديملر-بنز وبي إم ف وفولكسفاغن لشراء رولز-رويس مع أن المنافسة إتخذت بُعداً إعلامياً تخطى في نظر بعضهم القيمة الفعلية للماركة، "طمأنت" ديملر-بنز المعنيين بأنها تبارك سلفاً لمن يرغب في شراء رولز رويس لأنها ليست مهتمة على الإطلاق. في تلك الأثناء، كانت ديملر-بنز تراقب في الواقع طريدة أخرى: كرايسلر كوربورايشن. وبينما كان بعض الصحافة خصوصاً في بريطانيا يصف "المعركة الحامية الوطيس" والمرتقبة بين بي إم ف وفولكسفاغن وكأن مصير صناعة السيارات العالمية لا يزال يتوقّف على شركة تنتج أقل من ألفَي سيارة سنوياً، أياً كان مستواها، كانت ديملر-بنز تقترب أكثر وأكثر من معرض ديترويت للسيارات. سؤال رماه يورغن شرمب، رئيس ديملر-بنز أمام بوب إيتون، رئيس كرايسلر كوربورايشن. ما رأيكم يا جماعة لو.... لم تبدُ الفكرة بطالة على الإطلاق. فمثلما ترغب ديملر-بنز في تمتين موقعها في أميركا الشمالية بأكثر من مصنع توسكالوسا منتج "إم كلاس"، كذلك ترغب كرايسلر في زيادة حضورها في أوروبا بأكثر من إنتاجها المحدود نسبياً في غراس في النمسا جيب ومينيفان. أي شريك أوروبي يمكن أن يعطي لكرايسلر صورة أكثر عراقة من التي يمكن أن تعطيها ديملر-بنز، وأي صورة أميركية يمكن توقعها أكثر جرأة وعصرية مما لدى الصانع الأميركي الثالث؟ جنرال موتورز أضخم وأبطأ من أن "يعانقها" أي صانع آخر، وفورد منهمكة في مشروع فورد 2000". وثمّة رواية حديثة أشارت الى دخول فورد على خط المحادثات مع ديملر-بنز للإندماج معها... لكن رئيس الأخيرة، يورغن شرمب، أقفل الموضوع كلياً عند إشتراط الجانب الأميركي الإحتفاظ بغالبية أسهم المجموعة المرشحة للإندماج أو بنسبة غالبية تحفظ له القرار. وعدا عن التوسع في أميركا الشمالية، هل كانت لديملر-بنز أي مصلحة في إستيعاب صانع أوروبي آخر؟ فالهدف كلّه هو في التوسّع في قارة أخرى، لا في أوروبا التي لا تحتاج ديملر-بنز الى مؤازرة أحد فيها، لا سيما أن تجربة بي إم ف الألمانية بشراء مجموعة روفر البريطانية في 1994، لم تعطِ بي إم ف أكثر من النجاح لدى لاند روفر... والصداع لدى روفر كارز. وبين لاند روفر التي إشترتها بي إم ف وماركة جيب التي ستنتقل من كرايسلر الى ديملر كرايسلر، فارق لا يستهان به. نيسان ديزل ويُذكر أن نيسان ديزل موتور كومباني تملك فيها نيسان موتور كومباني 39 في المئة وقّعت أواخر تموز يوليو الماضي إتفاقاً مع ديملر-بنز على مشروع مشترك لإنتاج شاحنة جديدة إبتداء من العام 2002. وتندرج الخطوة ضمن إعلان ديملر-بنز سابقاً رغبتها في زيادة حصّتها من سوق الشاحنات الآسيوية من عشرة الى عشرين في المئة خلال السنوات العشر المقبلة. وتهدف الشركتان أولاً الى بيع ما بين مئة ألف ومئة وخمسين ألف شاحنة سنوياً بحلول العام 2005، علماً بأنهما تنويان إنتاج الشاحنات في منشآت حالية، وعلى قاعدة ستخدم لجيل جديد من الشاحنات الخفيفة المخصصة للبيع في مختلف أنحاء العالم. ولم يستبعد عدد من المراقبين تطوّر المشروع لاحقاً الى أكثر من إتفاق، نظراً الى رغبة نيسان موتور كومباني صانع السيارات الثاني في اليابان في بيع معظم حصتها في نيسان ديزل للتخلّص من خسائر الأخيرة. بينغ بونغ التصريحات وبين معرض ديترويت في كانون الثاني يناير و29 أيار مايو الذي أعلنت فيه نية ديملر-بنز وكرايسلر في الإندماج، تسلّت صناعة السيارات بتصريح من بي إم ف يقول سندفع كذا، وآخر من فولكسفاغن يرفع المبلغ، ثم بي إم ف تعلن عدم رغبتها على الإطلاق في دخول مزايدة تحوّلت الى مضاربة كلامية غذّاها بعض أجهزة الإعلام ترمي منطقياً الى رفع سعر الماركة الإنكليزية، لا أكثر ولا أقل. المحور الألماني بدأت الأحداث تتسارع إبتداء من 7 أيار مايو الماضي، مع إعلان مشروع إنشاء ديملركرايسلر. لكن المحور الأساسي للأحداث بقي أوروبياً، وألمانياً بالتحديد. فعدا عن مشروع ديملر-بنز، تولّت مجموعة فولكسفاغن من جهتها "أمر" بعض الماركات الأوروبية التي إشترتها "قبل الذهاب الى عطلة الصيف"، ومنها رولز رويس وبينتلي وقسم من كوزوورث، ولامبورغيني وبوغاتي، حتى تحوّلت "مجموعة بي إم ف" مع فرعها الإنكليزي روفر الى لاعب صغير نسبياً. وذهب بعضهم الى حد التحدث عن تفاوض فردينان بيش لشراء 25 في المئة من بي إم ف. طبعاً، سارعت عائلة كاندت مالكة حصة مهمة في بي إم ف الى إصرارها على إستقلالية الماركة، بينما ذكرت مصادر أخرى أن رئيس بي إم ف بيرندت بيشستريدر لم ينفِ تحدثه في الأمر مع بيش. يبقى أن التحادث ممكن بين شركات كثيرة وليس من الضروري أن يؤدي الى أكثر من "تبادل" وجهات النظر و"جس النبض" من حين الى آخر. لكن حجم بي إم ف من جهة، وصعوبات إطلاق روفر كارز تشير أيضاً الى ضرورة التحرّك سريعاً لمنع الأخيرة من إمتصاص حيّز مهم من طاقات الماركة الألمانية المعروفة خصوصاً في نجاحها في التقدّم في غضون عقود قليلة، من مجرّد صانع صغير الى أحد ألمع أسماء الماركات المنتجة للسيارات الفخمة التوجه، وبفضل جودة لا تستحق غير الإحترام. عالم فولكسفاغن لا تتسرّع في القول أن موضوع فولكسفاغن لا يعنيك مباشرة... فإن لم تكن من زبائنها اليوم، قد تُعجب قريباً بموديل ماركةٍ تكتشف لاحقاً بأنها ليست إلا جزءاً من المجموعة الألمانية... الأولى أوروبياً والرابعة عالمياً في حجم الإنتاج بعد جنرال موتورز وفورد وتويوتا وأمام ديملركرايسلر مباشرة. خذ آودي مثلاً. تلك ماركة توازي مرسيدس-بنز وبي إم ف في الجودة والفخامة والريادة التقنية. أليست آودي "آي 6" شقيقة "باسات" بنيوياً، بفضل مفهوم فولكسفاغن في القاعدة المشتركة القابلة للتعديل طولاً وعرضاً؟ تعجبك ألفا روميو وتخاف من سوء سمعتها في الجودة؟ ما رأيك بالدور الذي تحضّره فولكسفاغن اليوم لماركتها الإسبانية سيات التي ستلعب من الآن فصاعداً وتحديداً، إبتداء من الجيل الجديد من "توليدو" دور ألفا روميو الرياضي، لكن بتكنولوجيا ألمانية! وفي المناسبة، ستتحوّل صورة ماركة فولكسفاغن تدريجاً الى مستويات أعلى من التي عرفناها فيها حتى اليوم أنظر الى "باسّات" الرائعة شكلاً وجودة!، مع دفع آودي بدورها الى مستويات أعلى حتى من التي تعرف بها اليوم، لتبدأ عروض المجموعة تحديداً من سكودا التابعة أيضاً للمجموعة الألمانية، وبمستوى جودة يوازي الذي يثق به المستهلك اليوم تحت إسم فولكسفاغن ذاتها. أبعد من ذلك، يصل طموح فردينان بيش الى رفع إسم فولكسفاغن الى مستويات الفخامة التي تُعرَف بها آودي اليوم، لتتخذ الأخيرة منحى متزايد الرياضية لكن في معنى الصالون الفخم الرياضي، مع المحافظة على عروضها في القطاعات الرياضية البحتة مثل الكوبيه والكابريوليه. وستأتي تلك الرياضية أيضاً في المعنى الألماني المختلف عن البُعد اللاتيني الذي ستلعبه سيات. وفي المقابل، تبقى لأعلى المستويات النخبوية بقية الماركات التي حصدها بيش في الأشهر القليلة الماضية: لامبورغيني في مواجهة فيراري، بوغاتي في موقع بين رياضية لامبورغيني وبين فخامة مايباخ أو رولز رويس، وبينتلي بتعبيرها الرياضي-المحافظ في إطار إنكليزي. وإن ظننت أن النشاط الألماني إقتصر على المجموعات الضخمة ففي إتفاق بورشه مع فولكسفاغن على إنتاج الموديل الرباعي المشترك بينهما، ما يذكّر بأن ما من قاعدة إلا وتؤكدها إستثناءاتها. بورشه كانت المسألة سهلة مع بورشه حتى الآن، فهي إشتهرت بسياراتها الرياضية الأخّاذة شكلاً وأداء. هنا أيضاً، علينا أن نبدأ في إعداد ملف جديد للماركة الألمانية، وتحديداً إبتداء من العام 2002. فإنهماك فولكسفاغن في شراء رولز رويس لم يمنع المجموعة الألمانية من إعلان إتفاقها مع بورشه 3 حزيران/يونيو الماضي على التعاون في مشروع السيارة الرباعية الدفع الترفيهية Sports Utility Vehicle, SUV. بطبيعة الحال، لن تسعى بورشه الى تحقيق مبيعات ضخمة من الموديل الذي ستتولّى تطويره في مقابل تولي فولكسفاغن جانب إنتاجه. فمن المئة ألف وحدة التي ستُنتج سنوياً، ستُخصص نحو عشرين ألف وحدة لبورشه، لتعود البقية الى مجموعة فولكسفاغن التي قد تسوّقها عبر أكثر من ماركة واحدة لديها. ولا يُستغرب عدم سعي بورشه الى بيع كميات ضخمة من الرباعي الدفع لأنها لا تستطيع تهديد نخبوية موديلاتها الرياضية الأخرى بصورة "عاميّة" في أي قطاع آخر من السيارات. ومن نحو 38 ألف سيارة أنتجتها بورشه في السنة الماضية، تتضح أهمية العشرين ألف وحدة الإضافية مع الرباعي الدفع المقبل، لا للصانع وحده، بل خصوصاً لوكلائه وموزّعيه الذين سيزيدون حجم تبادلهم التجاري مع موديل من قطاع جديد عليهم. أخيراً، لا تتوقّع من بورشه سيارة رباعية الدفع كغيرها، بل سيارة ستخصّها بمحرّكها الخاص وبعلبها وتجهيزاتها وأنظمة تعليقها الخاصة بها أو على الأقل، بعيارات خاصة بها، لتمييزها تماماً عن أي عروض منافسة في هذا القطاع. بي إم ف وواقع روفر في الجانب الألماني الأقل لمعاناً، لا تبدو مجموعة بي إم ف قريبة من نهاية "نفقها" الإنكليزي. فإن كان رونق الماركة الألمانية لا يزال يتمتّع بكامل زخمه ونموه، يبقى أن رداءة مستويات الإنتاجية لدى مجموعة روفر التي إشترتها بي إم ف في 1994، لا تزال تمتص قسماً لا يستهان به من ثمار نجاح الماركة الألمانية نفسها. صحيح أن قوة الجنيه الإسترليني تنال من تنافسية الماركة الإنكليزية التاريخ، لكن الجنيه ليس مسؤولاً عن نتائج الدراسة التي أظهرت لمؤسسة "إيكونوميست إنتليجنس يونيت" حلول مصنع روفر في لونغ بريدج حيث تنتج روفر "200" و"400" في أدنى مستويات إنتاجية مصانع أوروبا مجتمعة، ما يجعل من موديل روفر "75" الذي سيُطلق الربيع المقبل، محك إستمرار روفر في المستقبل. وبينما ذكرت مصادر عدة أن روفر تتكل على موديل "75" الجديد سيحل محل موديلَي "800" المبني على قاعدة هوندا "ليجند" قديمة، و"600" المبني على قاعدة هوندا "أكورد" السابقة لتجاوز خسائرها إبتداء من العام 2000، ثمة مصادر أخرى أشارت الى أن الموديل لن يحقق للصانع أي ربح قبل سنوات عدة! تبقى القصة مختلفة طبعاً لدى لاند روفر التي لا تزال تمثّل المبرر الحقيقي لشراء بي إم ف لمجموعة روفر بكاملها أساساً. هل إنتهت روفر؟ حكماً لا. فإذا كانت ماركات حديثة العهد، مثل سيات، قادرة على التفاؤل بجدارة، خصوصاً وهي مدعومة من صانع بقوة فولكسفاغن، ليس التاريخ هو الذي ينقص ماركة عُرفَت مثل روفر بجاذبية موديلاتها الماضية، ولا الدعم الألماني من مالكة مثل بي إم ف. ما ينقص روفر هي جرأة مواجهة الواقع لإعادة ترتيب صورتها وموقع ماركتها وموديلاتها بين منافساتها تبعاً لقيمتها اليوم، وليس إتكالاً على صورة موديلاتها الماضية، إضافة طبعاً الى معالجة نفقات إنتاجها قد لا تبرر حجة قوة الجنيه الإسترليني أبعاد مشكلة روفر كلها، والبرهان هو عدم تشاؤم جاغوار مثلاً بل تفاؤلها القوي على عتبة إطلاق موديل "إس تايب" الذي سيُنتج في إنكلترا أيضاً. وتلك خطوات مؤلمة لأي صانع، لا لروفر وحدها. إضرابات ويأخذنا موضوع إعادة التنظيم مباشرة الى جنرال موتورز، رائدة صانعي السيارات في العالم من حيث ضخامة الإنتاج، التي أعلنت حديثاً إعادة تنظيم هيكليتها. فبعد إضراب شلّ مختلف مصانعها مباشرة أو غير مباشرة خلال أكثر من شهرين من 11 حزيران/يونيو الى أوائل آب/أغسطس الماضيين، وكلّفها نحو 2.1 بليون دولار منها نحو 64 مليون دولار في عملياتها في أميركا اللاتينية، وفي إفريقيا والشرق الأوسط، قررت الشركة الأميركية إعادة تنظيم عملياتها في إتجاه مزيد من العولمة. وقد إنطلقت شرارة الإضراب الأولى في 5 حزيران يونيو الماضي من مصنع تكبيس الألواح الفولاذية في فلِنْت، قبل أن يتعمم على معظم مصانع جنرال موتورز. أهم حجج العمال المضربين كانت مخاوفهم من تضاؤل إستثمارات جنرال موتورز في بعض مصانعها الأميركية، وبالتالي من تحويل قسم متزايد من الإنتاج الى بلدان أقل كلفة مثل المكسيك. طبعاً، كانت هناك أيضاً مطالب تحسين شروط العمل والظروف الصحية، لكن القلق الأساسي كان إنتقال قسم متزايد من العمل الى الخارج. وبعد الإتفاق على ضمانات متبادلة بين الجهتين، سارعت جنرال موتورز الشهر الماضي الى إعلان خطة إعادة تنظيم تدمج عملياتها الدولية والأميركية الشمالية برئاسة ريتشارد واغونر رئيس عمليات أميركا الشمالية الذي أصبح الرئيس والأقرب الى مركز القيادة لخلافة رئيس مجلس الإدارة جاك سميث. أما لو هيوز، رئيس العمليات الدولية فأصبح نائب الرئيس التنفيذي لإستراتيجيات العمل الجديدة. طبعاً، الهدف الرئيسي من العملية هو زيادة العولمة وخفض النفقات ومنها البيروقراطية بتحسين التنسيق بين فروع جنرال موتورز في العالم. كوريا الجنوبية وفي آسيا لا تزال إنعكاسات الأزمة المالية تتفاعل منذ عامين، فشهدت كوريا الجنوبية في السنة الجارية أهم التغييرات البنيوية منذ مضيها أهم خطوات رهانها في صناعة السيارات في العقدين الماضي والحالي. فالترميم البنيوي ماضٍ على قدم وساق، تحت وطأة شروط البنك الدولي من جهة، وضرورات خفض عدد اللاعبين من جهة أخرى، حتى إنضوت كيا تحت جناح هايونداي حديثاً بعد سانغيونغ لدى دايوو، بينما وقّعت الأخيرة في شباط فبراير الماضي إتفاق تفاهم مع جنرال موتورز. وكانت دايوو وافقت أواخر 1997 على ضم حصة مجموعة سانغيونغ في سانغيونغ موتور كومباني 53$، ومعظم المتبقي يعود الى مستثمرين أفراد بتسديد 8.58$ من ديون سانغيونغ موتور كومباني تسدد مجموعة سانغيونغ المتبقي البالغة قيمتها 6.1 بليون دولار، وبعد مهلة عشر سنوات. وتمّت عمليّة الضم بمباركة ديملر-بنز التي، إن لم تملك في سانغيونغ موتور كومباني أكثر من ثلاثة في المئة، فهي تزوّدها عدداً من المحرّكات وعلب السرعات. وفي شباط فبراير الماضي وقّعت دايوو مذكّرة تفاهم مع جنرال موتورز للتعاون في مجالات عدّة منها التقني و/أو التصنيعي و/أو التوزيعي المشترك، في كوريا الجنوبية وخارجها. ويُشار الى أن المذكّرة كانت ثمرة تفاوض الطرفين منذ 1996، علماً بأن جنرال موتورز كانت تملك خمسين في المئة من دايوو موتورز 1978-1992 حتى شراء الكوريين تلك الحصة من الأميركيين خريف 1992 لقاء 170 مليون دولار. وكانت هايونداي شهدت إضراباً إستمر من 27 أيار مايو الى 25 آب أغسطس الماضيين، إحتجاجاً على قرار خفض عدد العمّال. ومع أن العمّال كسبوا ظاهرياً خفض عدد المسرّحين من 4830 عاملاً كما ورد في إعلان الشركة في أيار أولاً، الى 1538 في إعلان أواخر تموز يوليو، ثم الى 277 وظيفة رضيت النقابات بها أخيراً لفك الإضراب، فواقع الأمر هو أن هايونداي سبق أن سرّحت فعلياً 8171 عاملاً عبر برامج تقاعد مبكّر عشرة شهور رواتب ومبالغ ترضية أخرى، و1669 آخرين تركوا لفترة محددة من دون تقاضي رواتب، ثم ال277 أخيراً. ويُشار الى أن البطالة طالت 5.1 مليون شخص في البلاد منذ بداية الأزمة الآسيوية التي إستدعت إعادة تنظيم الإقتصاد حسب شروط صندوق النقد الدولي أواخر العام الماضي، قبل إمداد كوريا الجنوبية بمساعدة مجموعها 35.58 بليون دولار