هل انتهى قائد "ثورة الجياع" الشيخ صبحي الطفيلي بالمعنى السياسي للكلمة، بعد صدور استنابة عن النيابة العامة العسكرية بملاحقته من اجل توقيفه؟ وهل يكفي "العلاج الأمني" الذي اضطرت اليه قيادة الجيش اللبناني لمنع حدوث صراع دموي بين مناصري الأمين العام السابق ل "حزب الله" من جهة ومؤيدي الحزب من جهة أخرى يمكن ان يمتد الى خارج منطقة البقاع للقول ان الظاهرة التي مثلها في طريقها الى التراجع والإنكفاء، ام انه يحتاج الى علاج سياسي يقضي بالالتفات الى إنماء المناطق المحرومة، وبينها بعلبك - الهرمل؟ وهل تعني النهاية السياسية للشيخ الطفيلي ان "حزب الله" خرج منتصراً من المواجهة السياسية، ام انه اصيب بجروح سياسية تتطلب منه العمل لتضميدها، وإن كان احسن الانسحاب من الصراع الدموي ولو على حساب كرامته ومعنوياته؟ في الإجابة عن هذه الأسئلة، ثمة من يقول أن الشيخ الطفيلي لم يحسن قراءة المرحلة على رغم النصائح السياسية التي أسديت له، بوجوب حصر تحركه في الإطار المطلبي وعدم الذهاب بعيداً في التصعيد على نحو يفقده كل أشكال التحسس مع مطالبته الإجتماعية والإنمائية خصوصاً بعد منعه الوزراء من دخول المنطقة. وفي هذا الإطار، قال قطب سياسي بقاعي ل "الحياة" ان الشيخ الطفيلي "الذي يعرف عنه عناده السياسي لا يقيم اي وزن للمنحى الإقليمي والتطورات الخارجية المحيطة بلبنان، وهذا ما دفعه الى الإندفاع اكثر من اللزوم على طريق احراق مراحل الصراع القائم بينه وبين الحزب، على رغم التحذيرات التي تلقاها من وسطاء نصحوه بعدم "تكبير الحجر" الذي سيظهره في نهاية المطاف كأنه يتمرد على الدولة ويهدد هيبتها وسلطتها ما يتسبب لها بالإحراج في اكثر من منطقة، وهذا ما لا تسمح به". وأضاف: "لم يكن في مقدور الدولة التصدي للشعارات المطلبية التي رفعها الشيخ الطفيلي في بداية تحركه، قبل ان يبتعد تدريجاً عن المعركة المطلبية ليدخل في نزاع مباشر مع الحزب وفي مواجهة مباشرة مع الحكومة التي لم يعد في مقدورها الوقوف مكتوفة حيال تحديه الدائم لها"، ملاحظاً "ان الاعتراض البقاعي لم يكن على المطالب وإنما على الاسلوب التصعيدي الذي اتبعه الشيخ الطفيلي، وصولاً الى تهديد وحدة "حزب الله" الذي يشكل رأس حربة في مواجهة الاحتلال الاسرائىلي، خصوصاً في ظل التعقيدات التي تعيشها المنطقة بسبب استمرار التعنّت الاسرائيلي"، مشيراً الى "ان حماية المقاومة ودعمها شكّلا نقطة التقاء سورية - إيرانية لم يحسن الطفيلي قراءتها بدقة من خلال قراءته مجمل التطورات في المنطقة التي تفرض عليه مراجعة حساباته وإعادة النظر في مواقفه التي اقتربت من خرق السقف الأمني". خرق السقف واعتبر المصدر ان الشيخ الطفيلي "لم يعرف كيف يوظف تحركه السياسي في اطار حركة سياسية جديدة يمكن ان تتعايش مع القوى السياسية الاخرى، لو لم يسارع الى خرق السقف الذي افقده الغطاء السياسي الى جانب عطف الآخرين ممن أيّدوه في بداية دعوته الى ثورة الجياع". ورأى "ان تمادي الشيخ الطفيلي في اللجوء الى التصعيد السياسي على نحو يهدد التوازنات السياسية ومن خلالها الاستقرار السياسي والأمني في منطقة مثل البقاع تعتبر العمق الأمني لسورية ومن دون ان يحسب الحساب للخطوات التي يدعو اليها، كان وراء تسرّعه في جرّ منطقة بقاعية الى مواجهة ليست في محلها. ثم ان الظروف الطارئة في المنطقة لا تسمح له بإضعاف ورقة المقاومة التي تعتبر ورقة اساسية في المفاوضات سواء استؤنفت او بقيت مجمّدة، خصوصاً ان الجميع يعرف دور الحزب في مقاومة الاحتلال والتصدي له"، مؤكداً ان الشيخ الطفيلي "هو الذي اشترى المشكلة واندفع يبحث عنها، بدلاً من ان يتخذ قراره بالتكيّف كأساس للتعايش مع المرحلة الراهنة". ولاحظ: "من هنا اعتقد الشيخ الطفيلي ان الجميع، وفي المجال السياسي بالذات، يعمل من اجله، وتابع زحفه السياسي من دون ان يتخذ المبادرة التي تفرض عليه مراجعة حساباته ومواقفه الى ان اسقط نفسه في المحظور السياسي والأمني واختار لشخصه التوقيت الذي اخرجه من المعادلة وإنما بملء إرادته". وأوضح القطب السياسي: "ان موقف دمشق كان واضحاً منذ بداية تحرك الشيخ الطفيلي، ومفاده: فلتتخذ الدولة القرار ونحن معها، ناصحة بضرورة استيعاب التحرك من خلال الإسراع في تنفيذ المشاريع في البقاع التي تكفل انتزاع الذرائع منه". وأضاف: "لم يكن في مقدور الجيش سوى التدخل لمنع المواجهة داخل الحوزة الدينية بين انصار الطفيلي والحزب، التي كانت ستنتقل في حال وقوعها الى مناطق اخرى من لبنان. فالحزب تعاطى مع تدخل الوسطاء بإيجابية وانفتاح وطلب من محازبيه إخلاء الحوزة على وجه السرعة، خصوصاً انه كان على يقين ان المواجهة في حال حصولها ستنتقل الى اماكن اخرى. لذلك اختار لنفسه ان يخرج جريحاً بالمعنى السياسي، بدلاً من ان يُستدرج الى صدام دموي لن يكون لمصلحته بصرف النظر عن النتائج المترتبة على الصدام، الذي سيُدخل المنطقة في جولة جديدة من الثأر العشائري. لذلك فإن حساب الشيخ الطفيلي لم يكن في محله لجهة الدخول في عناد سياسي يستدعي تدخل دمشق وطهران على طريق وضع ملف الحزب على طاولة البحث، وكان يعتقد ان التعاطي معه في هدوء يعني ان لديه القدرة على قلب المعادلات السياسية رأساً على عقب، الى ان أيقن من خلال الخطوة التي أقدم عليها ان تقديراته السياسية كانت مناقضة لكل المعطيات المحلية". وأكد القطب السياسي "ان الجيش لم يتدخل لمصلحة اي من المتنازعين، بمقدار ما انه تدخل لمنع وقوع الصدام المسلح، وأن الدولة نجحت في الحفاظ على هيبتها في البقاع بعدما حاول الشيخ الطفيلي تهديدها. وقد أثبت الجيش قدرتها على تثبيت الأمن على رغم انه كان يتوخى التوصل الى حل سلمي ينهي الإشكال ويعيد الأمور الى نصابها". واستبعد "ان يكون من دور للغطاء الإقليمي وبالتحديد السوري - الإيراني في استعجال ضربة لوقوعه في خطأ الحسابات". وقال: "ان الشيخ الطفيلي لم يدرك ان لا حصانة سياسية لمن يقوم بخرق السقف الأمني، اذ ان الحصانة السياسية لا تتيح له تجاوز الخطوط الحمر وصولاً الى تهديد الأمن والإستقرار". وأكد "ان الشيخ الطفيلي خلط بين سقف المطالب التي تؤمّن له حركة سياسية إعلامية والسقف الأمني الذي يحظر على اي كان تهديده، ولو كان يعمل تحت سقف اقليمي، لكان وضعه عرضة للمساومة ولا يواجه في شدة لدى محاولة تجاوز السقف الأمني الذي يدخل المنطقة في وضع غير طبيعي". وختم: "ظن البعض اسوة بسواهم في السابق ان الطفيلي يتمتع بغطاء اقليمي يقيه المخاطر، وأن الامر التبس على هؤلاء عندما اعتقدوا ان سقف الحركة السياسية يتيح له القيام بما عجز عنه الآخرون ما دفعه الى ارتكاب الخطأ الأكبر".