يتطلب الأمر خمس ثوان فقط من أجل الحصول على البطاقة اللازمة حين الوصول الى مكتب الاستقبال في مهرجان برلين السينمائي. في المقابل تستغرق العملية نفسها خمس دقائق في مهرجان "كان"، لكنها تتطلب يوماً كاملاً في مهرجان القاهرة ويومين في مهرجان قرطاج. هناك شعور دائم في برلين أن الوقت من ذهب وبالتالي لن يسمح المهرجان لنفسه باضاعة وقتك لمجرد أن بطاقة لم تحضر مسبقاً أو حجراً لم يتم أو تفصيلة ضلت طريقها بين الأوراق فانتهت الى ملفات أخرى. مهرجان يستقبل نحو ألف صحافي وقرابة 300 سينمائي ويسير كالساعة السويسرية. وهذه حاله منذ أن بدأت أتردد عليه قبل تسعة عشر عاماً. وهو في دورته الثامنة والأربعين يحشد، بلا عناء ظاهر 250 فيلماً من سبعين دولة. وليس من بينها دولة عربية، وحتى الفيلم الوحيد الناطق بالعربية عنوانه "درب التبانة" لعلي ناصر مقدم باسم اسرائيل. بدأ زمن الادعاء بأن السينما الاسرائيلية تستطيع تقديم أفلام لمخرجين فلسطينيين. وهو ادعاء غير أجوف، بل يحدث للمرة الثانية بعد فيلم ايلي سليمان "مفكرة الاختفاء" قبل عامين، ودليله مرتسم على الشاشة. وهذا أفضل من عدم وجود فيلم ناطق بالعربية على الاطلاق ولو أنه دعاية في غير محلها. وأفضل من سينما عربية أخرى بات ظهورها في المحافل أقل من ذي قبل بسبب ضيق ذات اليد وضيق الأفق أيضاً. الدورة الثامنة والأربعون لهذا المهرجان تحشد تيارات مختلفة كما العادة. وهناك 12 فيلماً ناطقاً بالانكليزية في أفلام العروض الرسمية ال 25، اشارة الى ازدياد على مستويين: نسبة الأفلام الأوروبية التي تنتج باللغة الانكليزية من ناحية، ونسبة الأفلام الأميركية من ناحية ثانية. هناك تذمر بين السينمائيين الألمان الذين يشيرون في أحاديثهم الى أن السينما الألمانية تشهد داخل المانيا نهضة كبيرة إذ تحتل اليوم سبعة عشر في المئة من مساحة السوق الباقي للأفلام الأميركية، ومع ذلك يضن المهرجان عليها فلا يختار سوى فيلم واحد "الشجرة الكبيرة" ليمثلها. هذا السؤال وجهته مع اسئلة أخرى الى رئيس المهرجان موريتز دي هادلن فابتسم واكتفى بالقول: "ستبحث الصحافة الألمانية عن أي شيء لنقد المهرجان...". هناك فيلم واحد أيضاً من كل من اسبانيا وايطاليا والدنمارك وهولندا وروسيا، وأربعة من بريطانيا وثلاثة من فرنسا. أما السينما الأميركية فتقدم تسعة أفلام جديدة، اثنان خارج المسابقة والباقي داخلها. وهناك أفلام من البرازيل واليابان وتايوان وهونغ كونغ والبرازيل من أجل تأمين عالمية الحدث. الأفلام الأميركية والفرنسية والبريطانية مرغوبة لأكثر من مجرد العرض فقدوم النجوم السينمائيين من هذه الدول ضروري لجذب الأضواء الى المهرجان وتقديم ما يجذب المؤسسات الإعلامية، متلفزة أو مطبوعة، اليه. وفي هذا النطاق وصلت ايزابيللا روسيليني عن فيلم "حقائب مفتوحة" أول فيلم نشاهده هذا العام هنا عن موضوع الهولوكوست، ومات دامون وبن أفليك عن "ويل هانتينغ الطيب"، ودانيال داي لويس وايميلي واتسون عن "الملاكم" الفيلم الأميركي/ الارلندي الذي افتتح به المهرجان. ومن المقرر خلال الأيام القليلة المقبلة وصول ستيفن راي، فيونا شو، بيير أرديتي، سابين أزيما، جولي وولترز، بام غرير، سامويل جاكسون، ايثان هوك، غوينيث بالترو، آن بانكروفت، داستين هوفمان، جون هيرت. ووصلت الممثلكة كاترين دونوف لحضور تكريمها الذي يتضمن عدداً من أفلامها القديمة مثل "جميلة النهار" و"العفة والرذيلة"، "اندوشين"، "حسناء المسيسيبي" وغيرها. ويقود لجنة التحكيم الممثل البريطاني بن كينغلسي. وكان من المفترض وصول روبرت دي نيرو لثمان وأربعين ساعة بسبب اشتراكه في فيلمين هما "جاكي براون" لكوينتين تارانتينو و"واغ الكلب" لباري ليفنسون، لكن يدور في أرجاء المهرجان أنه سيتفادى مواجهة صحافيين سيتجاهلون دوريه في الفيلمين وسيصبون أسئلتهم حول الفضيحة التي يواجهها في باريس حول قضية دعارة.