ارتسمت ثلاثة خيارات أمام الحكومة الاسرائيلية في شأن معالجة الوضع المتفجر في جنوبلبنان، واعتبر خبراء عسكريون ان الشريط الحدودي المحتل بات "معضلة استراتيجية" لاسرائيل على المستويين العسكري والسياسي. وقدم رؤساء الاجهزة الأمنية والعسكرية الاسرائيلية، امس، توصياتهم في شأن جنوبلبنان الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، قبل ان يرأس اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري المصغر، هو الأول في سلسلة اجتماعات أعلن انها ستخصص "للبحث في الخيارات المطروحة للخروج من الجنوب" في ضوء عجز الجيش الاسرائيلي عن الرد على الهجمات المسلحة التي تشنها المقاومة اللبنانية ضده وازدياد خسائره البشرية. وأوصت المؤسسة العسكرية في اسرائيل، وعلى رأسها وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش اسحق موردخاي وشاؤول موفاز، بعدم الانسحاب من جنوبلبنان "من دون التوصل الى اتفاق أمني مع سورية ولبنان". وأوصت قيادة أركان الجيش الاسرائيلي في الوقت ذاته بپ"إدخال بعض التعديلات التكتيكية وأساليب النشاطات العسكرية" لمواجهة ما اعترفت به من "تطور كمي ونوعي ملموس" لنشاطات حزب الله في المنطقة أودى بحياة سبعة عسكريين اسرائيليين في ثلاث هجمات نُفِّذت خلال الاسبوعين الأخيرين. وقال موفاز في تصريحات صحافية ان "قيادة الجيش للمنطقة الشمالية" ستنجح في ايجاد سبل لمواجهة العبوات الناسفة الجانبية التي يزرعها مقاتلو حزب الله في مواقع متقدمة للجيش الاسرائيلي، مثلما وجدت الحل للصواريخ المضادة للدبابات التي استخدمها مقاتلو حزب الله قبل شهور. وترى المؤسسة العسكرية الاسرائيلية أن أي انسحاب اسرائيلي منفرد من جنوبلبنان "سيؤدي الى زيادة عمليات حزب الله وسيلزم الجيش الاسرائيلي بالدخول مرة اخرى للاراضي اللبنانية ومن شأنه ان يفاقم الوضع مع سورية". وأيّد الرئيس الاسرائيلي عيزرا وايزمن وجوب التوصل الى اتفاق مع كل من سورية ولبنان قبل سحب القوات الاسرائيلية من الجنوب. وقال خلال زيارته لعائلة أحد الجنود الاسرائيليين الذين قتلوا أخيراً انه يدعم انسحاباً اسرائيلياً من لبنان، ولكن يجب ضمان أمن المستوطنات اليهودية في شمال اسرائيل. ودعا وايزمن الرئيس السوري حافظ الأسد للعودة الى طاولة المفاوضات كما فعل في مؤتمر مدريد. الا ان وزير الخارجية الاسرائيلي أرييل شارون أكد رفضه القاطع ربط حل المسألة اللبنانية باستئناف المفاوضات مع سورية. وقال في تصريحات صحافية امس: "لا يجوز ربط عملية التفاوض مع سورية بما يحدث في جنوبلبنان" معتبراً ان عدم الفصل القاطع بين المسألتين سيجعل من التجمعات السكنية في الشمال والجنود الاسرائيليين في جنوبلبنان "رهائن بأيدي حزب الله وسورية". وأبدى وزيران اسرائيليان، موشيه كتساف وأفيغدور كهلاني، تأييدهما لاقتراح شارون القاضي بانسحاب عسكري تدريجي منفرد من جنوبلبنان تحمل اسرائيل خلاله الحكومة اللبنانية مسؤولية استمرار هجمات حزب الله وتوجيه "ضربة عسكرية شديدة" في العمق اللبناني، في حال عدم ضمان الحكومة اللبنانية أمن المستوطنات اليهودية والمواقع العسكرية الاسرائيلية التي لا ينسحب منها الجيش في المرحلة الأولى. وأعلن شارون أكثر من مرة ان خيار وزير الدفاع موردخاي التوصل الى تسوية سياسية مع سورية ولبنان تشمل الاتفاق على ترتيبات أمنية "لن تفضي الى شيء وعليه يجب على الجيش الاسرائيلي ان يعمل منفرداً لضمان هذه الترتيبات". وسيناقش المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية ثلاثة خيارات "أحلاها مرّ"، كما وصفها اكثر من مسؤول اسرائيلي: 1- تشديد القتال وتوسيع رقعته في لبنان ليشمل الشمال اللبناني وأهدافاً سورية عسكرية واقتصادية فيه. 2- الانسحاب المنفرد من جنوبلبنان. 3- الدخول في مفاوضات شاملة مع دمشق وبيروت على هضبة الجولان وجنوبلبنان معاً وهذا ما تؤيده الادارة الاميركية. وقالت مصادر صحافية اسرائيلية ان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت نقلت رسالة بهذا المضمون الى الحكومة الاسرائيلية، أمس الاحد، وطالبت في الوقت ذاته تل أبيب بضمان "الهدوء" على الحدود الشمالية. وعزا الخبير العسكري الاسرائيلي زئيف شيف "المعضلة الاستراتيجية" التي تعاني منها اسرائيل الى "عدم قدرة الجيش على حسم المعركة ضد حزب الله". وقال شيف الذي وجه انتقادات شديدة غير اعتيادية للجيش الاسرائيلي ان "منظمة عصابية صغيرة وصلت أمام اسرائيل الى حال من الردع المتبادل" اذ انها نجحت في جعل مستوطنات الشمال "رهينة" فلا يستطيع الجيش الاسرائيلي فيه توجيه ضربات عسكرية للبنية التحتية الاقتصادية اللبنانية خشية تنفيذ حزب الله تهديدات بضربها. ولكن التشويش الذي تعيشه الذهنية السياسية والعسكرية في اسرائيل على حد سواء لن يتوقف في المرحلة الحالية على ما يبدو، وستعمد الحكومة الاسرائيلية وعلى رأسها بنيامين نتانياهو، الى مواصلة "البحث الجذري" لحل المسألة اللبنانية كما قال، الى ان ينسى المجتمع الاسرائيلي ما حدث في الاسبوعين الأخيرين، وتبقى الحال على ما هي عليه في الجنوباللبناني.