الروس يذكرون اسمه في مخاطباتهم وأحاديثهم اليومية. لغتهم غنية بعبارات مأخوذة من شعره. اطفالهم، بدءاً بالسابعة، يحفظون قصائده. مسرحياته، والاوبرات والباليهات التي اشتُقت من أعماله، تشكل العمود الفقري للجسم الفني الروسي. هكذا فبوشكين جزء لا يتجزأ من الحس الوطني بالهوية الروسية، حتى أن الاعتداء على تمثال له، في 1989، في جمهورية سوفياتية سابقة، هو ما نظر اليه معظم الروس آنذاك ك"عدوان انفصالي". المفارقة الكبرى في ما يتصل ببوشكين هي التالية: بينما يعرف الكثيرون تفاصيل حياته القصيرة والتراجيدية، فإن أي سيرة مرجعية عنه لم تظهر، لا بالروسية ولا بغيرها من اللغات. صحيح ان انّا أخماتوفا وفلاديمير نابوكوف كتبا عنه، الا أنهما كتبا أساساً عن شعريته لا عن طبيعته وسيرته كإنسان، وهي المهمة التي لا بد من انجازها قبل حلول الذكرى المئوية الثانية لولادته قريباً: في أيار مايو 1999. المهمة بدأت تُنجَز على أية حال. فهناك ثلاثة كتب ما بين سِيَر ودراسات تتهيأ للظهور بالانكليزية، هذا فضلاً عما تتم تهيئته في روسيا. الكتاب الأهم، بحسب مراجعة مجلة "إيكونوميست"، هو لإلان فاينشتاين: "بوشكين" فايدنفلت ونيكلسون، 309 صفحات. وفاينشتاين، وهي نفسها شاعرة ودارسة للأدب الروسي، لم تحملها المئوية الثانية على كتابة كتابها. ما دفعها، في المقابل، هو نشر رسائل اكتُشفت مؤخراً تبادلها جورج دانثِس، الضابط الذي قتل بوشكين في مبارزة بينهما، والرجل الذي يُعتقد أنه أبوه بالتبني البارون فان هيكّرِن. ويبدو ان هذه الرسائل تكشف الكثير من الأمور الشخصية في حياة الشاعر الكبير الذي تعاطفت معه الكاتبة، لا بسبب شعره، بل اساساً بسبب طفولته. فمن المعروف ان بوشكين ولد لعائلة أصابها الفقر بعد غنى وعراقة، وكانت طفولته بائسة وبالغة المرارة. لقد أحس أنه بشع ومرفوض من أبويه اللذين كرها لون بشرته الداكنة وردوها الى سلف قديم كان عبداً قبل ان يمنحه بطرس الاكبر حريته. ثم ان بوشكين لم يتفوق في المدرسة، مع ان حساسيته تجاه اللغة بدت، منذ سن مبكرة، خاصةً ومتّقدة. ففي الثامنة شرع يكتب شعراً فرنسياً كلاسيكياً، وكان قد حفظ الخرافات والاساطير الروسية، الطويلة والمعقدة. ويبدو أن عنصر الطفولة هو ما حمل الكاتبة على تشبيه بوشكين الطفل بموزارت الطفل، والمقارنة بينهما.