شدّد الرئيس اللبناني أميل لحود، في خطاب القسم امس، على احترام القانون وتطبيقه. وتناول الأولويات التي يريدها اللبنانيون، خصوصاً القضاء النزيه والشفافية المالية، ومحاربة الفساد، موضحاً انه لتحقيق ذلك يملك النية والارادة لا عصا سحرية. وانتقد من اعتبر في الماضي العلاقة مع سورية مراهنة مرحلية أو مسايرة، معتبراً اننا وسورية "نقوى معاً ونضعف معاً". ورأى "ان سورية تريد الخير للبنان وتدعم الدولة اللبنانية من دون حدود، فهلا عرف اللبنانيون انيوظّفوا هذا الدعم لبناء دولتهم ومؤسساتهم، فيحبهم الناس ويحبون سورية من خلالهم، بدلاً من توظيف هذا الدعم لانفسهم فيدينهم الناس ويُساء الى سورية؟". واعتبر "ان القضية الوطنية الكبرى هي الجنوب"، مشدداً على تلازم المسارين اللبناني والسوري في المفاوضات، ومنتقداً طروحات اسرائيل لفصلهما. ودعا اللبنانيين الى عدم الاستعجال في اصدار الاحكام على الوجوه والاسماء، وقال "انتظروا الممارسة". وهنا نص خطاب القسم: "يوم أولاني هذا المجلس الكريم ثقته الغالية بانتخابي رئيساً للجمهورية، وفي خضم ردات الفعل المفعمة بالآمال والمؤيدة لهذه الثقة، اختلطت لدي مشاعر الامتنان بحسابات المسؤولية، ووجدت انني، في بداية الطريق، مُطالب بالكثير، نعم، مطالب بالكثير، فحاولت استبعاد موجات القلق التي لم تهدأ الا حين قلت لنفسي: هذا موقع تستطيع فيه، على الأقل، ان تفعل شيئاً لوطنك، فاتكل على الله، واتّكلت. في وقفة كهذه، تجهز كل القضايا والمشكلات دفعة واحدة، حتى لتكاد تضيع الأولويات، ويحار المرء من أين يبدأ، وقد اخترت المصارحة بالأهم الذي هو أساس وجودنا حيث نحن، في الدولة، كسلطات ومسؤولين، عنيت به: احترام القانون وتطبيقه، نعم، احترام القانون وتطبيقه". واضاف "نحن في بلد، الجميع فيه، حكاماً ومحكومين، يشكون ويشككون. ذلك لان لغة القانون غائبة حيناً، ومغيبة احياناً. من هذه اللغة ابدأ، واليها انتهي. ابدأ من القسم الذي أديته أمامكم منذ لحظات، وتعهدت فيه احترام دستور الدولة والقوانين، وأجد ان رئيس الدولة هو الوحيد الذي يؤديه من بين السلطات، فأتساءل لماذا؟ وأجيب لان المشترع أراد ان يكون رأس الدولة تحت القانون، فلا يعود لاحد غيره ان يكون فوق القانون، وسأكون تحت القانون. إننا، كسلطات ومسؤولين، موجودون حيث نحن باسم القانون، فلا يجوز ان يغفل عنا، في أي وقت وظرف، وخصوصاً في قمة الشعور بعنفوان السلطة، اننا إنما نمارس ونطاع بقوة القانون لا بقوتنا، نعم بقوة القانون لا بقوتنا". وتابع "لا مستقبل لأحد في هذا البلد، حاكماً كان أم محكوماً، الا بقيام دولة القانون والمؤسسات، في ظل النظام الديموقراطي البرلماني، وكما تعلمون فان الناس يريدون التغيير، ولديهم اسباب معروفة ومحقة. وبمقدار ما هو مستحيل ان يتم ذلك دفعة واحدة، غير جائز الا تكون هناك بداية. فماذا يريد الناس؟". وأجاب "الناس يريدون منا، نحن الحكام والمسؤولين ان نحترم تمثيلهم في كل ما نقول، وقولنا مسؤول، وان نجسّد ذلك في كل ما نفعل، وفعلنا مسؤولية. وهم يريدون، وعن حق، قضاءً منزّهاً ومستقلاً عن كل انواع التدخلات والتأثيرات في أشخاصه وأحكامه، قضاءً يحسب حسابه الكبير، كما الصغير، نعم، قضاء يحسب حسابه الكبير، كما الصغير. ويريدون ادارةً تخضع لرقابة صارمة، وتتميز بالكفاية والنظافة، يديرها مسؤولون يكتسبون الحصانة من حسن الممارسة، لا من قوة الحماية السياسية والطائفية، يريدون ادارة يشترون منها الخدمات بالضريبة، لا بالرشوة والضريبة، نعم، يريدون ادارة يشترون منها الخدمات بالضريبة، و ليس بالرشوة والضريبة". وتابع لحود "الناس، كل الناس، يدركون عمق الازمة المعيشية، وحقهم حين نطلب منهم المساهمة في حلها، وهم مستعدون، حقهم ان يسألوا عن نوع السياسة الاقتصادية والمالية التي ترعاهم، وما هي اعباؤها، وكيف تراكمت، والى أين ستقود، ومن حقهم ان تكون لهم سياسة ضريبية متوازنة وعادلة تتوزّع فيها النسبة على الثروة، فلا يحمل المحتاج اعباء المقتدر. والناس يريدون ان تكون الانجازات خاضعة للقوانين والانظمة، بحيث يزول كل شك وشكوى، وحقهم ان يعرفوا كيف تُصرف واردات الضرائب، وكيف تُعصر النفقات، وكيف تنفّذ الالتزامات والمشاريع، وكيف تُدار الاملاك الرسمية، وكيف تُراقب الاموال العامة، مراقبةً الزامية مسبقة في صرفها ولاحقة في تنفيذها، وحقهم علينا ان نتقشف قبل ان نطلب منهم التقشف، وحقهم في الاجمال الا تكون الارقام سراً من اسرار الدولة، وحقهم وقبل اي شيء آخر، ان يروا كيف يكافأ الحريص والموفر، وان يروا كيف تقطع يد السارق اياً كان، والمهدر والمنتفع والمرتشي، نعم، وان يروا كيف تقطع يد السارق اياً كان، والمهدر والمنتفع والمرتشي". وقال "الناس ولا سيما جيل الشباب منهم، يريدون اهتماماً بالقضايا التربوية والاجتماعية والصحية والانسانية والبيئية: فلا يجوز ان يكون الفقر مانعاً للعلم والصحة والعمل، ولا يجوز ان يستمر الاجرام البيئي، وان يبقى مهجّر خارج أرضه وان ينسى المهاجر الوطن ولا يجوز رهن السياسة بالطائفية". واضاف "الناس، كل الناس، يريدون ان يعرفوا ما بيننا وبين سورية، نعم، يريدون ان يعرفوا. وحقهم، ولا سيما جيل الشباب منهم، ان تنجلي عندهم التساؤلات، وان يكون لديهم أجوبة. ولهم أقول: منذ اندلاع الحرب - الفتنة عام 75، كانت لسورية مبادرات متلاحقة وجدية لوقفها، وكانت هناك في المقابل مراهنات مضادة، انساق اليها البعض وحولت لبنان ساحة نزف واستنزاف. وأقول ايضاً، لكل من لا يعرف الحقائق وبالاخص لمن لا يريد ان يسمعها: لو أدرك اللبنانيون، ولا سيما منهم بعض من كان منهم مسؤولاً حينذاك، جوهر المبادرة السورية التي أطلقها الاخ الحقيقي للبنان الرئيس حافظ الاسد، لما استمر النزف والدمار الى الامس القريب. لقد كان خطأً سياسياً كبيراً في حق لبنان، ان تصرَّفَ البعض في الماضي على ان العلاقة مع سورية مراهنة مرحلية نستعين بها عندما نضعف ونطعنها عندما نقوى، أو نسايرها حين تقوى وننكرها حين تضعف، متجاهلين اننا إنما نقوى معاً أو نضعف معاً.ان علاقتنا بسورية علاقة تاريخ وأرض وشعب، فلا يمكن ان تكون مراهنةً أو مسايرة، بل هي مصير وخيار. وتجربتي في بناء الجيش زوّدتني الايمان والبرهان ان سورية بقائدها وشعبها وجيشها، تريد الخير للبنان، وتدعم الدولة اللبنانية من دون حدود، فهلا عرف اللبنانيون، في موقع الحكم والسلطة، ان يوظفوا هذا الدعم لبناء دولتهم ومؤسساتهم، فيُحبهم الناس ويحبون سورية من خلالهم، بدلاً من توظيف هذا الدعم لانفسهم، فيُدينهم الناس ويُساء الى سورية؟". واعتبر ان "أكثر ما يريده اللبنانيون هو الجنوب، وأهل الجنوب، نعم، الجنوب، وأهل الجنوب. فمن هذا المنبر أحيي الصامدين والمقاومين، أحياء وشهداء، والداعمين لجيشهم في مواجهة الاحتلال الاسرائىلي. ولهم أقول: ان القضية الوطنية الكبرى هي أنتم، وإزالة الاحتلال عنكم. لقد آمن لبنان بان السلام العادل والشامل والدائم هو خيار استراتيجي وحيوي، وشارك من هذا المنطلق في مؤتمر مدريد على اساس تنفيذ قرارات الاممالمتحدة، ومبدأ الارض في مقابل السلام. وها قد مضت سنوات على هذا المؤتمر، واسرائيل لا تزال تستفرد الاطراف العرب لتقيم مع كل واحد منهم نصف سلام، نعم، نصف سلام، يوحد اسرائيل، ويقسم العرب. وجردت اسرائيل خلال المرحلة الماضية حملة سياسية وإعلامية واسعة، لاظهار ان لبنان يرفض انسحابها من أرضه وفقاً للقرار الرقم 425. اما الواقع، فهو ان لاسرائىل مفهوماً خاصاً لتنفيذ هذا القرار لا ينسجم مع المصلحة اللبنانية والكرامة الوطنية. لذلك كان جوابنا اننا نرفض اعطاء ضمانات وترتيبات لانسحاب يريح اسرائيل على حسابنا، وقلنا ان الضمانات من اي نوع كانت وللجميع إنما تكون من خلال السلام، كل السلام، لا نصف السلام. فكل السلام بمفهومنا يعني ان للبنان مصلحة وطنية عليا ثابتة ودائمة ومصيرية تقضي، اياً تكن الظروف والاعتبارات، بتلازم المسار مع سورية على قاعدة الانسحاب الاسرائىلي الشامل من الجنوب اللبناني والبقاع الغربي والجولان على حد سواء، وفقاً لقرارات الاممالمتحدة، وحينذاك يكون سلام بكل ظروفه ونتائجه على الجميع، بما فيها الأمن والمصالح الاخرى". وتابع "ان الدول العربية الشقيقة المشكورة في كل ما قدمت للبنان ماضياً وحاضراً، هي خزان المحبة والأخوة والدعم الذي نعتمد عليه لمواجهة الاعباء المترتبة على الاحتلال الاسرائىلي وللنهوض بمسيرة الاعمار والتنمية. ولبنان المعافى رصيد لكل العرب، وكما هم مساهمون في عافيته، كذلك ابناؤه يعتبرون كل بلد عربي بلدهم. وأتطلع بأمل الى ان يظل لبنان في اهتمام اخوته العرب، بما يخفف عنه تراكمات الدمار الماضي واعباء المرحلة الراهنة والمقبلة. وأتطلع الى التعاون مع دول العالم الصديقة، وأخص بالشكر تلك التي دعمت لبنان في مجالات الخبرة والاقتصاد والمشاريع والتنمية، وتلك التي تدعمه في المحافل الدولية، آملاً ان يكون مفهوم السلام العادل والشامل هو لغة التعاون التي على أساسها نبني المستقبل". وختم "أريد ان أعرف الناس اننا في نظام ديموقراطي برلماني، يخضع فيه التغيير لمقاييس وأصول، وتخضع فيه السلطات لمبادىء وأحكام، تحدد الصلاحيات لكل منها وفي ما بينها، اذ يستحيل على احداها منفردة ان تحدث التغيير المرتجى. لذلك أقول للناس: أنا لا ادّعي ان لدي عصا سحرية تلبي الآمال بين ليلة وضحاها، لكن لدي النية والارادة. نعم، لدي النية والارادة، ويدي ممدودة الى الجميع في كل ما هو خير وصواب وعدل. وأقول للناس: حتماً ستكون هناك بداية، نعم، ستكون هناك بداية، فلا تستعجلوا الاحكام على الوجوه والاسماء، اياً تكن، وانتظروا الممارسة، ففيها الجواب. فيا ايها اللبنانيون أنتم الحَكَم وإليكم الاحتِكام"