قال رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، إن اجتماعه الأول مع الرئيس السوري بشار الأسد أدى الى كسر الجليد الذي كان موجوداً لمرحلة طويلة مع أن طابعه كان صعباً في البداية، «لكن اليوم يزور أحدنا سورية وهو يشعر، في مكان ما، بأنه يزور بلداً شقيقاً وصديقاً جداً». وأضاف في حديث الى «الحياة» أن الرئيس الأسد يبدي كل إيجابية في التعاطي والتعامل، «وهناك علاقة شخصية بنيت بيني وبينه». وأعترف بأنه أجرى مراجعة صريحة ونقدية للسنوات الخمس الأخيرة «لأن الذي ينطلق من أنه لم يرتكب أي غلطة يكون يرتكب أول غلطة، ليس هناك إنسان لا يخطئ إن في العمل أو في السياسة أو في حياته الشخصية، فما بالك حين نتعامل مع قضية بهذا الحجم، أي بالعلاقة مع سورية. من المؤكد أن هناك أخطاء ارتكبت وأن أموراً صحيحة قمنا بها، لكن الآن يجب أن نتعلم من الماضي لنبني المستقبل وإذا عشنا على أطلال الماضي ومآسيه فلن نتقدم. ولا رجوع عن فتح صفحة جديدة مع سورية». ولفت الحريري الى أنه لا يرغب في القول إن زيارة عدد من السياسيين اللبنانيين سورية تعتبر تدخلاً في شؤون لبنان، وقال: «لنكن واقعيين، أحياناً يكون لهذا التدخل أثر إيجابي، وحين حصل التوافق السوري - السعودي، لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا التوافق أدى الى حكومة وحدة وطنية، أليس هذا تدخلاً إيجابياً؟». ورأى الحريري أن غياب الحوار كان وراء التشنجات التي حصلت أخيراً، وقال: «ما يمكنني قوله إن استقرار لبنان وعدم التشنج فيه يريح سورية، ولا أفهم لماذا الوصول الى هنا بهذه الصيغة من التشنج ما دامت الأبواب مفتوحة للحوار في كل الأمور. والمشكلة أننا نضيّع الإنجازات التي نحققها في بعض الخلافات الداخلية، ولا أظن أن في لبنان شخصين اثنين يختلفان على أن عملاء إسرائيل هم عملاء خانوا بلدهم وهذه العمالة لا يجوز أن تستمر أكان في الاتصالات أو في غيرها. ومن المؤكد أن الاتصالات أمر مهم جداً لكل اللبنانيين ومعروف أن المقاومة تحمي نفسها بشبكة اتصالات خاصة بها، وهذه حماية لكل اللبنانيين». وقال الحريري: «حين أعرف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سأتصرف بصفتين: في قلبي كسعد بن رفيق الحريري وبشخصي كرئيس وزراء لبنان. وفي الوقت نفسه سأرى ما هي المصلحة الوطنية، والمصلحة الوطنية هي الحقيقة». مشيراً الى أنه تحدث في هذا الموضوع مع الرئيس الأسد «لكن لن أدخل في التفاصيل». وشدد الحريري على أن اللبنانيين قادرون على تجنب الفتنة والقرار عندهم، وقال: «لا أحد يقول لي إن الفتنة قادمة ولا نستطيع فعل شيء حيالها. هذا كلام مرفوض ونحن نضع أقدارنا بأفعالنا». وبالنسبة الى استهداف «حزب الله» من قبل إسرائيل قال: «التهديد قائم على كل اللبنانيين وكلنا في الهوا سوا، أعرف نفسي أني مهدد وليس لدي شك في أن السيد حسن نصرالله مهدد، والحوار من أجل تحصين الداخل هو الطريق الوحيد لمواجهة أي تهديدات أو حماقة إسرائيلية أو عدوان على لبنان، أما الفتنة الداخلية فهي مرفوضة، وأقول للبنانيين لا تخافوا لا توجد فتنة أو حرب والمسلمون السنّة والشيعة سيكونون بالمرصاد لإسرائيل، واللبنانيون مسلمين ومسيحيين أيضاً سيكونون بالمرصاد وهذه اللعبة لن تمر في لبنان واحد وعدوه واحد هو إسرائيل». ورداً على سؤال أكد الحريري أن الأسد لم يبحث معه في التغيير الحكومي ولم يطلب شيئاً في الداخل.واعتبر رداً على سؤال آخر ألاّ سبيل للاستقرار في المنطقة إلا بالسلام وبالتمسك بمبادرة السلام العربية. وأكد أنه سيذهب عاجلاً أو آجلاً الى إيران، كاشفاً أنه كان يود زيارتها هذا الشهر لكنه ارتأى تأجيلها بعدما أعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد أنه سيأتي الى لبنان. وقال: «هناك مساعٍ لحوار جدي مع إيران في شأن الملف النووي». ولاحظ الحريري أن هناك حواراً متواصلاً بين أميركا وسورية خلافاً لما يكتب وخلافاً للانطباع السائد لدى الناس. وأشاد الحريري بالعلاقات التاريخية بين لبنان والسعودية وقال: «لا ننسَ أن سبب استقرار لبنان هو اتفاق الطائف مع أن هذه العلاقات لم تبدأ معه، لكنه إحدى ثمارها وهو أنهى الحرب الأهلية في لبنان». وكانت «الحياة» أجرت الحوار مع الحريري في «بيت الوسط» فور انتهاء جلسة مجلس الوزراء ليل أول من أمس الأربعاء، وبدا عليه الارتياح الى الأجواء التي سادت الجلسة وقال: «خلافاً لكل ما أشيع، إن الجلسة كانت هادئة». وهنا نص الحوار: هل من تبدل بين زيارتيك الأولى والرابعة لدمشق، على المستويين الشخصي والسياسي؟ - تعرفون أن أول زيارة لي لسورية حصلت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي وكانت الزيارة التي تحدثنا فيها بكل صراحة ووضوح وبكل انفتاح، إن من قبل سيادة الرئيس بشار الاسد أو من قبلي. وهذه كانت بداية مرحلة جديدة لعلاقة بيني وبين الرئيس الأسد حتى يتم كسر الجليد الذي كان موجوداً لمرحلة طويلة. وبين أول زيارة وآخر زيارة هي التي عدت منها، لا شك في أن العلاقة تطورت من كل النواحي، إن كان العلاقة بين الدولتين اللبنانية والسورية او على الصعيد الشخصي بين سيادة الرئيس وبيني شخصياً. وفي اللقاءات بيني وبين سيادة الرئيس تعمّ الصراحة والتي تفيد في رأيي أكثر حين يقول كل منا كيف ينظر الى الأمور وأين مصلحة لبنان بالنسبة إليّ وأين مصلحة سورية بالنسبة الى الرئيس الأسد. ومن هذا المنطلق يتم البحث في الأمور ومن المؤكد اننا نبحث في أمور المنطقة التي تهمنا كدولتين والتي تواجه صعوبات كبيرة، ولا سيما لجهة التعنت الإسرائيلي. وأنا أقول لكم أمراً من منطلق شخصي وهو أنه لا شك في أن الزيارة الأولى تضمنت كما يمكننا القول طابعاً صعباً في البداية، لكن اليوم يزور الواحد سورية وهو يشعر أنه في مكان ما يزور بلداً صديقاً جداً والرئيس بشار الأسد يبدي كل ايجابية في التعاطي والتعامل، وهناك علاقة شخصية بُنيت بيني وبين سيادة الرئيس وتشعر أنك ذاهب الى بلد شقيق وأنهم يستضيفونك بكل انفتاح وقناعة إن على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الوطني والقومي. هل ما زالت العلاقة تحتاج الى رعاية أم أن خط التشاور المباشر المفتوح كاف؟ - لا، خط التشاور المباشر مفتوح. وفي رأيي انه الذي يبني الثقة، أي التشاور المباشر والصريح والصادق الذي يحصل في كل الأمور إن كانت عادية أو حساسة. الصراحة هي التي تبني هذه العلاقة. ورأيي أننا متجهون نحو علاقة جدية وصحيحة وأخوية. مراجعة إذا اعتبرنا ان سورية أجرت مراجعة لتجربتها السابقة في لبنان، هل أجريت مراجعة لسنوات القطيعة حتى لا نقول المواجهة؟ - أنا أجريت مراجعات عدة لأقول لك بصراحة، لأنني أقول دائماً إن ما أنجزه رفيق الحريري ربما القليل من رؤساء الوزراء في العالم تمكنوا من انجازه، خصوصاً أن لبنان خرج في حينه من مرحلة حرب. حين جاء رفيق الحريري لم تكن هناك كهرباء ولا طرقات ولا مياه ولا مطار ولا عناية طبية والمدارس متواضعة. لكن كل هذه الأمور أنجزت وكانت سورية في لبنان. وبالتالي، فإن هناك أموراً على المرء أن ينظر اليها، فالإنجازات التي قام بها رفيق الحريري قام بها أثناء وجود سورية، ويجب أن نعترف بذلك، في المراجعة أيضاًَ أنه خلال السنوات الخمس الماضية يبدو للمرء أنه كان هناك الكثير من الاحتقان في لبنان والعالم العربي، ولا شك في ان هذا الاحتقان الذي انخفض، على صعيد العالم العربي وفي لبنان، أسبابه الانفتاح، ومن هذا المنطلق أرى أن الذي ينطلق من أنه لم يرتكب أي غلطة يكون يرتكب أول غلطة. ليس هناك انسان لا يخطئ إن في العمل أو في السياسة أو في حياته الشخصية أو في تعامله مع صديقه، فما بالك حين تتعامل مع قضية بهذا الحجم بالعلاقة مع سورية. من المؤكد أن هناك أخطاء ارتكبت وأن أموراً صحيحة قمنا بها. لكن الآن يجب أن نتعلم من الماضي ولا يمكننا إلا أن نبني للمستقبل، لأننا إذا بقينا ننظر الى الماضي فلن نتمكن من بناء شيء للمستقبل. وإذا عشنا على أطلال الماضي ومآسيه فلا نتقدم. وأنا من خلال انتقالي من المكان الذي كنت أعمل فيه، الى المعترك السياسي، تعلمت الكثير من الأمور خلال هذه السنوات الخمس. والأمر الأساسي الذي تعلمته هو أن أهم شيء أن يكون المرء صادقاً مع نفسه ومع الناس. وأنا لم أعتد أن أكون غير صادق مع الناس، بل أن أكون صريحاً وواضحاً. وأنا اعترفت سابقاً بأننا ارتكبنا أخطاء قبل أن أكون رئيساً للحكومة، بل كتيار (المستقبل). وحين أرتكب أخطاء كتيار ولم أرتكب أخطاء في الشؤون المتعلقة بالعلاقة مع سورية أقول إننا في بعض الحالات ارتكبنا بعض الأخطاء. لكن نريد التطلع الى المستقبل، وهو الأساس. ونحن نبني مستقبلاً أفضل للبنان وسورية والمنطقة. وهذا الشيء الوحيد الذي يخرجنا من الدوامة التي نعيشها. عندك شعور بأنك والرئيس الأسد أخذتما قراراً لا رجوع عنه بأن هناك صفحة جديدة؟ - أكيد، وأنا قلت للرئيس الأسد إنني ما دمت وضعت يدي بيدك فإننا سنكمل نحو مستقبل أفضل بإذن الله. وهل قال لك الشيء نفسه؟ - نعم. هناك فريق من اللبنانيين يعتبر ان المراجعة السورية غير كافية وأن هناك تدخلاً في الشؤون الداخلية لكنه يتم بأساليب أخرى قياساً الى السابق، وسورية ما زالت تستقبل قيادات لبنانية لا صفة رسمية لها ويستقبلها الرئيس الأسد. ألا يدل ذلك على ان المراجعة السورية ناقصة؟ - اعتبر اننا نكون ظالمين في هذه العلاقة الجديدة مع سورية اذا اعتبرنا أنهم إذا التقوا أحد السياسيين في سورية يكونون يتدخلون. وفي رأيي ان الكثير من السياسيين اللبنانيين يجولون في كل العالم وليس في سورية فقط. هل يعتبر هذا تدخلاً في الشؤون اللبنانية؟ أنا لا أرغب في قول ذلك، كثيرون من حلفائي حتى والقريبين إليّ يسافرون الى دول عربية عدة، هل هذا تدخل؟ ولنكن واقعيين. احياناً هناك تدخل ايجابي. فحين حصل التوافق السعودي - السوري، لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا التوافق أدى الى حكومة وحدة وطنية. أليس هذا تدخلاً ايجابياً؟ ربما أن لدى بعض اللبنانيين هواجس ونحن يجب أن نعالج كل هذه الهواجس ويجب أن يحصل الحوار في شأنها. وفي الاجتماع الأخير حين نراجع الاتفاقات، فإن مجرد المراجعة هي العودة الى مرحلة بكاملها. وحين تحكي بترسيم الحدود، فهل أنا سعد الحريري أريد أن أبني سوراً أو جدراناً بين لبنان وسورية؟ بالعكس نحن نريد أن نهدم أي هواجس عند اللبناني أو عند السوري في شأن لبنان كدولة مستقلة وسورية كدولة مستقلة. إنهما بلدان مستقلان يحترمان بعضهما بعضاً ويتعاملان باحترام متبادل دائم وأخوة. هل سنرى الرئيس الأسد قريباً في لبنان؟ - لا أعرف إذا كان قريباً أو لا. لكن الرئيس ميشال سليمان حكى مع الرئيس الأسد في الموضوع وأنا كذلك وهو يرغب في المجيء الى لبنان الذي هو عزيز على قلبه أيضاً. تعديل الاتفاقات والمجلس الاعلى زيارتك وصفت بأنها تأسيسية في حين ان التعديلات على الاتفاقات جاءت طفيفة أو أنها لم تعدّل ولم يتم تغيير تركيبة المجلس الأعلى كما سبق أن قيل أنه سيتغير. - البعض يرغب في تغيير كل شيء. لا نستطيع أن نغير كل شيء، فهل نريد تسجيل نقاط على بعضنا بعضاً، أم نريد التشاطر؟ أنا لدي اتفاقات مع تركيا. هل ستوافق على اتفاق ليس في مصلحتها أو يأخذ مصلحتي أكثر من مصلحتها؟ ألا ينطبق هذا على قبرص وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر؟ هناك اتفاقات تمت مراجعتها ورأينا نحن أين المصالح اللبنانية وأين نرى أنها تحتاج الى تعديل وعدلناها. وهناك اتفاقات كانت مطروحة للتعديل ولم نتوافق وكانت هناك وجهة نظر سورية في شأنها ولم يمشِ الحال في شأنها فأجّلناها وقلنا اننا نذهب الى جولة ثانية من المشاورات والمحادثات حتى نصل الى حل لهذه الأمور. لكن هذه هي روحية المفاوضات. الاتفاقات التي لم توقّع في مجالي الأمن والسياسة الخارجية أين المشكلة فيها؟ - لا أرى ان هناك تعثراً فيها، وبالعكس التفاصيل هي المهمة أحياناً، وهي تأخذ وقتاً. ونحن لا نجتمع كل يوم لحلّها. ورأيي أننا سنجد حلاً لها عاجلاً أم آجلاً. وهي ليست تفاصيل يصعب ايجاد حل لها. وعلينا ألا ننسى أن هناك سفيرين بين البلدين في العلاقة الجديدة، وأنا أقول إن هذا أمر مهم وكبير. في العيد الوطني تفتح السفارة اللبنانية أبوابها وتستقبل الناس وكذلك السفارة السورية في بيروت، فهذا أمر لم يكن يحصل. وهو خطوة الى الأمام، فلماذا لا ننظر الى هذه الأمور؟ ولا تنسوا أننا نبني علاقات وليس هناك قوات سورية على الأراضي اللبنانية. وهذه مرحلة جديدة يجب أن ننتبه اليها. في التصريحات التي تلت البيان المشترك، حول عدد من العناوين التي بحثت أو القضايا العالقة، لم يتم التطرق إلى موضوع الطلب من سورية المساعدة في إنهاء ما يسمى «السلاح الفلسطيني خارج المخيمات»، هل أثير هذا الموضوع؟ - ثمة أمور لا أفضل التحدث فيها في الإعلام، لأنها أمور دائماً تأخذ طابعاً أو يأخذها كل واحد الى المكان الذي يريد أن يأخذها إليه. في كل المرحلة السابقة لم أود التحدث عن كل شيء لأنني أرى أن هذا الكلام يقال على نار هادئة وفي هدوء لكي نتوصل الى قواسم مشتركة. من هذا المنطلق، موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات أمر يعنينا، ونحن أيضاً كلبنانيين علينا حل المشكلات التي عندنا، ودائماً لدينا ميل إلى رمي كل مشكلاتنا على العالم، بينما هناك أمور يمكننا أن نحلها وحدنا، ولا أتحدث فقط عن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، بل هناك أمور كثيرة تجدنا نلوم أميركا أو العرب أو هذه الدولة أو تلك أو سورية أو سواها. هذه الأمور أنا دائماً أتجنب التطرق إليها، وأنتم تعرفونني وربما اكون أقل رؤساء الحكومات كلاماً. تعددت الانطباعات في التسريبات، حول موقف القيادة السورية من التشنج السياسي الأخير الذي شهده لبنان عشية زيارتك دمشق، منهم من قال إنها استغربته ومصادر أخرى أشارت الى استغراب الجانب السوري موجة التوتر التي انطلقت مع مواقف الأمين العام (ل «حزب الله») من المحكمة الدولية وموضوع الجواسيس في قطاع الاتصالات، ما هي حقيقة الموقف السوري من التشنجات؟ - لا أستطيع أن أقول لك حقيقة الموقف السوري من التشنجات، بل ما يمكنني قوله إن استقرار لبنان او عدم التشنج فيه يريح سورية. من هذا المنطلق، أنظر الى الامر. لكن التطورات التي حصلت في الأسابيع الماضية أرى أن سببها غياب الحوار اللبناني - اللبناني، وهذا ما يجب ألا يحصل. لا أفهم لماذا يجب ان نصل الى هنا بهذه الصيغة من التشنج ما دامت الأبواب مفتوحة للحوار في كل الأمور، وكلنا متوافقون على ضرورة معرفة الحقيقة، ولا أظن أن في لبنان شخصين اثنين يقولان إنهما لا يريدان معرفة حقيقة من قتل رفيق الحريري، أو كل شهداء الثورة. لا أظن أن في لبنان شخصين اثنين يختلفان على أن عملاء إسرائيل هم عملاء خانوا بلدهم ويجب أن يعاقبوا على ذلك. أعتقد ان المشكلة هي أننا نضيّع الانجازات التي نحققها في بعض الخلافات الداخلية في مكان ما والتي تخدم، في رأيي، الانقسام اللبناني وليس وحدة اللبنانيين. وهذا أكبر خطأ عندنا نكرره نحن اللبنانيين. أمسك عميل في الاتصالات، لكن هناك عملاء في أجهزة عسكرية أمسكوا أيضاً، أيهما أخطر؟ أليس عملاء الأجهزة العسكرية أخطر؟ هناك عملاء في المقاومة أمسكوا، أليس هؤلاء أخطر؟ هناك عملاء في مصارف أمسكوا، أليس هذا الأمر خطيراً؟ كلها خطيرة وكلنا متوافقون على أن هؤلاء العملاء وهذه العمالة لا يجوز أن تستمر، وعلينا ملاحقتها حتى آخر عميل في لبنان. في الاتصالات وغير الاتصالات. الاتصالات جهة. أكيد أن الاتصالات أمر مهم جداً لكل اللبنانيين، ولكن ليس كل اللبنانيين لديهم شبكة الاتصالات الخاصة بهم. معروف أن المقاومة تحمي نفسها بشبكة اتصالات خاصة بها، ومن هذا المنطلق هذه حماية لكل اللبنانيين. تحدثت عن غياب الحوار، وأعتقد أن لديك سلاحاً وحيداً هو الاستقرار في لبنان وهذا السلاح ترفعه في وجه الكل، أي الاستقرار والتهدئة والاهتمام بأمور الناس، لماذا يتأخر الحوار أو لماذا في بعض الأحيان الوزير (السابق سليمان) فرنجية مثلاً مع آخرين، يعتمدون وتيرة متصاعدة في وجه الحوار ثم فجأة تتراجع، ما هو السبب؟ - لا يوجد سبب... هناك كثير. مثلاً تراجعت اللقاءات مع «حزب الله»، لم تلتقِ السيد حسن نصرالله منذ فترة، وكذلك العماد ميشال عون، هناك تباعد زمني في اللقاءات. - بالنسبة إليّ الباب مفتوح، وليس لدي مشكلة في أن أتحاور مع أي شخص في أي لحظة وأي وقت وأتحدث في أي هاجس لدى أي انسان. في الكبيرة والصغيرة. في أي موضوع كان، لكن أنا أرفض أن أطرح أي حوار عبر الإعلام، مع كل احترامي للإعلام ومحبتي له، بل إن أردنا التحاور نتحاور بين بعضنا بعضاً. لذلك أرى أموراً كثيرة تطرح في الإعلام يجب ألا تطرح فيه، بل يجب أن تطرح في مجلس الوزراء لكي نحل الأمور في شكل مفيد للبلد. لكن الانقطاع، لا سبب لعدم لقاء الجنرال عون. أحياناً أذهب إليه مرتين أو يأتي إليّ. أحياناً نعم لأنني سافرت 5 أو 6 سفرات. لو نظرت ماذا فعلت خلال الشهرين الماضيين لم يبق مكان لم أذهب إليه، والانسان لديه طاقة يحاول استثمارها قدر ما يستطيع، خصوصاً أن التصعيد الاسرائيلي كان يستدعي تحصين الوضع في وجه أي اعتداء عسكري محتمل. وهذا كان يتم دائماً بالتنسيق. كل السفرات التي قمت بها كانت تتم بالتنسيق مع كل القوى السياسية، اذ كنت أقول في مجلس الوزراء ما حصل، والكل يعرف ما الهدف من كل هذه الزيارات. الحقيقة هي المصلحة الوطنية حين تعرف الحقيقة في اغتيال والدك، كيف ستتصرف؟ هل تتصرف بوصفك ابن رفيق الحريري، بوصفك رئيس وزراء لبنان، هل يتم البحث معك في كيفية التعامل مع الحقيقة لئلا تنفجر الحقيقة في وجه لبنان واللبنانيين؟ - أنا أتصرف بصفتين: في قلبي كسعد ابن رفيق الحريري، وبشخصي كرئيس وزراء لبنان. وفي الوقت نفسه سأرى ما هي المصلحة الوطنية. والمصلحة الوطنية هي الحقيقة. ولو لم تكن الحقيقة هي المصلحة الوطنية، لماذا أنشئت المحكمة؟ هل كان هذا الموضوع أساسياً في لقائك مع الرئيس الأسد؟ - نعم، تحدثنا فيه بهدوء وموضوعية ولا أريد أن أدخل في التفاصيل. هذه أمور لا أريد أن أدخل في تفاصيلها أكثر. الفتنة وتجنّبها في يدنا هل شمل النقاش السيناريوات التي كتب عنها في الصحف اللبنانية وتقلق قادة لبنانيين منهم العماد عون، والتي تشمل حدوث فتنة وحرب اسرائيلية إثر صدور القرار الظني. هناك من يحذّر من هذه السيناريوات... - دعني أقول لك أمراً ولا يخبرك أحد قصة ثانية: الفتنة عمل الكل معاً، عمل السياسيين اللبنانيين، لا يبرّئوا أنفسهم من تاريخهم السياسي الذي مرّ في الحروب الأهلية. الفتنة أصحابها يستطيعون أن يتحكموا فيها. الفتنة في يد كل واحد له قرار سياسي واضح إن كان يريد الدخول في الفتنة، فهو قادر على أن يدخل، واذا أردنا أن نتجنب الفتنة فإننا قادرون على تجنبها. لا أحد يقول لي إن الفتنة قادمة ولا أحد يستطيع فعل شيء حيالها. هذا كلام بالنسبة إلي مرفوض. نحن نصنع أقدارنا بأفعالنا. «حزب الله» لديه قلق بأنه مستهدف من الاسرائيلي والأميركي، ولديه خصوم في الداخل يخاف من أن تتقاطع علاقاتهم مع هذه القوى التي تستهدفه، وفي الوقت نفسه يوجد هذا السيناريو الذي حذّر منه العماد عون، بماذا تستطيع أن تطمئن «حزب الله» وماذا يمكن أن تفعل في هذا المجال، ماذا تستطيع ان تقول للسيد حسن نصرالله تحديداً؟ - ما يمكنني قوله هو أنه منذ شهرين وثلاثة وأربعة، ومنذ أسبوع أو 10 أيام... هدد (رئيس الاركان الاسرائيلي غابي) اشكينازي أو رئيس حكومة اسرائيل (بنيامين نتانياهو)، رئيس حكومة لبنان شخصياً، وهدد الحكومة اللبنانية وكل لبنان. أنا عندما يُهدد كل لبنان أو حزب أو فلان، فكل لبنان مهدد. عندنا ننظر إلى تهديد فريق ما، فهذا الفريق ليس ظلّ لبنان. أنا بالنسبة إليّ كلنا في الهوا سوا. التهديد قائم على كل اللبنانيين. عندما هُددت شخصياً بالاسم من قبل اسرائيل، لم تقم حملة دفاعاً عني، أو لم أقم بحملة لأنني أعرف نفسي أنني مهدد، وأنا ليس لدي شك في أن السيد حسن مهدد. كلنا مهددون في لبنان، واسرائيل تقول بكل وضوح إن هذه المرة لبنان كله مهدد. وأنا عملي كرئيس حكومة لبنان هو أن أجنّب لبنان أي مواجهة مع اسرائيل. كيف أفعل ذلك؟ أولاً أنزع الفتيل، ثم أتحاور بهدوء مع كل الفرقاء وأطمئنهم. هذه هي الطريق الوحيدة التي يقوى فيها لبنان في وجه أي تهديدات اسرائيلية، إضافة الى الجولات التي نقوم بها في كل العالم أكان العربي أم الغربي، من اجل مصلحة واحدة وهي أن نجنّب لبنان ونحميه من أي تهديدات أو حماقة إسرائيلية أو عدوان اسرائيلي على لبنان. وفي هذا الإطار أيضاً تأتي جولات رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) والحوار والاتصالات التي قام بها مع عدد من الدول، وهي أيضاً أساسية ولها نتائج. ذكرت أن الفتنة بيد السياسيين حصولها أو عدم حصولها، سعد الحريري كرئيس حكومة وزعيم سياسي... - هو هو عندما استشهد رفيق الحريري رحمه الله، أثير كثير من الشكوك في لبنان باحتمال حصول فتنة، لكنها لم تحصل لأنه كان في يدنا نحن عائلة الشهيد رفيق الحريري، أننا لا نقبل بحصول فتنة في لبنان. الناس خائفون شئنا أم أبينا، ماذا يمكن أن يقول الرئيس الحريري للبنانيين؟ - أقول لهم: لا تخافوا. لا تخافوا، لا توجد فتنة ولا حرب وكل هذا التهويل من قبل اسرائيل هو مجرد تهويل. وإن ارادت اسرائيل أن تدخل الفتنة في لبنان بين المسلمين السنّة والشيعة، فأنا أقول لك من الآن إن السنّة والشيعة سيكونون بالمرصاد لإسرائيل. لا أحد يفكر أنه يمكن في لحظة من اللحظات، أياً تكن اللحظة ومهما تكن صعوبتها، لن نكون إلا مسلمين ومسيحيين واقفين لها بالمرصاد في وجه اسرائيل. ثلاثة ملايين ونصف المليون لبناني أو أربعة ملايين في وجه اسرائيل. هذه المسلّة، ليخيط بها الاسرائيليون في مكان آخر. هذه اللعبة لن تمر في لبنان. هذا لبنان واحد والعدو واحد وهو اسرائيل. في محادثات دمشق تطرقتم الى الوضع الاقليمي، خصوصاً أن دمشق تؤدي دوراً في غير ملف، هل القيادة السورية قلقة من احتمال حدوث حرب؟ - في رأيي لا يوجد أحد ليس لديه قلق حتى في المجتمع الدولي، لكن لا نراه. أقول لك بصراحة، لا أرى أن هناك حرباً. القلق من التعنت الإسرائيلي. حين ترى موضوع غزة بعد استشهاد بعض الأخوان الأتراك وآخرين من جنسيات أخرى في اسطول الحرية، شن المجتمع الدولي هجوماً على اسرائيل بسبب هذا العمل، والآن نرى أن موضوع غزة سُحب الفتيل منه والمساعدات تدخل الى غزة والحصار ينكسر وأصبح كحائط برلين الذي يفرط كله معاً. مؤكد لأن الحصار «فرط» يبحث الاسرائيليون عن مكان آخر للتوتر وهو الساحة اللبنانية، ونحن لن نسمح لهم بذلك. نحن بحثنا كثيراً مع الرئيس الأسد، في عملية السلام وكيف تتقدم المبادرة العربية في عملية السلام، لأنه في النهاية لا سبيل للاستقرار في المنطقة إلا بالسلام، إلا بأن تكون هناك دولة فلسطينية عاصمتها القدس وحق العودة للفلسطينيين. لا استقرار إلا بعودة الجولان إلى سورية، الى حدود 4 حزيران 1967. لا استقرار إلا بعودة مزارع شعبا وكفرشوبا إلى لبنان. أنا دائماً أقول: تصوّر للحظة أننا اليوم عائشون لحظة سلام في المنطقة، هل يكون هناك هذا البعد؟ المشكلة التي نواجهها في المنطقة، هي أنه بدلاً من أن يكون تركيزنا على بناء المدارس والطرق والكهرباء والماء والمستشفيات والعمل لمصلحة المواطنين، يختلقون لك مئة قصة وقصة حتى يبعدوا العرب عن الاقتصاد العالمي. هذه برأيي المشكلة الأساسية والتي فهمتها تركيا بكل حذافيرها، ولذلك السياسة التركية هي صفر مشكلات مع المحيط، مع الجوار. لماذا؟ لأنهم يريدون أن يركزوا على الاقتصاد وبناء مستقبل أجيالهم المقبلة. نحن نريد أن نقوم بالعمل نفسه. نحن واجبنا كحكومة أن نبني وأن نعمل على الأمور التي ذكرتها وكذلك النفط والزراعة وغيرهما من المشكلات. لكن السلام لا يمكن أن يكون حقيقياً إذا لم يكن وفق مرجعية مدريد. تحدثت عن النفط، هل يوجد نفط أو غاز في لبنان؟ - نعم يوجد. أجرينا 3 مسوحات ثلاثية الأبعاد، وكل الدراسات أظهرت وجود غاز ونفط في لبنان. من هذا المنطلق ترى الحكومة أن القانون هو الاساس ونعمل عليه لإرساله الى المجلس النيابي، وكذلك المجلس النيابي يقوم بعمل يصب في هذا الإطار ولا يضر. هل بحثتم مع الرئيس الأسد في المخاطر التي قد تنتج من النزاع الغربي - الايراني على لبنان، وهل هذا يزيد احتمالات الحرب؟ - لا شك في أن الملف الايراني من الملفات الأعقد في المنطقة. ولا شك في أنه يحق لكل دولة امتلاك طاقة نووية سلمية. وفي رأيي، يجب بدء الحوار بين الغرب وإيران، وبحسب المعلومات، هناك مساع لحوار جدي مع ايران بالنسبة الى الملف النووي. وكذلك يجب أن تكون كل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي. متى ستزور ايران؟ - صراحة، كنت أريد زيارتها هذا الشهر، ولكن الرئيس أحمدي نجاد أعلن أنه سيأتي (إلى لبنان) فارتأينا أن الأفضل أن يأتي هو ثم نذهب نحن لاحقاً. عاجلاً ام آجلاً سأذهب الى ايران، وهذه الزيارة ضرورية وأساسية بالنسبة إلى العلاقة بين الدولة اللبنانية والجمهورية الاسلامية الايرانية. في المحادثات مع (وزير الخارجية التركي احمد داود) أوغلو في دمشق، حكي عن تعزيز التعاون السوري - اللبناني - الاردني - التركي، وفي الوقت نفسه هناك طموح عند الجانب السوري وعندك بأن يشمل ذلك العراق، هل نحن أمام تحضير لقيام محور اقليمي جديد؟ - اقتصادي وليس سياسياً. نحن نركز على الاقتصاد، وعندما تربط الناس بالاقتصاد والتجارة... سوق مشتركة؟ - نعم. هناك السوق العربية المشتركة، إذا أدخلنا تركيا إليها فنكون كبّرنا هذه السوق. بين سورية وتركيا هناك اتفاق تجارة حرة. وبين الاردن وتركيا هناك كذلك اتفاق وبيننا وبين وسورية وقّعنا الاتفاق نفسه وكذلك مع الأردن، والآن نجري مباحثات مع تركيا لنوقّع هذا الاتفاق. اذا استطعنا ان نوقّع هذا الاتفاق، فهذا لا يعني أن الدول الاربع لديها الاتفاقات نفسها، فعلينا أن نعدّ اتفاقاً واحداً للدول الاربع، بما يجعل التجارة بيننا أسهل، وهذا يسمح لكل بلد، لديه صناعته وتجارته وخدماته، بأن يخدم البلد الآخر في اقتصادات عدة وأمور تفيده، وبالتالي نفتح الاسواق. لبنان سوقه ثلاثة ملايين ونصف المليون، ألن يستفيد من سوق ال 70 مليوناً؟ ألن نستفيد حين يأتي السائح إلى تركيا أسبوعين، فيمكث فيها 10 أيام ثم ينتقل الى سورية ولبنان والأردن، والعكس أن يأتي الى لبنان ثم ينتقل الى سورية والاردن وتركيا؟ العلاقة السورية - الأميركية في موضوع العلاقة مع سورية، المعروف اننا لسنا معزولين عن الازمات المحيطة بالمنطقة. كثير من المراقبين يعلقون أهمية على تحسن العلاقة بين واشنطنودمشق والتي تجمدت في الآونة الاخيرة من أجل ضمان تجنيب لبنان وسورية السيناريوات السيئة من جانب اسرائيل. أنت زرت واشنطن في أيار، ودمشق قبل زيارتك واشنطن وبعدها، ماذا تتوقع على صعيد العلاقة السورية - الأميركية؟ - هناك حوار متواصل بين أميركا وسورية، خلافاً لما يكتب وخلافاً للانطباع السائد عند الناس. هناك علاقة تبنى على عوامل عدة، بناء الثقة بين سورية وأميركا، وبرأيي العلاقة تسير في الطريق الصحيح. لاحظ مثلاً كم مسؤولاً أميركياً زار سورية، إن كان السيناتور ميتشل أو جون كيري او غيرهما. العلاقة تبنى والحوار جار بين اميركا وسورية. كيف تجد العلاقة اللبنانية - السعودية؟ - العلاقة اللبنانية - السعودية تاريخية، والسعودية وقفت مع لبنان في السراء والضراء في كل مرحلة من المراحل. والمملكة العربية السعودية أعطت لبنان ما لم تعطه لأي شعب آخر، من دون شروط أو قيود. ولبنان كان المستفيد من هذه العلاقة، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بدأ المصالحة العربية التي لا أعرف أين كنا لنكون لولاها، إن كان على صعيد الشارع العربي او العلاقات في المنطقة. أنا ارى ان الملك عبدالله قام بمبادرات جريئة جداً، إن كانت المصالحة او حوار الاديان الذي بدأه، كل هذه الامور وغيرها... ثم هناك النقلة الاقتصادية الكبرى، والاستثمار في التعليم العالي والجامعات في المملكة العربية السعودية كبير جداً. ولا ننس ان سبب استقرار لبنان هو اتفاق الطائف. العلاقة بين لبنان والسعودية لم تبدأ مع الطائف، لكن احدى أهم ثمار العلاقة اللبنانية - السعودية اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية. هل تستطيع دولة الرئيس أن تواصل تحسين علاقتك بسورية، وفي الوقت نفسه تحتفظ بعلاقتك مع بعض حلفائك؟ - نعم، لأنني رئيس حكومة كل لبنان. وبالمعنى السياسي؟ - وبالمعنى السياسي، أنا لا أرى أين يجب أن نتناحر الا بالطرق الديموقراطية. في السياسة، يسأل كثيرون: لماذا صعّد فلان (خطابه) الى هذه الدرجة؟ لكن، وجهة نظري مختلفة، وأقول إن لكل شخص الحق بذلك. إما اننا في بلد ديموقراطي، وإما لسنا كذلك. احياناً يقولون إن الإعلام اللبناني موجّه. إذا كان إعلامنا موجهاً، فماذا نقول عن الإعلام عند غيرنا، وفي أوروبا وغيرها مثلاً، حيث يتدخل الإعلام في الحياة الشخصية والعائلية والكبيرة والصغيرة. برأيي نحن قادرون (على الجمع بين تحسين العلاقة مع سورية والحفاظ على التحالف) كفرقاء سياسيين، وبتحالفي مع كل حلفائي إن كان أمين الجميل او سمير جعجع او كل 14 آذار او حلفي مع وليد جنبلاط الذي تميّز عن 14 آذار. وبما أنني في حكومة وحدة وطنية اليوم، ألست متحالفاً مع حركة «أمل»، و «التيار الوطني الحر» و «حزب الله»؟ اذا كنت في حكومة وحدة وطنية، ألا يعني هذا انني في حلف؟ في رأيي، هناك امور كثيرة تجمع اللبنانيين. ثمة سؤال يتردد حالياً، وكلام عن أن سورية تطلب منك الابتعاد أو تقترح عليك الابتعاد من سمير جعجع؟ - أقول لك أمراً واحداً. سورية لم تطلب مني أي شيء في ما يخص الملف الداخلي اللبناني، ونقطة على السطر. هم يريدون أن يتعاملوا مع الجمهورية اللبنانية، مع الحكومة اللبنانية. هل فاتحك احد بتغيير الحكومة؟ - لا أليس الامر مطروحاً على الاطلاق؟ - لا في كلمتك في المجلس النيابي حين نالت الحكومة الثقة، قلت ان قيام الائتلاف الوطني لا يعني اغلاق الديموقراطية في البلد؟ - هذا ما أقصده. انا اليوم في الحكومة، عندما آخذ قراراً، هل هذا يعني ان من في البرلمان لا يحق لهم أن يناقشوا بعض الامور، مع ان كل الفرقاء السياسيين موجودون في الحكومة؟ نعم، لكن ثمانية اشهر مضت بسبب هذا الوضع الداخلي المعقد، من دون أن يظهر أي من انجازات الحكومة؟ - وجود ثلاثة ملايين سائح أو ثلاثة ملايين ونصف المليون سائح في لبنان، ويمكن أكثر من ذلك. ثم هناك زيادة 7 ونصف في المئة في النمو. كيف لا تكون هناك انجازات. هذا اضافة الى الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان، أليست هذه انجازات؟ مشكلتنا في لبنان اننا نرى الانجازات ولا نعترف بأنها انجازات. مثلاً، عندما تفتح التلفزيون وتراهم ينتقدون تنفيذ الأشغال على الطرق، ويقولون ان الوقت ليس وقت تنفيذ الأشغال... حسناً، اذا لم يكن الآن وقت الأشغال، فمتى وقتها، بحلول الشتاء والمطر؟ متى يبنون الجسور ويصلحون الكهرباء. الحكومة تعمل. هل تعرف عدد المرضى المستفيدين من موازنة وزارة الصحة والذين يدخلون الى المستشفيات على حساب الحكومة؟ مستشفى رفيق الحريري الحكومي يستقبل في السنة 22 ألف حالة. الجامعة الأميركية في بيروت تستقبل 23 ألفاً و500. وهذا بالموازنة نفسها (لوزارة الصحة) التي كنا نصرفها قبل ثلاث سنوات وأربع سنوات وخمس سنوات. يقال إن هذه الحكومة تأخذ من رصيدك، لأنها محكومة بالجمود؟ - رصيدي هو ان اعمل للناس وأكون صادقاً معهم. اذا لم اكن صادقاً مع الناس وأؤمّن لهم الاستقرار، فما هي وظيفتي؟ كرئيس حكومة أعتبر ان اهم عمل أقوم به هو الاستقرار. اذا كان عمر الشخص 40 سنة وكان رئيساً لحكومة وإبناً لرفيق الحريري ومليارديراً، ألا يصاب بالغرور؟ - إن شاء الله، في اللحظة التي تراني فيها أصبت بالغرور، اطلب منك أن تأتي إليّ وتقول: يا سعد الحريري انت بدأت تصاب بالغرور. هل يقبل سعد الحريري أن يأتي أحد مستشاريه ويقول له انه اخطأ اليوم... بهذه البساطة؟ - انا لا اقبل منه إلا ان يقول لي ذلك. هل ندمت في وقت من الاوقات على أنك اصبحت رئيساً للحكومة؟ يعني أنت مررت بلحظات صعبة واتخذت قرارات صعبة، هل أقفلت الباب على نفسك مرة وتمنيت لو انك لم تدخل نفسك بكل هذه الحلقة؟ - انا اقول ان الانسان في بعض الاوقات يتخذ قراراً (صعباً)، وبخاصة إن كان ذلك في المرحلة السابقة عندما كنت رئيساً لتيار، وما زلت، وكان عملي مختلفاً عن اليوم. مرت أيام كانت صعبة جداً عليّ، لكن ما كان يشجعني على ان اكمل الطريق أنني كنت اعرف أن هذا البلد في حال تأمين الاستقرار له، قادر على أن يقوم بما لا يمكن أي بلد في العالم القيام به. ومن هذا المنطلق، هناك اوقات تستيقظ في الصباح وتجد مشكلاً في وجهك، يمكن مع الممارسة ان يصير المرء قادراً على استيعاب الامور بطريقة افضل. مثلاً ماذا تعتبر أصعب ما واجهته خلال الأشهر الثمانية الماضية؟ - اصعب ما واجهته أنني جلست مع عائلات ضحايا الطائرة الاثيوبية التي سقطت في البحر، وكنت أحاول أن أخفف من وقع الكارثة عليهم. أما ان ينتقدني سياسي مباشرة، فأنا لا اراه امراً مهماً، بل اجده تحدياً جديداً، اعمل على حلّه. هل تكره الصحافيين الذين يكتبون ضدك؟ - لا اكرههم، كل شخص له وجهة نظر وتوجه سياسي احياناً. برأيي الصحافة اللبنانية غنية. (الرئيس) الشهيد في مقابلة عام 2001 او 2002 سألته وردة (الزامل): يا دولة الرئيس عندما تفتح الصحف صباحاً وتقرأ عن المشاكل هنا وهناك، ألا تشعر بالضغط عليك؟ أجابها: يا وردة عندما تطالعين الصحف في كل المنطقة، ستجدين الخبر نفسه يومياً. لكن في لبنان تجدين مئة مشكلة، وهذا يجب ان ننظر اليه على انه عطر لبنان وميزته وحلاوته. هل احلى من ان أجد اليوم في جريدة ضدي، عشر صفحات تنتقدني، ثم أجد في صفحة واحدة ما ينسف الصفحات العشر، ويحكي عن انجازات وزير ما. وهذا اختلاف في الرأي. أيهما اصعب دولة الرئيس: أن تقل شعبيتك او أن تقل ثروتك؟ - أن تخف محبة الناس لي. دولة الرئيس، سعد الحريري، كرئيس «تيار المستقبل» عندما دخلت الى العمل السياسي في داخل المؤسسات، الى أي حد صدمتك الطبقة السياسية؟ - الطبقة السياسية في لبنان بكل تناقضاتها تبقى طبقة سياسية موجودة ويجب ان نتعامل جميعاً مع بعضنا بعضاً، لأن ما يجمعنا اكثر مما يفرقنا. وفي بعض المراحل تمكنّا من الوصول الى كثير من الامور المشتركة. مثلاً، وهذا اكثر ما ترك حسرة في قلبي من السياسيين وآسف عليه، هل من الضروري ان يموت شخص مثل رفيق الحريري ليتوحد لبنان حول الجريمة، وهل ضروري ان يستشهد الواحد فينا لنعرف قيمته؟ عندنا قيم كثيرة علينا أن ندافع عنها برموش عيوننا، وهذه الطبقة السياسية هي نفسها التي وقفت وبكت ووحدت لبنان. هذه الطبقة السياسية، ويمكن ان اكون انا منها، لأن ليس كل الناس تشهد لسعد الحريري، هناك اناس يقولون ان سعد الحريري شايف حاله. «يونيفيل» وموقف فرنسا في موضوع قوات «يونيفيل»، قيل إن الازمة التي نشبت اخيراً كادت تضع دولاً أمام احتمال الانسحاب، وأن بعض الدول منها فرنسا لم تكن مرتاحة لموقفك مما حصل؟ - هذا الكلام عن ان فرنسا لم تكن مرتاحة لموقفي غير صحيح، لأن موقفي هو موقف الحكومة اللبنانية، وليس موقف سعد الحريري. وصحيح أنه صارت هناك مشكلة، وعالجتها الحكومة وفخامة الرئيس عقد اجتماعات وقيادة الجيش استدعيت وتم وضع اجراءات جديدة، وفي 26 تموز الجاري سيدخل اللواء الثامن في الجيش الى الجنوب، ويتمركز في صور وينهي انتشاره في 29 منه. هذا لواء جديد ينتشر في الجنوب، كما اننا ندرس موضوع تعزيز القوى العسكرية اللبنانية في الجنوب اللبناني. نحن لا نرضى، وكذلك لا يرضى اي طرف سياسي في لبنان بأن يمس أي عنصر من عناصر «يونيفيل»، لأنهم جاؤوا الى لبنان لحمايته من العدوان الاسرائيلي. حصل نوع من عدم التنسيق والأخطاء بين قيادة «يونيفيل» وقيادة الجيش، لكن تمت معالجة هذه الامور في شكل علمي. والقرار 1701 يجب ان نطبقه وننفذه. والاهم من ذلك ان تنفذه اسرائيل لأنها هي التي تخرق الأجواء اللبنانية والمياه الاقليمية اللبنانية، والأخطر من ذلك زرعها العملاء في الاراضي اللبنانية. هذه قنابل موقوتة يمكن إسرائيل أن تستعملها في أي لحظة من اللحظات.