يتسلّح الرئيس اللبناني ميشال سليمان بنهج سياسي «يشبه اسلوبي التوافقي»، وب «الديموقراطية الميثاقية»، ويعتبر ان «الحياة الديموقراطية والسياسية أسلم بوجود المستقلين»، ويرى، في معرض حديثه عن معالجة عناوين العلاقة بين لبنان وسورية، أن «علاقات الدول تحتاج الى الصبر والوقت». ولا يخطئ من يلتقي الرئيس سليمان في الاستنتاج بأنه يحبذ وجود مستقلين في البرلمان، فالمستقل «هو المتحرر من الإملاءات الحزبية». ويقول الرئيس سليمان، في حديث أجرته معه «الحياة» ظهر امس تناول مروحة من الأسئلة والمواضيع بالقدر الذي سمح وقته، إن كل النقاط التي تضمنها «البيان التاريخي المشترك» اللبناني - السوري خلال القمة الثنائية في آب (اغسطس) من العام الماضي، ستنفّذ في «شكل تدريجي»، بما فيها ترسيم الحدود. لكنه اشار الى ان البيان المشترك أكد لبنانية مزارع شبعا وهذا «اهم من اي ورقة أخرى»، في إشارة الى المطالبة بتكريس قانونية لبنانيتها في القانون الدولي. وكرر القول ان وجهة النظر السورية أنهم لا يرسّمون (حدود المزارع) الآن تحت الاحتلال وهذه وجهة نظر يجب احترامها...». ونفى الانطباع بأن الجانب السوري انزعج من إصراره على المبادرة العربية للسلام في قمة غزة في الدوحة قبل اكثر من شهرين، مؤكداً انه كان له انعكاس طيب على الأسد والجامعة العربية وعلى احترام رئيس لبنان. ورأى انه تمكن خلال 11 شهراً من رئاسته (في 25 أيار/ مايو تمر ذكرى سنة) من رد لبنان الى موقعه الذي يستحقه في العالم. وقال رداً على سؤال حول ما يعتقد انه لم يحققه: «التقصير في الإصلاح هنا ليس من جانبي وتعرفون الأسباب، يعني إكمال التعيينات». لكنه أكد ان الجيش لا يتأثر بتجميد الوضع الإداري بفعل الانتخابات. وأوضح انه متألم «لأنني احب ان اقوم بأكثر مما أقوم به، لكن لم أفاجأ بالصعوبات». وأضاف ان «المظلة الدولية - الإقليمية التي أنتجت اتفاق الدوحة استبدلت بمظلة شعبية لبنانية»، وأنه يلعب دور «ضامن السلطات». ورأى انه في 8 حزيران (يونيو) «يبقى من اتفاق الدوحة روحيته»، والرئيس مسؤول عن الربع والثلث والثلثين وهو الذي يضمن ويعطل». وعن العلاقات بين الرئاسة والزعامات المارونية، قال ان الوضع سيكون أحسن بعد الانتخابات. واعتبر في شأن علاقته مع زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون انها «علاقة رئيس الجمهورية مع كل الزعماء الوطنيين وعندما كان العماد عون قائداً للجيش كنت أنا من أبرز المقاتلين لكن كنت أحافظ على الوحدة الوطنية». ورأى ان «كل واحد يعتبر ان له الحق ببعبدا (رئاسة الجمهورية) اعتقد انه لا يصل. وسأل: «هل تعتقد ان طامعاً ببعبدا يستطيع ان يأمر جيشاً موحداً»؟ فخامة الرئيس، كانت لك زيارة لافتة لتركيا وجاء الموعد غداة حصول تركيا على تفويض أميركي للانطلاق في معالجة وضع المنطقة. هل سمعت نصيحة تركيا حول مفاوضات غير مباشرة لتحرير مزارع شبعا؟ - لا، لم يحك في هذا الموضوع، تركيا دولة مهمة اقليمياً، وتلعب دوراً نظراً الى حجمها وجغرافيتها وتاريخها، كرابط بين الشرق والغرب، وكرابط بين الشمال والجنوب، ونحن على صغر حجم وطننا، نشعر دائماً بأن لنا دوراً، دور ربط بين الدول العربية، بين العرب والغرب، لذلك كان من المفيد جداً أن نتحدث مع تركيا وننسق ونبني علاقات صادقة معها، لأن علاقاتنا معها كانت بعيدة وفاترة، نظراً الى الدور الذي تلعبه والذي نستفيد منه بدورنا، لكن الكلام عن تفويض أميركي لا أعلم إذا كان دقيقاً. المهم هي تلعب هذا الدور، برافو، ونحن شجعناها على متابعة هذا الدور، لكن لم نتحدث عن مفاوضات. لسنا مع مفاوضات مع اسرائيل هل شعرت بأن تركيا في طريقها الى اعادة اطلاق المفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل والتي تعنينا أيضاً كلبنانيين؟ - أعتقد أنهم جاهزون، حسبما عبروا، لاعادة رعاية أو الوساطة في المفاوضات بين الأطراف. لأن المعلومات تفيد أنهم تلقوا أيضاً من الجانب السوري... - نشرت في الصحف وقرأناها، يعني عندما يقوم أحد بالمفاوضات لا يبوح بكل شيء، يعني المعلومات الصحافية قالت هذا الشيء، لكن هم لم يعلنوا رسمياً أنهم تلقوا طلباً، لكن يرددون أنهم جاهزون ويودون لعب دور في تسوية نزاع الشرق الأوسط. ألا يودون لعب دور في مزارع شبعا أيضاً؟ - نعم، هي من ضمن ذلك بالتأكيد. في أي سياق؟ - في السياق الذي نتحدث عنه، موقفنا أصبح واضحاً بشكل أنه لم يعد أحد يناقشنا به، مزارع شبعا ترعاها القرارات الدولية ذات الصلة، لا أحد يتكلم معنا عن مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة لتحرير مزارع شبعا، المسألة التي لك لا يمكنك أن تفاوض حولها، كيف أفاوض على مزارع شبعا؟ ليس لدي مشكلة مع اسرائيل غير مقررة في القرارات الدولية، لذلك نحن لسنا مع المفاوضات. هل نحتاج الى جهود تركيا بين لبنان وسورية؟ - أبداً، بالعكس، ربما نحن نستطيع أن نقرب. كيف تصف العلاقات بين لبنان وسورية؟ - ممتازة، طبعاً كل شيء يحتاج الى وقت، بعدما تنكسر الأشياء، ما حصل أثناء الحوادث زعزع الثقة والعلاقة، حتى أن التعوّد على خطاب يواجه صعوبة لتغييره، يحتاج الى الوقت، الا تلاحظ أن الأمور تصبح أكثر طراوة؟ الأمور أفضل. - بكثير، وتتسارع. كيف تصف العلاقة الشخصية بينك وبين الرئيس بشار الأسد؟ - ممتازة. هل يمكن القول إن الخط مفتوح؟ - الخط مفتوح، وعلاقتي بالرئيس الأسد تتسم بالاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة أهم شيء، واعتبر أن الرئيس الأسد يثق بالرئيس سليمان ثقة كبيرة، وأنا أثق به ثقة كبيرة. وهذه أهم من الاتصال والخط المفتوح. هل الخط مفتوح مع الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله بالدرجة نفسها؟ - طبعاً، لكن ليس الخط العسكري، لأسباب أمنية خط السيد ليس خطاً عسكرياً، لكن الخط مفتوح مع الحزب وكانوا عندي منذ أيام قليلة بعد عيد الفصح. احترام رئيس لبنان حديثك عن الثقة، يترافق في الوقت نفسه مع انطباع نشأ لدى بعض حلفاء سورية في لبنان، أن موقفك في «قمة غزة» في الدوحة بالاصرار على المبادرة العربية للسلام لم يكن له استحسان لدى الجانب السوري. - أبداً، الرئيس السوري يقدر موقفي في الدوحة ويثمنه وأعرف أنه كان له انعكاس طيب على الأسد والجامعة العربية وعلى احترام رئيس لبنان من الدول العربية والأجنبية. احترام رئيس لبنان وموقفه الذي يتجلى بأن يسمعوا له عندما يبدي رأيه بأي وضع يتعلق بسورية أو غير سورية، يصبح موضع ثقة، الثقة أيضاً تنعكس في مواقف كهذه. والرئيس الأسد قادر وذكي لكي يعرف هذه المعاني مئة في المئة ونحن تحدثنا بعضنا مع بعض في هذه القضايا. في موضوع العلاقة اللبنانية - السورية، وفي بيان القمة اللبنانية - السورية في آب (اغسطس) الماضي، حددت 6 نقاط بمثابة خريطة طريق مرحلي في ما يتعلق بالعلاقات، أنجز منها العلاقات الديبلوماسية، أما موضوع الحدود لجهة ضبطها وترسيمها فما زال متأخراً، كذلك تكريس لبنانية مزارع شبعا في القانون الدولي. كيف سيتم التعاطي مع هذه النقاط؟ - معك حق، علاقات الدول تحتاج الى الصبر والوقت. من كان يقول بإمكان اقامة علاقات ديبلوماسية؟ ذهب السفير اللبناني الى دمشق ورفع العلم اللبناني هناك، وبقي البعض يقول انه لا توجد علاقات ديبلوماسية. منذ تأسيس لبنان وسورية لم تكن هناك علاقات ديبلوماسية، ترسيم الحدود وكل النقاط التي وضعت في البيان التاريخي المشترك ستحصل تدريجاً، لكن كل شيء يحتاج الى الوقت وأمور الدول لا تحل في يومين أو ثلاثة، إنما الاتجاه الصحيح هو النيات الطيبة. في موضوع العلاقات اللبنانية - السورية، قال الرئيس الأسد إنه مستعد لإعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع لبنان، هل يجري شيء على هذا الصعيد؟ - هذا بحثناه أيضاً في القمة اللبنانية - السورية، أي أن الشيء الذي يرتإي لبنان أنه يؤذيه وتوافق عليه طبعاً السلطات اللبنانية الدستورية، في مجلس الوزراء والمجلس النيابي، هم مستعدون لاعادة النظر فيه. هذا كلام قيل. أما في ما يتعلق بمزارع شبعا، فحكينا عنها في البيان المشترك أنا والرئيس الأسد وقلنا إنها لبنانية، هذا أهم من أي ورقة أخرى. هذا بيان قمة صدر باتفاق رئيسين وجرى تعميمه على كل الصحف. هذا بالمعنى السياسي، لكن بالمعنى القانوني... - تقصد الجغرافي. الجغرافي القانوني الدولي... - وجهة النظر السورية أنهم لا يرسمون الآن تحت الاحتلال، وهذه وجهة نظر يجب احترامها. وقلت لك إن كل شيء يبدو مستحيلاً اليوم، سيبدو سهلاً أو ليس مستحيلاً غداً. الملاحظات التي طلبتها من مجلس الوزراء في احدى الجلسات بعد قمة دمشق عن الاتفاقات، هذا الموضوع لم تجر متابعته، هل شُكل ملف معين أم بعد؟ - مبدئياً هناك دراسات رفعت الى رئاسة مجلس الوزراء، قد يكون الوقت الآن لا يسمح بالغوص في هذه التعديلات، هي تحتاج الى مجلس نيابي ومجلس وزراء ومناقشة. نحن مضغوطون في موضوع الانتخابات وأعود وأذكر بأن السفير اللبناني تسلم مهماته، فلتأخذ الامور طبيعتها، كل استعجال بيننا وبين سورية يؤدي الى فقدان الثقة، وكأنهم «لاقطينا» بشيء ونريد أن نخلص منهم أو بالعكس. لا، دعوا الأمور تكون هادئة وطبيعية. وكل ما نراه ضرورياً، أنا أكيد أن الرئيس الأسد وسورية يقبلان بمناقشته وتعديله. ما تحقق وما لم يتحقق نحن على مسافة شهر من ذكرى توليك رئاسة الجمهورية، خلال 11 شهراً. ماذا حققت مما وعدت به وما الذي تشعر بأنك لم تحققه؟ - شعرت بأنني رددت لبنان الى موقعه الذي يستحقه في العالم وفي الداخل. يعني استعاد اللبناني ثقته بوطنه على الأقل. وتمكنت من وضع نهج تعاطٍ سياسي يشبهني أنا، يشبه أسلوبي، أسلوبي التوافقي، والوحدة الوطنية التي استطعت ارساءها في الجيش في السنين الصعبة. أعتقد أن هذين الأمرين الأساسيين اللذين تمكنت من تحقيقهما، وهما ليسا قليلين. ولا تنس العلاقات الديبلوماسية، وهذا أمر لم يكن من السهل اقامته، وحصلت زيارات بيننا وبين سورية فأخذت الأمور مجراها وستشهد قريباً زيارات أخرى في الاتجاهين. هل من قمة قريبة؟ - القمة واردة في أي وقت، عند الحاجة نعقد قمة، لا مشكلة، لكن هناك زيارات على مستوى المسؤولين الكبار والسياسيين. أعتقد أن أموراً كثيرة تحققت والأمن خطا خطوات متقدمة كثيراً، على صعيد الجيش وقوى الأمن الداخلي وكذلك السياسة الخارجية، كرامة لبنان وصورته، لبنان المستقل الذي لا يشتم ولا يهين. أما في ما قصرت ولم أستطع تحقيقه، فالتقصير هنا ليس من جانبي، وكلكم تعرفون الأسباب، هو الاصلاح، يعني اكمال التعيينات. الانتخابات في كل دول العالم «تجلّد» الوضع الاداري، الفرق، أن الجيش لا يتأثر لأن أموره ماشية، بينما المؤسسات الأخرى من الصعب القيام بتطوير واصلاح فيها لأن الأمور «مفشكلة». الآن هناك انتخابات ومن الصعب القيام بتطوير واصلاح وتستعمل ذلك السيف الذي تحدثنا عنه، لكن بعد الانتخابات سنكمل مشوار الاصلاح. وهذه ارادة جماعية، اذا «ما بدنا»، لا نستطيع الاصلاح. أما اذا «بدنا» فسنجد الطريقة للاصلاح وهذه يجب جعلها قناعة، مثلما تكونت قناعات أخرى، وأعتقد أن لدي دوراً كبيراً في قناعات، يمكن أن يكون معظمها غير ظاهر يتم بهدوء. خلال ال 11 شهراً، هل ندمت يوماً أو شعرت باليأس لأنك توليت الرئاسة، لأن السياسيين اللبنانيين مُتعبون. هل يمر رئيس الجمهورية بإحباط مثل ذلك الذي يمر به المواطن؟ - مئة في المئة. كل انسان يفكر يمر بهذا الاحباط، لكن أين الفرق؟ بقدر ما أنت متهافت بقدر ما تحبط. هل كان هذا الشخص متهافتاً الى الرئاسة. ألم يكن يعرف مسبقاً ماذا فيها؟ أنا لم أكن متهافتاً، لا بل كنت دائماً أقول إنني اعرف صعوباتها، لكن لم أفاجأ بعد بهذه الصعوبات، طبعاً أنا متألم وأحب أن أقوم بأكثر مما أقوم به لكن لم أفاجأ بالصعوبات لأنني كنت أدركها قبلاً. سأسأل سؤالاً افتراضياً، إذا انتهت الانتخابات النيابية الى فوز الأكثرية الحالية، هل من الصعب أن يكون سعد الحريري رئيساً للحكومة في لبنان بسبب الوضع مع سورية مثلاً؟ - بالنسبة الي أقول لا، لكن لا أسأل أنا هذا السؤال، إنما يوجه السؤال اليه. من؟ - الشخص الذي تتحدث عنه. سعد الحريري؟ - نعم، هل صعب عليك أن تكون رئيساً لحكومة لبنان وأن تكون لديك علاقة صحيحة مع سورية؟ أما بالنسبة الي فلا شيء مستحيل. هل حاولت تذليل هذه الصعوبات؟ - أحاول دائماً أن أذلل الصعوبات، يمكن أنني أتميز بجرأتي على الكلام واعطاء كل ذي حق حقه، أياً كان. يعني لا تعتبر مشهداً من هذا النوع مستحيل؟ - لا، أبداً. رئاستك نتاج تسوية في الدوحة، هل تعتقد أن المظلة الاقليمية الدولية التي انتجت هذه التسوية ستبقى قائمة بعد انجاز النقطة الأخيرة فيها، أي الانتخابات، وبالتالي نحن بحاجة الى تجديد تسوية ما اقليمية؟ - استبدلت بهذه المظلة مظلة لبنانية شعبية. بفعل الانتخابات... - لا، بفعل الفترة التي دخلنا فيها. المظلة الدولية التي ساعدت في ارساء اتفاق الدوحة أصبحت لبنانية صرفة على ما أعتقد، والناس تحكم على الرئيس، فلم يعد الرئيس بحاجة الى مظلة دولية، إنما الى مظلة وطنية لبنانية وشعبية أكثر من أن تكون من الزعماء السياسيين. المظلة الدولية كانت مفتاحاً لحل الأزمة المستعصية، لكن هذه المظلة لا ترافق الرئيس، لا ألتقط الهاتف وأستشير كل الذين ساعدوا على انهاء الأزمة حول أمر ما. أبداً. لم استشر أحداً منذ بدأت ممارسة مهماتي، علماً أن الكل يعذب. الحكومة أخذت وقتاً والبيان الوزاري أيضاً، لكن كنت أعالج الأمور أنا واللبنانيين، فنحن أساتذة في الديموقراطية، إذاً أين أضعناها؟ هل نستطيع الوصول الى حل يرضي الأطراف الموجودين، هذه هي الديموقراطية، الحل الذي يسمح لك ولغيرك بأن تتمتعوا بالحقوق الموجودة. قبل انتخابك قلت إنك ستحاول أن تكون شيخ صلح بين الفرقاء، وأن البلد يحتاج الى التوافق وليس الى ضرورة ممارسة اللعبة الديموقراطية. - لا، لم استعمل هذا التعبير، أنا دقيق في هذه القصة، ليس أن الأمر غير ضروري، أنا قلت إن ديموقراطية لبنان هي مختلفة عن ديموقراطية الغرب. وللمناسبة، أنا درست العلوم السياسية وإشكاليات الديموقراطية. الديموقراطية الحقيقية التي يحكى عنها في الغرب بمعنى أن 51 يحكمون 49، هي بحد ذاتها عليها دراسات واشكاليات كبيرة، وأهم اشكالية أنه كيف يمكن لل 51 أن يقرروا عن 49 وهو عدد ليس بهيِّن. الديموقراطية الميثاقية هل يعني أن اتفاق الدوحة للتصحيح؟ - لا، أنا قلت اذا كانت في الدول الغربية اشكالية حول الديموقراطية، فكيف في لبنان الذي دستوره ميثاقي، ويخصص للطوائف حيزاً من السياسة؟ لذلك عندما خصص الدستور للطوائف حيزاً اجبارياً في السياسة، معنى ذلك أن اللجوء الى الديموقراطية الميثاقية اجباري. ليس لتعطيل الحكم. نستطيع أن نجد أسلوباً لا يعطل الحكم، لكن قلت في حينه إن نصاب رئاسة الجمهورية ليس عددياً، رقمياً، إنما نوعي. إذا كان النصف زائداً واحداً فيه من كل الأطراف، فأنا اعتبره نصاباً. والآن أقول إن الأكثرية التي ستأتي اذا كانت تتضمن من كل الأطراف أقبل بحكمها. يعني 8 أو 14 آذار من لديه من كل الأطراف أقبل بحكمه، لكن من ليس لديه ذلك، يوجب علينا أن نتطلع الى ما ينطبق على روح الدستور، وهذا أنا مسؤول عنه. المشاركة توافقية؟ - كلمة مشاركة صارت بشعة عندنا، علماً أن في أهم العلوم في العالم هي شرط أساسي، من المؤسسة الى الدولة. هي بند من ثلاثة. هنا في لبنان صرنا نعتبر المشاركة محاصصة. يجب التفريق بين المشاركة والمحاصصة. نستطيع أن نشارك الآخر في رأيه من دون أن نعطيه حصة من الوطن، هذا هو الفرق. المشاركة صار معناها الآن الثلث المعطل، هل تراه بعد الانتخابات المقبلة؟ - قلت لك الجواب، قبل السؤال، أنا مع الأكثرية الديموقراطية عندما تكون تشبه الدستور. تحكم الأكثرية عندما تشبه الدستور. ولا ننس أن رئيس الجمهورية ضامن السلطات ودوره هو من يعطل ويضمن ويصحح. هل يعني الأمر كتلة وسطية؟ - لا، من دون كتلة، هل أنا الآن ألعب هذا الدور مع كتلة، لا دخل للكتلة في هذا الموضوع، هذا دور الرئيس في الدستور. قال الدستور إن الرئيس يضمن الدستور ويترأس جلسات الحكومة، له دور في تأليف الحكومة. وجود المستقلين لكن خلال المرحلة المقبلة بعد الانتخابات، هناك حديث كثير عن أن رئيس الجمهورية، كي يلعب دوراً فاعلاً أكبر في هذا الجانب الذي يعطيه اياه الدستور، فإن قيام كتلة وسطية تحد من الاستقطابات بين الفريقين التي أدت الى نوع من التعطيل مطلوب، ليستند اليها الرئيس وتضع الثلث المعطل عنده وليس عند الفرقاء، ولذلك هناك أناس كثر يتطلعون الى دور لك في الانتخابات، ذلك أن في نهاية المطاف يحق لرئيس الجمهورية أن يكون له دور ما في الانتخابات النيابية، أن تكون له كتلة، أو أن يدعم كتلة. - الرئيس دائماً يكون، إما جاء من أرضية شعبية تبرر له دوره، وإما أن يكون صاحب دور يعوض به عن الأرضية الشعبية، طبعاً أنا لم آت من أرضية شعبية، إنما من مؤسسة افتخر أنني جئت منها. أما مسألة الوسطية والكتلة الوسطية، فأنا لا أريد أن استخدم هذه الكلمة لأنها تدل الى فريق معين. أنا أتحدث عن دستورنا الذي يتطلب بحد ذاته التنوع. الحل إذاً في وجود مستقلين، مرات عدة قلنا إن فكرة المستقلين فكرة ديموقراطية حقيقية، وبالعكس فإن المستقل هو المتحرر من الاملاءات الحزبية، يعني يوم يريد الموافقة على قرار يستطيع بصرف النظر عن أي املاءات تقول أنت هنا أو هناك، هو يرى القرار المناسب إذا كان آتياً من فريق الأكثرية وإذا اعجبه يمشي معه، واذا كان آتياً من فريق الأقلية وأعجبه يمشي معه، وهنا الاعجاب يعني المصلحة الوطنية. لذلك، طبعاً، الحياة الديموقراطية والسياسية اسلم بوجود المستقلين. هل تتخيلون لبنان بنظام الحزبين؟ هل تتخيلون 17 أو 18 طائفة في نظام الحزبين؟ نحن الآن تقريباً في نظام الحزبين، بقدر ما يقولون عن حرية داخل التكتل، «أوكي»، أنا معهم مئة في المئة ولا أقلل من شأن أحد، لكن الواقع هكذا اصطفاف 8 - 14 يعني حزبين، يطلع مشروع من 8 آذار، هل تسير فيه 14 آذار؟ لا، والعكس صحيح. نحن بحاجة الى الناس الذين يستطيعون القول هذا مشروع جيد نحن سنمشي به. هؤلاء المستقلون. الرئيس في الدستور معه قوة كبيرة، يلعب دوراً، قلت لك، المظلة الشعبية ليست دائماً تترجم بالانتخابات، على الرئيس أن يؤمنها من خلال تصرفاته وأدائه، أنا لا أستطيع أن أحكم على نفسي اذا ما كنت أؤمن هذه المظلة الشعبية، هي أهم من عدد النواب الذين يقولون: الرئيس، لأنك لا تعرف متى تأتي مجموعة تنفصل عن 8 أو 14 آذار ويقولون لي أصبحنا مع الرئيس، هل يمكنك أن تعرّف بالسياسة؟ كيف بدأ العهد الماضي؟ بدأ بتحالف رباعي، كيف صار؟ هذه السنوات الأربع الماضية، حصل تعديل، وقد يحصل تعديل، وقد يفوز مستقلون، وإن شاء الله فهذا أحسن لسلامة الحياة السياسية. هل أنت تتخوف من الوضع الأمني في ظل تحذيرك المتكرر من أن الأمن قبل الرغيف؟ - لأنه حصلت خربطة، لكن ليس الى حد الخوف؟ المشكلة اذا أردنا الخوف نسقط فيه، لذلك لن نخاف، «بدنا» نعمل انتخابات، الجيش موجود وقوى الأمن موجودة، الأطراف الأساسية تتحمل مسؤولية كبيرة جداً. وكل واحد يخربط الأمن معناها أنه يعطل العملية الديموقراطية. والناس يجب أن تحاسبه في الصندوقة. كل من يخوّف الناس، على الناس محاسبته. هل أنت مطمئن لوجستياً؟ - بحسب افادات وزير الداخلية ماشي الحال، يقومون بعمل جيد جداً. ومجلس الوزراء يدعمهم في كل شيء. هناك عبارة ترددها دائماً ووردت في خطاب القسم أن الأهم من الانتخابات... - قبول النتائج. النتائج المتقاربة وقبول الآخر ألا يحصل تناقض بين هذا المبدأ وبين مبدأ الديموقراطية التوافقية؟ - لا تسمّها توافقية، سمّها ميثاقية. توافقية يعني اتفقنا، أنا أقول 8 فيها من كل شيء لتحكم وإذا 14 فيها من كل شيء لتحكم أكثرية وأقلية، التوافق هو بالنفوس والقبول. لو كنت أنا خارج الحكومة وأتوافق مع الموالاة على المصلحة الوطنية، يعني أتوافق على استقلال لبنان وسيادته، هذه معاني التوافقية الكبيرة. وليست التوافق على تعيين موظف، عيب تسمية هذا الأمر توافقاً، لذلك اسميها ديموقراطية ميثاقية، أما مسألة القبول بالنتائج، فإن المشكلة في مجتمعاتنا أننا نعمل مؤسسات وقوانين لكننا لا نقبل بنتيجتها. انها عقلية عشائرية، هذه العقلية الشرقية التي لدينا، بقدر ما هي مفيدة عائلياً واجتماعياً، بقدر ما هي ضد العمل. يعني علينا الجمع بين الاثنين. أهم ما في المؤسسة أن تحترم قانونها وما تنتجه عليك القبول به، هناك قانون للترقية، ينص على ذلك، تصدر الترقية عليك القبول بها، وليس عندما تترقى تقبل به وتكون «مبسوطاً» بالقانون والمؤسسة وعندما لا تأتيك الترقية لا ترضى عن القانون والمؤسسة، أنا أرضى بالقانون فأقبل بنتيجته. نقبل بالديموقراطية يعني القبول بالنتائج، والقبول مرات يكون ب «شوية فرح»، يعني يحتاج الى اظهار، يعني يطلع خصم أوباما (جون ماكين) ويهنئه ويقول له أنت تستحق وأميركا تستحقك، على الأقل دعونا نبدأ بالاسلوب، دعونا نعبّر، وليس اذا خسرت تروح تنتقد الآخرين، معيب في لبنان السقوط في الانتخابات، كيف اذاً يمكن شخصاً أن ينجح في الانتخابات باستمرار؟ خصوصاً اذا كانت النتائج متقاربة، لأن النتائج بالتأكيد ستكون متقاربة، لا عيب في الخسارة، الخاسر عليه أن يفكر خلال أربع سنوات مقبلة كيف يجعل الناس تعطيه أصواتها، كيف يقنعها بأخذ 3 أو 4 في المئة التي هي الفارق بين الخاسر والرابح. تتوقع اذاً نتائج متقاربة؟ - هكذا أرى الأرض. في 8 حزيران ماذا يكون بقي من اتفاق الدوحة؟ - روحيته. يعني؟ - الميثاق الوطني. يعني عدم استعمال السلاح في الداخل، ووقف التنابذ والحملات الاعلامية، روحية الاتفاق، ونحن علينا دائماً أن نأخذ من الأمور روحيتها، الشكل يتغير ويتعدل. ماذا سيحصل في الحكومة المقبلة؟ - تسريع الامور قبل وقتها ليس جيداً. والافتراضات أيضاً، لكن الدوحة قسمت المقاعد وأعطت الرئيس ثلاثة، لم تقل سأعطي الثلث، ونصف الثلث وربعه، لم يضعوا مبادئ ترتكز اليها، إنما وضعوا أرقاماً، لذلك اذا كانت الوزارة من عشرة مقاعد والرئيس عنده 3 مقاعد، واذا تمسك الرئيس برقم الدوحة منيحة. يعني لا أحد معه الثلث، لذلك دعونا من الأرقام، ليست مبدأ. الروح، اذا كانت تخدمنا لنعمل الثلث نعمله، أما اذا الوضع لا يلزم، لكن دائماً ضعوا في رأسكم أن الرئيس هو مسؤول عن الربع والثلث والثلثين، عن كل شيء، هو الذي يضمن وهو الذي يعطل. العلاقة مع عون عندما تتولى شخصية مارونية رئاسة الجمهورية يحصل نوع من العلاقات الحساسة بين الزعامات المارونية. هل نعيش مشكلة من هذا النوع قد تتفاقم بعد الانتخابات؟ - لا بالعكس، الوضع بعد الانتخابات سيكون أحسن، الآن تهتز الأمور، واحد يخمن هذا ضدي وهذا معي، لكن غداً بعدما تهدأ الأمور وكل واحد يرى نتيجته يكتشف أن لا لزوم للصدام مع رئيس الجمهورية. هناك انطباع يقول إن علاقتك معقدة مع الجنرال ميشال عون: المكتب نفسه في وزارة الدفاع، هو جرب القصر في مرحلة عابرة، وأنتما من المؤسسة العسكرية نفسها، كيف هي العلاقة معه؟ - أعتقد أن هذا الكلام افتراضي يترافق مع فترة الانتخابات. علاقتي مع العماد عون، علاقة رئيس الجمهورية مع كل الزعماء الوطنيين. ليست مختلفة نهائياً. وكما قلت كانت هناك رفقة سلاح سابقاً، أنا كنت من الناس الموجودين في المؤسسة، عندما كنت أقل من قائد جيش، عندما كنت قائد لواء، وكل المشاكل التي مرت بلبنان كان لي حضور فيها، وحضوري كان دائماً حضور مقاتل شريف، لكن في الوقت نفسه أبحث عن الوحدة الوطنية، وعندما كان العماد عون قائداً للجيش كنت أنا من أبرز المقاتلين، لكن كنت دائماً أحافظ على الوحدة الوطنية ولا أسمح للجيش بأن يتفكك، كنت أتحدث دائماً الى رفاقي الذين كانوا في الشطر الآخر، كان عندي دور دفاع وسيادة وحرية ولي حصة كبيرة في الدفاع عن لبنان والجيش اللبناني، لكن في الوقت نفسه كنت صلة وصل وقدرت، والحمد لله، عندما توليت القيادة وفي ضوء تجربتي السابقة والمرة، وضعت نصب عيني وحدة الجيش اللبناني. سألتني عن الاحباط، غير ممكن لأن هدفي كان أن أترك الجيش موحداً. هدفي أن أسلم الجيش لخليفتي موحداً، لأنني «تمرمرت» في الماضي عندما شاهدت الجيش يتعرض لتصرفات خاطئة أخذته الى مطارح ليست له وجعلته يصطدم مع شعبه ومرات مع رفاقه بالسلاح، ولحسن الحظ ليست كثيرة، هذه علمتني الكثير، فأنا كنت مقاتلاً وكنت أرى وأتألم وأعرف أن هذا كان خطأ. كنت أحاول الاصلاح بحسب قدرتي. وعندما صرت قائداً للجيش كان تركيزي كله حول هذه النقطة وهذه التجربة هي الأغلى على قلبي. هل الجنرال الذي يصل الى اليرزة يصبح من حقه الطبيعي الوصول الى بعبدا؟ - كل واحد يعتبر أن له الحق ببعبدا، أعتقد أنه لا يصل. هناك فكرة خاطئة عن العسكريين، في كل دول العالم، لكن الذين لديهم قدرة الإمرة الجنرالية هم أبعد عن التسلط والحرب من غيرهم، هل تعتقد أن قائد الجيش في لبنان يستطيع أن يأمر جيشه، اذا كان موحداً اللهم، ولا أتحدث عن الجيش عندما كان 3 آلاف هنا و 4 آلاف هناك، أتحدث عن الجيش الموحد الذي كان معي. هل تقدر أن رئيساً طامعاً ببعبدا، أو يستعمل أسلوباً غير ديموقراطي وبعيداً من مقاييس العدالة والكرامة وتكافؤ الفرص يستطيع أن يأمر الناس على الموت، الواحد وراء الثاني. لا، 170 جندياً في مخيم نهر البارد كانوا يرون رفاقهم وأولاد عمهم؟ يموتون ويتابعون وهذا الكلام في لبنان أصعب ما كان، هل تستطيع في حرب تموز أن تعطيهم أمراً: يا شباب حيث ترون الاسرائيلي دافعوا ويجب أن يسقط شهداء من عندنا، هكذا قلت لهم عندما بدأت الحرب. قلت في حينه اذا لم يسقط للجيش شهداء لا نستحق الوطن، عندما بدأت حرب تموز قلت لهم دوركم آت بعد الحرب، لكن «حطوا» الشهادة في رؤوسكم. واذا لم يستشهد لنا عسكر ويمكن أن أكون واحداً منكم لأنه يمكن أن يقصفوا وزارة الدفاع. أينما ترون العدو «تحركشوا» فيه وادفعوا ضريبة الدم لنخلص الوطن، وبعدها دفعنا 50 شهيداً، وذلك العسكري الذي كان يرى الطائرة التي يمكن أن تضربه من غير أن يتمكن من فعل ذلك، ظل يضرب برشاشه حتى صار الاسرائيليون يضربون. لدينا 50 شهيداً في حرب تموز. هل يمكن القيام بذلك من دون أن تكون ديموقراطياً وعادلاً ومتجرداً من مصلحة؟ هل كان في استطاعتي ان أنزل الى ساحة البلد بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وأقول للعسكريين احفظوا أمن المتظاهرين الذين يطالبون بالحقيقة، هذا حقهم، وهذه البندقية نفسها لا تتوجه الى صدور هؤلاء كما لا تتوجه الى صدور المقاومين الذين يدافعون عن الوطن. كيف يمكن ان «يقبض» العسكري هذه المبادئ والشعارات، العسكري الذي اتى من ضيعة فقيرة معترة ورفيقه من غير مذهب من ضيعة فقيرة ومعترة بدورها. هذان الاثنان قاما بالمهمة ذاتها. طيب وشايفين البلد عم «يتقاوص» و «يتشاتم»، وانظر أي مهمات ضد اسرائيل. من دون ان يقف ويقول: «شو بدنا» بالمقاومة. كانوا كلهم يقاومون إسرائيل، وكلهم يقاومون الإرهاب ويحفظون الحريات وحق التعبير ومطالبة الناس بالحقيقة. هذه امثولة كبيرة للبنان والناس الذين يجب ان يعرفوا ان هذا الجيش الذي يتصرف بهذه الطريقة من غير الممكن ان ينقسم، كانوا يقولون: «بكرا ينقسم الجيش»، والآن صاروا يقولون، الناس والعسكر، انه مهما حصل لن ينقسم الجيش.