كل عمل الكومبيوتر والكهرباء والراديو والتلفزيون والهاتف يتكون من تيار ألكترونات يتدفق على شكل موجات كهرومغناطيسية عبر الأسلاك النحاسية أو الألياف الضوئية أو الجو. - هل يمكن أن تستخدم شبكات التيار الكهربائي لخدمة كل هذه الأجهزة؟ - أجل يمكن. لماذا لا تستخدم إذن هذه الشبكات المتوفرة في جميع بلدان العالم من دون الحاجة الى بناء هياكل ارتكازية جديدة تفوق كلفتها امكانات معظم البلدان؟ - سبب ذلك التشويش الذي يحدثه التيار الكهربائي الذي يمر عبر الأسلاك. - ألا يمكن التوصل الى حل لهذه المشكلة التقنية؟ - نعم... ممكن وقد تغلب علماؤنا أخيراً على هذه المشكلة. - هذا يعني أن الأبواب مشرعة الآن لثورة تكنولوجية جديدة تهز صناعات الكهرباء والاتصالات والاذاعة. ويعني أن الدول النامية لن تحتاج الى بناء هياكل ارتكازية خاصة لتحقيق أحلامها في ربط كل منزل ومكتب ومدرسة بمراكز وشبكات المعلومات الوطنية والعالمية. - أنت قلت ذلك! الانترنت عبر الكهرباء هذا حوار غير رسمي دار في أجواء رمضان حول مائدة فطور مع مهندسين عرب في شركة الصناعات الألكترونية "نورتيل". طوّرت هذه الشركة الكندية بالتعاون مع الشركة البريطانية "نورويب كومنيكيشن" تكنولوجيا جديدة تخدم في آن الكهرباء والانترنت والكومبيوتر والتلفزيون والهاتف والفاكس. يمكن هذا الفتح التكنولوجي شبكات القوة الكهربائية أن تحمل المعطيات الألكترونية الى المنازل مع التيار الكهربائي دون الحاجة الى بناء هياكل ارتكازية جديدة. ويتيح ذلك لشركات الكهرباء تجهيز خدمات الانترنت للمستهلكين بسرعة تزيد 30 مرة عن أسرع مودم يربط جهاز الهاتف بالكومبيوتر. وذكر المهندس العراقي الأصل أنور حلمي المدير في "نورتيل" Nortel أن ذلك سيخفض كثيراً كلفة الانترنت ويجعلها متوفرة للجمهورالواسع. ويتوقع حلمي أن تكون التكنولوجيا الجديدة جاهزة لاستخدام الجمهور في غضون العام الحالي. البداية ستكون في بريطانيا حيث ستقدم الخدمات في غضون هذا العام لنحو مليوني مستهلك . تتولى ذلك شركة "نورويب كومنيكيشن" Norweb Communications التي تعود الى "يونايتد يوتيليتيز" المسؤولة عن تجهيزات الكهرباء والماء العامة. كهرباء واتصالات يتم تلقي معلومات الانترنت عبر علبة صغيرة مثبتة الى جانب مقياس التيار الكهربائي. وينقل كبل متحد المحور معلومات الانترنت الى أرجاء البناية أو المنزل على غرار الأسلاك التي تربط التلفزيون بالهوائي. ويتصل الكبل بالكومبيوتر بواسطة بطاقة كومبيوترية. وستقتصر الخدمة في البداية على الانترنت، لكن التجارب نجحت في استخدام التكنولوجيا الجديدة لتلقي البث متعدد الوسائط ونقل الصوت والنص والصورة المتحركة عبر الأسلاك نفسها التي تنقل التيار الكهربائي. هذا يعني أن شبكة الكهرباء ستقوم بنقل مكالمات الهاتف ورسائل الفاكس وصور الفيديو والبث التلفزيوني ومعطيات الكومبيوتر. وذكر إيان فينس رئيس العلماء في "نورتيل" فرع أوروبا أن التجارب التي استغرقت نحو سنتين برهنت على أن الانترنت لا يؤثر على عمل الأجهزة الكهربائية المنزلية. ويتم في الوقت الحالي استخدام شبكات الاتصالات التقليدية لوصل محطة الكهرباء الفرعية بالانترنت. تستخدم شبكات الكهرباء العامة العالية الفولتية. وتجتذب التكنولوجيا الجديدة شركات الاتصالات التي تتعاون حالياً مع "نورتيل" لتوفير هذه الخدمات الى الأعمال عبر شبكات الكهرباء المحلية. والسؤال الذي يطرحه هذا الحدث، الذي كرست له افتتاحيات الصحف البريطانية هو: هل ستخرج التكنولوجيا الجديدة شركات الاتصالات من الميدان؟ سؤال ضمن أسئلة كثيرة تقلق صناعات الاتصالات والمعلومات والحكومات التي لا تستفيق من آثار ثورة تكنولوجية إلاّ على قرع أجراس ثورة جديدة تهز عالم المال والأعمال والسياسة. فالفتح التكنولوجي الجديد يفاجئ شركات الهاتف التي لم تعثر بعد على حلول لمنافسة الانترنت الذي يهاجمها في عقر دارها، وعليها الآن أن تفكر بحلول لمواجهة منافسة شركات الكهرباء. شبكة الجميع بالنسبة لصناعة الكهرباء يجدد الاختراع الجديد شبابها، وكانت تبدو حتى وقت قريب كأنها استنفدت نفسها تكنولوجياً. فهي قادرة الآن على نقل المعطيات بسرعة تزيد عشر مرات على الأقل عن شبكات الاتصالات الرقمية متكاملة الخدمات ISDN. ويقترح الابتكار التكنولوجي تعديلات جذرية على السيناريوهات التي تصور "الاتحاد الدولي للاتصالات" أنه انتهى من وضعها نهائياً في العام الماضي. كم سيؤثر هذا على سيناريو متشائم توقع فيه الاتحاد الدولي الذي يضم وزارات ومؤسسات الاتصالات في جميع البلدان تزايد الفجوة المعلوماتية بين الدول المتقدمة والنامية؟ وهل سيزيد من مخاطر الانهيار الكامل لشبكة الانترنت بسبب ازدحام المرور على جادة المعلومات؟ أم سيحقق الأحلام الوردية المتفائلة التي توقعت انشاء هياكل ارتكازية للانترنت؟ الاداة الساحرة ألا تمثل شبكات الكهرباء العامة المتوفرة في كل البلدان الأداة الساحرة التي تحول الانترنت من خدمة الكومبيوتر فقط الى خدمة مكالمات الهاتف ورسائل الفاكس والبث الاذاعي والتلفزيوني، اضافة الى عمله المعتاد في نقل البريد الألكتروني والانترنت؟ وهل ستواصل حكومات العالم الثالث الاعتذار بضعف إمكاناتها عن تحقيق مشاريع ايصال خدمات المعلومات والاتصالات الى كل منزل ومكتب ومدرسة؟ يبدو الجواب عن هذه الأسئلة أقرب الى الخطاب الحماسي الذي اختتم تقرير "تحديات الشبكة" الذي وضعه "الاتحاد الدولي للاتصالات"، وقال في السطور الآخيرة منه: "مهما يكن عليه المستقبل فانه سيتركز في الأغلب على أساس شبكة الاتصالات العامة...شبكة الاتصالات العامة هي التي تدعم جميع التكنولوجيات الموجودة أو التي ستظهر في المستقبل. ليس الانترنت أو "الويب" www أو الهاتف ولا حتى الكومبيوتر، بل الشبكة العامة التي لا تعود ملكيتها لشركة خاصة ما أو بلد ما ولا حتى لجيل ما: إنها تعود لنا جميعاً، وهي ثمرة عقود من التخطيط والاستثمار، ولن يمكن تغييرها في سنوات قليلة".