عندما تجلس إلى رئيس حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان الدكتور حسن الترابي، لا بد من أن تكون يقظاً، لأن حديثه متدفق وكلامه متشعب وحواره مثير، إلى درجة أنه قد يصدمك بمواقفه السياسية وآرائه الفكرية. وفي أول زيارة له منذ نحو 23 عاماً إلى القاهرة، حرص الترابي على الحوار مع عدد كبير من القوى السياسية والحزبية ولقاء مرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية وشباب ثوريين وزيارة «ميدان التحرير». وأصبح جناحه في أحد الفنادق الشهيرة على النيل مقصد كثير من المصريين، كأنه عاد لينتقم من النظام السابق الذي منعه طوال السنوات الماضية من زيارة القاهرة. كما أراد أن يرسل إشارة مهمة إلى الخرطوم باقترابه من المصريين بعد الثورة. تشعب الحوار مع الترابي إلى قضايا كثيرة، وتوقفنا معه عند أسباب الزيارة ودلالات توقيتها وأهدافها... وعلاقته المتوترة مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ولماذا لم يغفر له موقفه من حادث أديس أبابا، في حين أن مبارك تسامح مع نائب رئيس الجمهورية السوداني علي عثمان طه، مع أنه مخطط العملية ومحركها، كما قال الترابي. وتعرض الحوار إلى موقفه من رياح الثورات العربية، ومعنى إفلات السودان وبقائه بعيداً منها، ومغزى ونتائج الصعود الظاهر للتيار الإسلامي في بعض الدول العربية ونقده التجربة الإيرانية. وناقشناه في بعض اجتهاداته السياسية، وأعطى الحوار جانباً لشؤون السودان وشجون انفصال الجنوب ورؤيته للعلاقة بين الشمال والجنوب وأهمية التواصل بين الشعوب. لاحظنا أثناء الحوار أن الترابي لا يزال يحمل ضغائن كبيرة لحلفاء الأمس - أعداء اليوم. فقد حرص على تجاهل ذكر اسم الرئيس السوداني عمر البشير. وكان يشير إليه دائماً ب «هو». كما بدا مراوغاً أحياناً في الإجابة عن مستقبل الحركات الإسلامية. وتعمّد الإشادة بمشروعه، بما يوحي أن المشروع الذي تأسس قبل عشرات السنين ما زال قابلاً للحياة، على رغم نجاحاته القليلة وإخفاقاته الكثيرة في معادلة الحكم والسلطة في السودان... وهنا نص الحوار: جئت إلى القاهرة بدعوة رسمية أم بمبادرة شخصية؟ - أكنّ احتراماً للشعب المصري الذي قام بثورته المباركة واستطاع إسقاط نظام ظل جاثماً على صدره لأكثر من ثلاثين عاماً، لأنه امتلك إرادة قوية وصمم على التغيير. أما أنا فقد حضرت إلى القاهرة بمبادرة شخصية وعلى نفقتي الخاصة، حتى أشعر أنني مع أهلي وناسي وأتحرك بلا قيود. فهذه الزيارة هي الأولى منذ نحو 23 عاماً. كنتُ ممنوعاً من دخول مصر، بسبب تقديرات خاطئة واتهامات باطلة من النظام السابق، حيث قالوا زوراً إنني مدبر حادث أديس أبابا عام 1995، الذي تعرض فيه الرئيس السابق حسني مبارك لمحاولة اغتيال لم تكن لي بها أي علاقة. وهو ما كشفته الحقائق. إذاً، لماذا لم تزر القاهرة طالما ثبتت براءتك، كما تقول؟ - ظل هذا الاعتقاد راسخاً في ذهن مبارك لم يبرحه أبداً، مع أن الحقيقة هي أن الجماعة المسؤولة عن محاولة الاغتيال مصرية ودخلت السودان ومنه إلى أثيوبيا بالتنسيق مع نائب رئيس الجمهورية (علي عثمان محمد طه)، وهو الذي يسر لهذه الجماعة أنواع الدعم اللوجيستي كافة لتنفيذ مهمتها. لكن الاتهام أُلصق بي في ذلك الوقت باعتباري رمزاً للسودان، وهو ما سبب لي مشاكل كثيرة، وأتذكر أنني كنت أريد زيارة القاهرة في أواخر التسعينات، لكن مبارك قال لإخواننا: الترابي لا يأتي إلى مصر ولو جاء فسأضعه في سجن ليمان طره (أشهر سجن مصري للمعتقلين السياسيين). كانت لديه (مبارك) حساسية مفرطة مع الإسلاميين، بكل ما تنطوي عليه من خلافات ومشكلات. لماذا لم يغير مبارك موقفه منك، في حين كان يستقبل علي عثمان طه؟ - علي عثمان طه يعمل بتنسيق وتعاون مع جهات غربية كثيرة وحقق لها منافع متعددة، وعلى اتصال دائم معهم وعلاقته بهم جيدة جداً، مع أنه لم يدرس في الغرب أو يمكث فيه كثيراً مثلنا. وهو حاول كثيراً استرضاء أميركا بأي طريقة، ويكفي أنه وقّع على اتفاقية نيفاشا عام 2005، في محاولة منه لتأمين نفسه وتوثيق علاقاته بالطريقة التي أرادها الغرب، الذي كان يضغط على بعض الزعماء ومنهم مبارك لاستقبال علي عثمان طه. من هنا كان يزور القاهرة وكنت أنا بعيداً منها. مع أن هذه الاتفاقية هي التي ورطتنا في قطع جزء مهم من جسم السودان. استكشاف مصر الجديدة حرصت خلال زيارتك القاهرة على لقاء قوى سياسية كثيرة وعقد لقاءات وندوات في أماكن متعددة، هل لديك رسالة محددة تريد أن تقولها؟ - المسألة لا علاقة لها بالرسائل، فأنا كنت مشتاقاً للقاهرة والتعرف على رموزها الصاعدة. من هنا التقيت عدداً من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية وقابلت بعض القيادات الحزبية، من اليسار واليمين وطبعاً الإسلاميين... فضلاً عن الشباب المصري الذي فجّر ثورته المباركة. وحرصت على الذهاب إلى «ميدان التحرير»، وزيارة بعض المعالم السياحية. فهذه زيارة شخصية وبلا قيود، لأنني حريص على التعرف على مصر الجديدة بروحها وناسها وشبابها وأماكنها. فأنا من المؤمنين بدور هذا البلد وقدرته على التأثير في كل من حوله. وكانت نتيجة اللقاءات والزيارات جيدة. فقد كنت مشتاقاً للتعرف على هذا الواقع والاقتراب من محركيه ومحاولة استشراف آفاقه عن كثب، خصوصاً أن الانفتاح الحاصل الآن في مصر يمكن أن تنعكس نتائجه الإيجابية على السودان من نواحٍ مختلفة. وهناك فرصة للتقارب بين البلدين وأنا أتوقع مستقبلاً زاهراً للعلاقات بين مصر والسودان. فقد سقط ديكتاتور في مصر وننتظر سقوط آخر في السودان، حتى تتوثق الروابط السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الاجتماعية التي لا تزال فعلاً تحافظ على متانتها، على رغم المحن والمطبات التي مرت بها طوال السنوات الماضية. هل المؤشرات التي تقول إن هناك خلافاً في قمة السلطة في الخرطوم تصلح كدليل لاقتراب حدوث تغيير في السودان؟ - ما يمكن وصفه بالصراع في قمة السلطة عندنا، لا يصلح إطلاقاً لأن يكون مقدمة للتغيير الحقيقي في السودان. فما يجري الآن بين علي عثمان (طه) ونافع (نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية) كما ذكرت، هو محاولات كل منهما لتعزيز علاقاته معه (يقصد الرئيس عمر البشير). وكل منهما يريد أن يكون الرجل الثاني ليخلفه (البشير). هذا الصراع يعكس حجم الخلاف داخل السلطة، في بلد يعيش وضعاً مأسوياً بعد انفصال جنوب السودان، الذي يستحوذ على جزء معتبر من ثروات البلاد. والآن، الجماعة في السلطة بدأوا يشعرون بأنهم ارتكبوا فعلة خطيرة في تاريخ السودان، فالانفصال لا يمكن أن يكون خطأ سياسياً بل هو جريمة كبرى، سيحاسبهم عليها التاريخ، لأنهم فرّطوا بجزء عزيز من السودان، كان من الممكن أن يظل مستمراً، لو عملوا على تحسين الأوضاع على أساس المواطنة وتخلصوا من المظالم التي كانت سائدة. وقد ظلت المعارضة السودانية لفترات طويلة ترجوهم أن يتجنبوا غضب الجنوبيين ويوقفوا المعاملات السيئة، لكنهم لم يسمعوا الكلام، فحدث ما حدث. والآن الخوف بدأ يتزايد حول مصيرهم في السلطة. وعلامات التشكيك تتزايد في إمكانية الإفلات من رياح الثورات العربية. هل لو كان الترابي في السلطة لما انفصل جنوب السودان؟ - نعم، لو كنت في الحكم لما انفصل السودان، فقط كانت علاقاتي جيدة بالراحل جون قرنق وغالبية القيادات الجنوبية. وكنا نعمل من أجل سودان جديد. سودان يقوم على العدل والمساواة والمواطنة ورد المظالم وتوزيع الحقوق. لكن ما حدث الآن سيكبدنا الكثير من الخسائر على مستويات مختلفة. جون قرنق أخرجني من السجن من قبل. ونحن لم نستطع منع حدوث الانفصال؛ لأننا ببساطة لا نملك سلاحاً كما أننا نعمل في ظروف سياسية صعبة لا تمكننا من التأثير القوي في تغيير دفة الأمور. وكل ما نريده الآن في حزبنا (المؤتمر الشعبي) الحفاظ على العلاقة بين الشعوب. ونستثمر العلاقات الودية بين الشمال والجنوب وسهولة الحركة بين الجانبين. ونحاول توحيد الجهود، بدلاً من الانقسامات الحزبية التي كانت سائدة في الشمال والجنوب على حد سواء. وأنا أعترف بأن الفترة الماضية كانت فترة هيمنة وللجنوبيين الحق في الاعتراض ورفض الظلم والدونية التي كانوا يعاملون بها. وفي تقديري أن الجنوب من الممكن أن يعود مرة أخرى إلى حضن السودان، إذا رفعت المظالم وجرى التأسيس لوحدة على قواعد جديدة. بعد اندلاع ثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، كان يُتوقع أن يكون السودان قبل هؤلاء أو على الأقل يلحق بهم، لماذا ظل بلدكم بعيداً من هذه الرياح؟ - السودان كان في مقدم الدول العربية التي شهدت ثورات وانتفاضات شعبية، فقد قام بثورتين من قبل. إحداهما عام 1964 والأخرى عام 1985. لا يعني ذلك أن السودان سيظل بعيداً من هذه الرياح. ولأن الأوضاع سيئة عندنا لا أستبعد حدوث ثورة قريباً. ومن تجربتي وقراءاتي لتاريخ الثورات أستطيع أن أقول إن معظمها يأتي بغتة ولا يمكن أن يحسب أحد أجلها. من كان يتوقع حدوث ثورة هائلة في مصر؟ وعموماً تجارب الثورات العالمية تؤكد وجود اختلافات من بلد الى آخر، في أسباب اندلاعها وطرق التعامل معها وحتى نتائجها. لكن العنصر المشترك أن الشعب إذا تعب ولم يجد مجالاً للتنفس والحرية فسينفجر من الغضب وهذا هو الخطر بعينه. والمثير أننا في الثورتين السابقتين (1964 و1985) أدركنا أهمية المحافظة على الأمن والاستقرار، وكنا نقدر وجود جملة كبيرة من العوامل مكنت السودانيين من تسليم السلطة لحكم مدني. هل للغرب والولايات المتحدة تحديداً، دور في إبعاد السودان من شبح الثورات من أجل إتمام انفصال جنوب السودان رسمياً؟ - لدينا أوهام كثيرة، مثل تضخيم دور الغرب وقدرته على التأثير بصورة كبيرة وفعل أي شيء وكل شيء. وهذا يظهر عندما يبرز ضعف إيماننا. فكلما أصابتنا مصيبة نقول أميركا والصهيونية العالمية، وننسى أن العالم قائم على التدافع. نحن نعيش في منطقة ضغط منخفض ومعرضون لعواصف كثيرة ومتباينة. ويجب أن ندرك أيضاً أن الغرب يسعى إلى تحقيق مصالحه بالفتنة أو بغيرها. ينصر هذا ويهزم ذاك... وهكذا. والمؤكد أننا ضعفنا بما فيه الكفاية. وهو ما يجعلنا نتعرض للضغوط ونظل متلقين على الدوام، وما لم تنصلح هذه المعادلة سيستمر حالنا على ما هو عليه من بؤس وفقر. والشعوب يمكن أن تسكت عشرات السنين، غير أنها من الممكن أن تثور في أي لحظة. وفي قناعتي أن الشعب هو المحرك الحقيقي للثورات، كما قال أبو القاسم الشابي في قصيدته الشهيرة. وفي مصر كانت تباشير الثورة ظاهرة من خلال بروز بعض حركات المجتمع المدني النشطة، «كفاية» و «6 أبريل» و «9 مارس» و «كلنا خالد سعيد». كما أن هناك سياسيين دخلوا سجون مبارك. يومها شعرت أن النظام بدأ يتداعى وفي انتظار لحظة الحسم. وهذا هو الوضع الطبيعي أو المقدمة الأساسية للثورات. وفي مقابل الحيوية المصرية شعرت بأن الشعب التونسي كان يائساً من التغيير. تحاورت مع تونسيين كثيرين في فرنسا وشعرت أنهم غير متفائلين. وأقول عندما تشتعل الشعلة، فإن ذلك لا علاقة له بالسياسة. تجارب ناقصة وواقع معقد إلى متى سيستمر السودان بعيداً من رياح الثورات العربية؟ - في اعتقادي، السودان قابل للالتهاب. وأشد ما أخشاه أن يكون التهاباً أخطر من الالتهابات الماضية وأكثر سخونة من أي ثورة عربية أخرى، لأن كل الأقاليم تقريباً لديها نزعات انفصالية. وهذا الأمر لم يكن موجوداً في الماضي. في الغرب، دارفور تزداد اشتعالاً، والحرب تنذر بعواقب وخيمة. وفي جنوب كردفان مشكلة تتصاعد تهدد بسيناريوات غامضة. وقبائل البجا في الشرق تواصل اعتراضاتها. حتى الشمال ليس بعيداً من إرهاصات الانفصال التي تلوح في الأفق، حيث توجد محاولات للمطالبة بما يسمى دولة «كوش» المستقلة للنوبة. بكلام آخر، السودان قد يكون أقرب مما نتخيل من الثورة. والمشكلة أن حدوث ثورة في هذه الأجواء سيؤدي إلى تمزق السودان، وهذا خطر على السودان والبلاد التي تجاوره، مصر وأثيوبيا وغيرهما. العالم الآن متشابك ويتأثر بسرعة بما يجري من أحداث في أي مكان مجاور. لذلك حاول (يقصد البشير) أن يسترضي شباب الثورة في مصر، فقام بإرسال مجموعة من شباب حزب المؤتمر الوطني إلى القاهرة، وادعى أنهم من قوى وأحزاب مختلفة، وفي المناسبة هو (البشير) يقابل عناصر من الحزب الوطني المنحل في مصر، من طريق السفارة السودانية في القاهرة. هل هناك فرصة أمام التيار الإسلامي للحكم في بعض الدول العربية؟ - اندلاع الثورات العربية فتح المجال أمام الكلام حول هذه المسألة، ووجدت حركات إسلامية نفسها أمام واقع جديد يساعدها على الصعود والانتشار. لكن الخطورة أن الإسلاميين ليست لديهم تجربة في الحكم وغير مهيئين له. لديهم نقص في آليات إدارة الاقتصاد والسياسة والفنون والرياضة والطب. كل المجالات لا توجد فيها معارف إسلامية تساعد على الحكم وفقاً لقواعد وأسس إسلامية. وإذا كانت الفرصة تبدو سانحة كما يتخيل البعض، فهذا ابتلاء شديد للإسلاميين، سواء في مصر أو ليبيا أو تونس أو سورية. ومن دون نقد لا يعرف المرء أخطاءه. وعندنا مثل في السودان يقول «الجمل لا يري أن رقبته معوجة... لكنك تراها». أنت غير مقتنع بإمكانية نجاح أي تجربة إسلامية في السلطة؟ - الإسلام منذ انتهاء عهد الخلافة الراشدة لم يحكم. ولا توجد حتى الآن تجربة إسلامية حقيقية تصلح للحكم. ونحن دخلنا السلطة في السودان من دون تجربة. وحققنا نجاحات وإخفاقات. والفقه الإسلامي خال من التأصيل السياسي. فكله طهارة وزواج وطلاق وحج. والصوفية عندهم تقوى وأخلاق لكنهم بعيدون من السياسة. ولا يوجد اقتصاد إسلامي ولا فن إسلامي ولا رياضة إسلامية. تسألني كيف أوزع التركة، أردّ بإجابة مستفيضة، لكن من الصعوبة أن أخطط لاقتصاد بلد أو أحل مشكلة تضخم أو أفهم في أسواق العملات والأسهم العالمية. هذا النوع من القضايا لم يكن مطروحاً في صدر الإسلام. وهو عموماً يدعو للاجتهاد. فالنبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) جاء كآخر الأنبياء وقال للناس أنتم أدرى بشؤون دنياكم وعليكم التجديد، وفق التطورات وظروف العصر. وحركة الاجتهاد ليست للمجتهدين فقط، بل لكل الناس. والمتخصصون من الممكن أن يطرحوا أفكاراً أكثر عمقاً ونحن نختار ما نراه صالحاً. كما أن القومية العربية لم تفعل شيئاً أو تقدم حلولاً للمشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية. علينا الاستفادة من التجارب الإسلامية لتصحيح المسارات. فهناك تجربة شيعية في إيران علينا الاستفادة منها. أقول هذا وأنا لست شيعياً ولا سنّياً. المسلمون إما سنّة أو شيعة؟ - هل كان هناك سنّة أو شيعة في عهد الرسول؟ سيدنا عيسى، هل كان كاثوليكياً أم بروتستانتياً أم أرثوذكسياً؟ هل سيظل خلاف علي ومعاوية إلى يوم القيامة؟ وأنا ما ذنبي في هذا الخلاف؟ إن الله لن يسألني عن شيء وقع قبل أكثر من 1400 سنة. فقط سيسألني عما هو بين يدي الآن. أقول هذا الكلام لأنني قرأت كل كتب التاريخ الإسلامي وأنتقي منها ما يعجبني، وأنا لست مفتياً. وعندما كنت قريباً من الإيرانيين قلت لهم بعبارة صريحة أنا لست سنياً ولا شيعياً، وقلت لهم أيضاً: لكم أخطاء في تجربتكم الإسلامية. وللأسف، الطائفية الدينية عندنا أصبحت مثل الكنائس في الغرب. فقد أصبح الكنسي بمثابة آية الله العظمى يحكم البلد. لكنك كنت مؤيداً ومعجباً في فترة من الفترات بالتجربة الإيرانية؟ - لا طبعاً. ليس كلها. كانت لدينا تجربة في السودان شابتها أخطاء كثيرة. وكنت حريصاً على ترسيخ مبدأ الشورى؛ فهي أساس الحكم. لكن، لو وليت عسكرياً لغابت الشورى. فالجيش لا يعرف الشورى. توجد أوامر فقط من أعلى الى أسفل. كل السلطة تتركز في المنطقة المركزية أو القائد العام وهو يفعل ما يشاء في الثروة والسلطة ولا يعرف شيئاً عن وثيقة عهد في الدستور، في حين أنا كمسلم ملتزم دينياً باحترام العهود والعقود. هو (يقصد البشير) حدثته نفسه أنه لا بد من أن «يتفرعن» فانقلب علينا واستفرد بالسلطة وأصبح مفتوناً بنفسه ومحرضاً من الخارج. هل إذا وصل الإسلاميون إلى السلطة في مصر أو تونس سيكون ذلك خطراً على الغرب؟ - لن يكون مقبولاً بنسبة مئة في المئة. تحدثت مع جهات غربية كثيرة وحاولت أن أوصل لهم رسالة واحدة أن لا مشاكل بيننا وبينهم. ونصحتهم بأن يكونوا واقعيين ويتخلوا عن أحقادهم الموروثة منذ الحروب الصليبية والاستعمارية. ومن الأفضل أن يتم الحديث حول القواسم المشتركة بالنسبة الى الإنسانية والبناء عليها، بدلاً من الكلام عن شرق وغرب وشمال وجنوب. وبدأ البعض يفهم أهمية حديثي ويقتنع به، وبالحوار يمكن تخطي عقبات كثيرة.